أربعة شركات ناشئة غيّرت مساراتها عام 2014 نحو أعمالٍ واعدة
لؤي ملاحمه مؤسِّس "3دي مينا" يقدّم شركته للعاهل الأردني الملك عبد الله وعقيلته الملكة رانيا
بدأ ويليام ريجلي جونيور عام 1892، بعدما انتقل حديثاً إلى شيكاغو وعمل فيها كبائع صابون، بتعبئة وتغليف العلكة كسلعةٍ إضافة مجّانية يقدّمها إلى جانب منتجات التنظيف. وفيما ازداد الطلب على العلكة مقارنةً بالصابون، اتّخذ قراراً من شأنه أن يدخُل التاريخ. وشركة ريجلي الآن، التي تُعتبَر واحدةً من أقدم الشركات العاملة في الولايات المتحدة، تبيع منتجاتها في أكثر من 180 دولة بعائداتٍ تزيد عن 5 مليارات دولار سنوياً، وتوظّف أكثر من 16 ألف عامل في أكثر من 20 بلداً في جميع أنحاء العالم.
في مصطلحات القرن الواحد والعشرين، يمكن وصف القرار المصيري الذي اتّخذه وليام ريجلي بأنّه "تغيير مسار". وهذا المصطلح الأخير يعرّفه إريك ريس في كتابه "ذا لين ستارتب" The Lean Startup، أنّه "تصحيح مسارٍ منظّمٍ، مصمّمٌ لاختبار فرضيةٍ أساسيةٍ جديدةٍ حول المنتَج والاستراتيجية ومحرّك عجلة النموّ." وتفترض النظرية أنّه من خلال التيقّظ وإيلاء الاهتمام الوثيق لمؤشرات أداءٍ معيّنة، يمكن للشركات الناشئة أن تستفيد عبر إدراك ما يتماشى مع نماذج أعمالها والتخلّص في الوقت عينه ممّا هو غير مفيد.
في الوقت الذي تكتسب فيه فلسفة وادي السيليكون مزيداً من القوة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نشهد أمثلةً عن عمليات تغيير مسارٍ ناجحةٍ أكثر من أيّ وقتٍ مضى. وفيما يلي أبرز أربعة شركاتٍ إقليميةٍ واعدةٍ، غيّرَت مسارها خلال العام الماضي.
يباب Yebab، الإمارات العربية المتّحدة
يباب، التي أُطلِقت عام 2008 كموقعٍ لتجهيز حفلات الزفاف، "حقّقت الأرباح منذ البداية". وفي حديثه مع "ومضة" في شهر مارس/آذار الماضي، قال المؤسِّس مرشد محمد، إنّه وشقيقته ماريّا محمد لاحظا "أنّ 60% من الزيارات على موقع يباب هي عبر الهواتف المحمولة."
"ولكنّ وجود تطبيقٍ للموقع الإلكتروني على الهاتف لم يكن كافياً. ولكي لا يفوتنا المستقبل، كان علينا أن نجد حلّاً للمشاكل التي تؤثّر في حياة الناس اليومية،" بحسب ما يقول مرشد في بريدٍ إلكتروني بعثه لـ"ومضة".
فيما بعد، اتّخذت عائلة محمد قراراً بتغيير مسار الموقع وتخصيصه في المقام الأوّل كتطبيقٍ لتبادل الصور، في تحدٍّ مباشرٍ للتطبيق "واتساب" WhatsApp. من جهتها، لا تزال المنصّة موجودةً على شبكة الإنترنت، ولكنّها انتقلت تدريجيّاً بعيداً عن محتوى حفلات الزفاف نحو الصور. وهي باتت تستهدف المخازن والعلامات التجارية، وكذلك الأفراد الذين يتطلّعون لمشاركة الصور مع الأصدقاء.
وفي رسالته الإلكترونية لـ"ومضة"، يذكر مرشد محمد "أنّ جمهور مستخدمي التطبيق يختلف عن زوّار الموقع." ويضيف، "لقد قمنا بتغيير مسارنا تدريجيّاً للحفاظ على الجانب التجاري للشركة إلى حين انطلاق المفهوم الجديد. وهذا ما يساهم في تقليل المخاطر والتحلّي بالمرونة قدر الإمكان."
ويخلُص المؤسِّس إلى "أنّ الأمور تجري بشكلٍ جيّدٍ للغاية، ونحن نقوم باستمرارٍ بمراجعة ‘يباب‘ ونقوم بتحسيناتٍ نراها تؤثّر مباشرةً على المقاييس الرئيسية."
"لوريم" Lorem، المغرب
بعدما بدأت شركاتٌ مماثلةٌ لشركتهما بالتوسّع في المغرب مهددةً ميزتهم التنافسية، أدرك مؤسِّسا "لوريم"، علاء الدين قدّوري وأنس الفيلالي، أنّها تحتاج إلى تغيير نموذج أعمالها.
