الاقتصاد الإسلامي فرصة جديدة أمام رواد الأعمال؟
أرادت "القمة العالمية للاقتصاد الاسلامي"Global Islamic Economy Summit في دورتها الثانية التي انعقدت في دبي، يومي 5 و6 من الشهر الجاري، أن تشكلّ منصّةً تجمع بين مختلف أصحاب القرارات. وذلك من أجل التعاون والمساعدة على تطوير الاقتصاد الإسلامي الذي يُعتبَر الأسرع نمواً في العالم، بحسب "تقرير واقع الاقتصاد الاسلامي العالمي 2015/16" الذي نُشر قبيل انعقاد القمة.
ويخبرنا مصطفى عادل، القائم بأعمال رئيس قسم التمويل الإسلامي في شركة "تومسون رويترز" Thomson Reuters التي تعتبر أحد منظّمي الفعالية إلى جانب "مركز دبي لتطوير الاقتصاد الاسلامي"Dubai Islamic Economy Development Centre و"غرفة دبي" Dubai Chamber، أنّ القطاعات ما زالت محلية و"منتجي الأغذية الحلال يركّزون على السوق المحلّية أو دول الجوار فقط، من دون القدرة على التوسّع لأسباب عدّة، قد تكون أبرزها غياب التآزر بين مختلف القطاعات."
بعض المتحدّثين خلال ندوةٍ في القمّة. (الصور من "القمة العالمية
للاقتصاد الإسلامي")
وبالفعل، جمعَت القمّة على مدار يومين أكثر من 60 متحدّثاً من مختلف القطاعات بحضور ممثِّلين من أكثر 90، دولة تباحثوا مختلف القطاعات التي تشكّل حجر أساس الاقتصاد الإسلامي متناولين التمويل الإسلامي والموضة المحافِظة، والفنّ الاسلامي والسياحة العائلية والاقتصاد الاسلامي الرقمي.
شدّد عادل على أنّ محفّز الاقتصاد الإسلامي هو المستهلكون المسلمون الذين ما زالوا يتمسّكون بقيمهم الثقافية والدينية، وأنّ معظمهم يعيشون في أسواق سريعة النموّ. وأضاف أنّ "الناتج المحلّي الإجمالي في الدول المسلمة ينمو بنسبة 5% مقارنةً بـمعدّلات النموّ العالمية التي تتراوح من 3 الى 3.5%.
كما ذكر أنّ تقرير مركز "بيو" Pew Institute كشف أنّ 87% من المسلمين يعتبرون القيم الدينية مهمّة جداً في اتخاذ القرارات الاقتصادية، مقابل 50% في الولايات المتحدة، و37% في أوروبا. واعتبر أنّ كلّ هذه الأرقام ليست إلّا مؤشّراً على أنّ حاجات المسلمين تدفع بالابتكار قدُماً لنموّ بيئةٍ حاضنةٍ متكاملة.
"التأثير من أجل الابتكار"
"دعم الابتكار، استحداث الفرص"، كان شعار هذه القمّة. فبعد "جائزة الاقتصاد الاسلامي" Islamic Economy Award التي انطلقت عام 2013 لتكريم مبادراتٍ في ثماني فئات رئيسية من الاقتصاد الإسلامي، تمّ استحداث جائزة "التأثير من أجل الابتكار" Innovation 4 Impact، التي فاز فيها رائدُ الأعمال علي دباجة، الرئيس التنفيذي لـ"حج نت"، وهو موقعٌ يوفّر المحتوى الذي يساعد المسلمين خلال تأدية الحج والعمرة.
وعن هذا الأمر قال عادل إنّه "عندما أطلقنا ‘جائزة الاقتصاد الإسلامي‘ قبل عامَين، وجدنا أنّ الابتكار يلعب دوراً أساسياً، لاسيما أن المزيد من الشركات تتحوّل الى الإعلام الرقمي والتكنولوجيا من أجل التوسّع، على الرغم من الاستثمارات المحدودة". ولذلك، "أردنا أن تكون ‘جائزة التأثير من أجل الابتكار‘ مصدر إلهام للآخرين، وليس مجرّد تكريمٍ للشركات."
منح جائزة "التأثير من أجل الابتكار" إلى "حج نت".
باختصار، إنّ الاقتصاد الاسلامي ساحةٌ مفتوحةٌ أمام روّاد الأعمال، سواء كانوا مسلمين أم لا. وفي ما يلي بعض من الحقائق والتحدّيات والنصائح التي تختصر ما تناولَته القمّة.
- فرصة حلّ
المشاكل. اعتبر كريس عبدالرحمن أبوفلت، مؤسّس منصّة
"لونش جود"
LaunchGoodللتمويل الجماعي، أنّ سوق الاقتصاد الإسلامي
تقدّم الكثير من الفرص الجديدة لروّاد الأعمال. وقال إنّ "ريادة
الأعمال تتمحور حول حلّ المشاكل، وكثيرة هي تلك التي تواجه المسلمين".
