'ياهو' تغلق مكاتبها في المنطقة... ولكن إرث 'مكتوب' مستمرّ
نُشرَت هذه المقالة أساساً على "ذي بلاك آيرس" The Black Iris.
أعلنَت "ياهو!" Yahoo!، الشركة العالمية التي اشترَت الشركة الناشئة الأردنية في مجال الإنترنت "مكتوب" Maktoob عام 2009، عن إغلاق مكتبها في دبي، وهو آخر مكتبٍ لها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تاركةً أكثر من 50 شخصاً من دون عمل.
إنّه لخبرٌ حزينٌ بالطبع، خصوصاً بعدما كان المرء يتمنّى أن تنمو "ياهو!مكتوب" وتزدهر في المنطقة.
ولكن يبدو أنّ إغلاق المكاتب يقع ضمن جهود "ياهو!" التي تحاول تحضير الشركة لبيع عملياتها الأساسية.
خلال السنوات الماضية، كانت "ياهو!" تسعى جاهدةً للبقاء لإيجاد المجال الذي يسمح لها بمنافسة عمالقة العالم الرقميّ مثل "جوجل" Google و"فايسبوك" Facebook. ولذلك قامَت الشركة بتغيير رئيسها التنفيذي وفريقها القيادي مرّاتٍ عدّة، حتّى أنّ الرئيسة التنفيذية الأخيرة، ماريسا ماير، التي كانت تعمل سابقاً لدى "جوجل"، لم تتمكّن من إحداث تغييرٍ لرفع مكانة "ياهو!" في العالم الرقميّ المعاصر.
وبدورنا نحن كروّاد أعمال ومستثمِرين ومعنيين بالبيئة الحاضنة للتكنولوجيا في المنطقة، من المهمّ جدّاً أن نعيد التفكير في استحواذ "ياهو!" على "مكتوب" وتقييم هذه التجربة.
ولا يجب النظر إلى هذا الاستحواذ كصفقةٍ مضَت وانتهَت، بل في تأثيرها على البيئة الحاضنة ككلّ.
1) ضجّة مستمرّة
استحواذ "ياهو!" على "مكتوب" مقابل 175 مليون دولار كان ولا يزال الاستحواذ الأكبر على شركة تكنولوجيا في المنطقة. وهذه الصفقة التي كانت بمثابة شرارة انطلاقة البيئة الحاضنة، ما زالت التحليلات والأحاديث عنها مستمرّة حتّى بعد 5 سنوات.
2) إعادة استثمار رأس المال
بعدما ضخّت هذه الصفقة مبلغاً كبيراً من المال في البيئة الحاضنة، أعيد استثمار الكثير منه في إنشاء شركاتٍ جديدةٍ في المنطقة. ونتيجةً لذلك، ظهرَت "سوق.كوم" Souq.com التي أصبحَت أوّل شركةٍ في المنطقة تحصل على تمويلٍ إضافي بقيمة 300 مليون دولار فيما تخطَّت قيمتها مليار دولار.
3) جذب مستثمرين عالميين
بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، ساهمَت هذه الصفقة في جذب عدّة مستثمِرين عالميين كبار للاستثمار في المنطقة، مثل "تايجر جلوبال" Tiger Global و"ناسبرز" Naspers، بالإضافة إلى توفير 500 مليون دولار للاستثمار في الشركات الناشئة.
4) شركات تكنولوجيا أكثر
كنتيجةٍ مباشرةٍ للصفقة، تمّ إنشاء الكثير من الشركات سواء من خلال تشكيل "مجموعة جبار للإنترنت" Jabbar Inernet Group التي استثمرَت في أكثر من 20 شركة ناشئة، أو من خلال موظّفين تركوا "مكتوب" ليؤسسوا مشاريعهم الخاصّة.
5) التحفيز على النجاح
لا تنحصر قصص النجاح بـ"ياهو!مكتوب" وحسب، فهناك صفقات بيع أو استحواذ أخرى كبيرة في المنطقة، منها "زاوية" Zawya [التي استحوذَت عليها "طومسون رويترز" Thomson Reuters] و"آي أم إي إنفو" AMEInfo، بالإضافة إلى "طلبات" Talabat في الكويت التي بلغَت صفقة الاستحواذ عليها 170 مليون دولار. ومؤخّراً حصلت "كريم" Careem على استثمارٍ جديد، فيما باتت تقارب قيمتها 150 مليون دولار.
6) زيادة فرص العمل
نشهد اليوم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طفرةً كبيرةً في الشركات الناشئة التي توظّف الآلاف، مثل "سوق.كوم" التي يوجد لديها أكثر من 3 آلاف موظّف في مختلف أنحاء المنطقة.
في غضون ذلك، فإنّ موظّفي "ياهو!مكتوب" الذين هم من ذوي المهارات العالية والتدريب الجيّد ويمتلكون خبراتٍ عالميةً وإقليميةً هائلة، سيُطلَبون بشدّةٍ من قبل الشركات الأخرى والشركات الناشئة التي تحتاج فعلاً إلى مثل هذه المهارات.
كما أنّه وبعد ترك "ياهو"، سيقرّر الكثيرون منهم إطلاق شركاتٍ ناشئة تُضاف إلى البيئة الحاضنة المزدهرة والمتنامية في المنطقة.
إذا لم تُحقّق الصفقة بين "ياهو!" و"مكتوب" كلّ ما سبق أعلاه، فهي على الأقلّ شكّلت عامل إلهامٍ للكثير من روّاد الأعمال الشباب في المنطقة وكانت بمثابة حجرة الدومينو الأولى التي يستمرّ تأثيرها حتّى اليوم. حتّى أنّها في ذلك الوقت أيضاً كانت خبراً إيجابياً بين بحرٍ من الأزمات السياسية التي تعصف بالمنطقة.
هذه البيئة الحاضنة التي تساعد شبابنا وروّاد الأعمال لدينا على تغيير الوضع الراهن، هي أفضل أملٍ لنا للوصول إلى منطقةٍ أفضل ومستقبلٍ أفضل؛ وهذه هي الطريقة التي سيستمرّ بها إرث "مكتوب".