وبعدما أكّد على أهمّية تخصيص تطبيقات للمسلمين، شرح أنّ "منصة ‘كيك
ستارتر‘ Kickstarter بدّلت طريقة القيام بريادة الأعمال في الولايات
المتّحدة، وقد أردتُ القيام بأمرٍ مماثلٍ للعالم المسلم، فأطلقتُ
‘لونش جود‘."
وبدوره، أكّد عادل على هذا الأمر، مشيراً إلى أنّ غياب العلامات التجارية العالمية، يترك الساحة مشرّعةً على مصراعيها من أجل تطوير شركاتٍ عالمية. وأعطى أمثلةً عن شركاتٍ مثل "كريشينت راتينغ" Crescentrating للسياحة العائلية، و"ذبيحة دوت كوم" Zabihah للأغذية الحلال، بالإضافة إلى افتتاح عدد من المصارف الإسلامية في بريطانيا وألمانيا.
- الدافع والقيم
والمبادئ. شدّد أبوفلت على أنّ ابتكار منتَجٍ أو خدمةٍ
جديدةٍ هو الأهمّ، "فالأمر ليس مجرّد حلّ مشكلة أو جني الأموال، بل
خدمة مَهمّة روحانية أكثر عمقاً".
من جهته، اعتبر شاهد أمان الله، الشريك المؤسس لمسرعة النموّ "أفينيز لابز" Affinis Labs في الولايات المتحدة ورئيسها التنفيذيّ، أنّه "إذا كنت تؤمن أن دينك هو الرحمة إزاء البشرية، حاول أن تجد سبلاً لاستخدامه في ابتكار أشياء تكون ذات قيمةٍ للجميع وتتخطّى كلّ الحدود."
أمّا رامي الملك، مؤسّس "ميلّا" Miella التي يصفها بالعلامة التجارية للأزياء المحافظة، شدّد على بناء بيئةٍ حاضنةٍ بشكلٍ أخلاقي، أي الاهتمام بحاجات الناس أكثر من الأرباح.
- الثقة
بالنفس. أشار ألو فلت إلى أنّ غياب الثقة بالنفس لدى
المسلمين كانت أكبر إرثٍ من الاستعمار، وشرح ذلك قائلاً إنّه "حتى لو
كنت تملك فكرةً جيدةً فلن تلقى الدعم، وقد يشاركون فكرتك على
‘فايسبوك‘ لكنّهم لن يدعموك. لذا، لا بد أن يفكرّ المسلمون بطريقةٍ
رياديةٍ وأن يدركوا أهمّية الاستثمار بشيءٍ مختلف عن الأعمال
الخيرية."
كما أضاف أنّه "إذا كنت تعيش في الولايات المتحدة، لا بدّ أن تساعد في بناء الثقافة المسلمة (..) وأن يفهم الناس أهمّية التمويل الجماعي."
- نموذج
"المربّية" nanny model .
هكذا وصف أمان الله خطّة الأعمال التي يبغضها لدى الروّاد، والتي تكمن
في "أخذ فكرة من الغرب وتغييرها وتقديمها للمسلمين [...] فهذا مهين
ولا يقدّم أيّ قيمة مضافة، لاسيما أنّنا نريد تمكين المستهلكين وحثّهم
على التعبير عن أنفسهم." وفيما قال إنّه لا حاجة لابتكار "فايسبوك"
جديدٍ للمسلمين لأنّهم اختاروه بالفعل، أشار في المقابل إلى طرق أفضل
لصياغة أفكار موجودةٍ أصلاً، على غرار التمويل الجماعي، وتطبيقها بما
يناسب عملية التبرّعات المسلمين مثلاً.
ومن جهته، أكّد أبوفلت على أنّ الشركات الناشئة يجب أن تستهدف نمط حياة المسلمين من أجل تسهيل حياتهم العملية واليومية.
- نقص التمويل. رأى أمان الله أنّ هذا أكبر تحدٍ يواجهه روّاد الأعمال في الاقتصاد الاسلامي. وذلك لأنّ المستثمرين التأسيسيين وصناديق رأس المال المخاطر ما زالوا لا يفهمون هذا القطاع جيداً ولا يستثمرون فيه، بسبب الأفكار المسبقة السلبية حول كلّ ما يتعلق بقطاع الحلال والمسلمين.
قد يحمل كثيرون نظرةً سلبيةً عن المسلمين، ولكنّ روّاد الأعمال، بالنسبة لأبوفلت، قادرون على تغييرها، والمسلمين قادرون على حلّ المشاكل بفضل ريادة الأعمال. إلّا أنّ الطريق ما زالت طويلة، وفقاً لأبو فلت، ويبقى أكثر ما تفتقره البيئة الحاضنة الإسلامية قصصَ نجاحٍ تذكّرنا بوادي السيلكون و"جوجل" و"آبل".