في بداية الأمر، قام المؤسِّسان المتخصّصان في تطوير ألعاب HTML5، بتحويل مسار "لوريم" لتصبح صانع برمجيّاتٍ من خلال تطبيقٍ يسمح لمطوّري الألعاب الجدد بإيجاد ألعاب HTML5 خاصّةٍ بهم باستخدام السَّحب والإسقاط. (HTML5 هي لغة ترميزٍ متطوّرة، تسمح للمطوِّرين بعدّة أمور، من بينها بناء تطبيقاتٍ تفاعليّةٍ على شبكة الإنترنت مع تجاوز القيود المتعلّقة بمنصّات الملكية مثل "أدوبي فلاش" Adobe Flash و"مايكروسوفت سيلفرلايت" Microsoft Silverlight)
من جهته، يقول الفيلالي في رسالةٍ إلكترونيةٍ لـ"ومضة"، إنّه "بدلاً من استهداف أكبر عددٍ ممكنٍ من المستخدمين، اخترنا مكاناً يجمع بين ما هو تعليميّ وتفاعليّ، ويستهدف كلّاً من الفاعِلين والمطوِّرين". كما أضاف أنّه منذ المرّة الأخيرة التي تكلّم فيها مع "ومضة" في حزيران/يونيو، بدأت "لوريم" بجني الإيرادات. وبحسب المؤسِّس أيضاً، فهم قاموا بتطوير منحةٍ تعليميةٍ للمفاهيم الإبداعية عبر إدخالها في إطار الألعاب.
ويقول الفيلالي، إنّ "النصيحة التي يمكن تقديمها للشركات الناشئة، هي عدم التردّد في مواجهة خدمتكم مع واقع السوق. فأحياناً، يجب اتّخاذ قراراتٍ مؤلمةٍ وإجراء تغييراتٍ استراتيجية."
"ثري دي مينا" 3Dmena،الأردن
بعدما قام لؤي ملاحمه مؤسِّس موقع "تيكي تاكي" TickyTacky.me المتعلّق بـ"الأدوات والأجهزة"، بتحويل مسار موقعه تقنياً عام 2013 ليصبح موقعاً متخصّصاً بطباعة الصور ثلاثية الأبعاد "ثري دي مينا" 3Dmena، بدأ هذا الأخير بالانتشار مدعوماً باستثمارٍ من "أوسيس500" Oasis500 في آب/أغسطس.
وكما أخبرني ملاحمه عبر البريد الإلكتروني، أنّه منذ ذلك الحين "ازداد عدد فريقنا من اثنَين إلى خمس أعضاء، كما بدأنا بجني الأرباح مع إطلاق نسختنا التجريبية في تشرين الثاني/نوفمبر." وفيما حصلوا على رعايةٍ حصريةٍ من شركة الاتّصالات "زين الأردن"، أتيحت أمام فريق "ثري دي مينا" أيضاً فرصة تقديم شركتهم أمام العاهل الأردنيّ الملك عبد الله وعقيلته الملكة رانيا.
في هذا الوقت، فإنّ أحد أكثر المشاريع إثارةً من تلك التي يعمل عليها ملاحمه وفريقه، هي شراكةٌ مع عددٍ من المؤسَّسات لطباعة الأطراف الصناعية بشكلٍ ثلاثيّ الأبعاد. وذلك في سبيل مساعدة اللاجئين السوريين المعاقين، الذين يعيشون في مخيّم الزعتري الضخم في الأردن (نتوقع المزيد من التفاصيل حول هذا المشروع مطلع العام المقبل).
أمّا النصيحة التي يقدّمها ملاحمه لروّاد الأعمال فهي منهجيةٌ بسيطةٌ وكلاسيكية، ويقول إنّه يتّبعها بنجاحٍ لغاية الآن في مسيرته الخاصّة: "ستقع سريعاً في أغلب الأحيان، ولذلك تعلّم من أخطائك. وعندما ترغب في تغيير مسارك، عليك أن تأخذ في عين الاعتبار أنّ الأمر كلّه عبارةٌ عن بناء منتَجٍ يحلّ مشكلةً حقيقية، وليس مجرّد إيجاد شركةٍ ناشئةٍ أخرى."
"هيدن فاوندرز" Hidden Founders، المغرب
قبل أن يبدأ شركته "هيدن فاوندرز" Hidden Founders كجزءٍ من نهجٍ اختباريٍّ ثلاثيّ المحاولات، سبق لياسين الخشاني أن عرف الفشل بالفعل. أمّا "هيدن فاوندرز"، الشركة التي تقدّم خدماتٍ تقنيةً للشركات الناشئة في الخارج، فكانت النموذجَ الأوّليّ الواعد بالنسبة للمؤسِّس وشريكَيه المؤسِّسَين عادل هيزوني ونبيل بالمزوار.
ولكن بعد اثني عشر شهراً من دخول السوق الأوروبية، لم يستطيعوا تأمين طلبٍ واحدٍ للشركة. بعد ذلك، أدرك الخشاني أنّ هذا الأمر سيكون نفسه في جميع أنحاء العالم: "معظم المؤسِّسين متوقّفون عن العمل، ولا يملكون نموذجاً أوّلياً ولا منتَجاً يملك أدنى مقوّمات الاستمرار ولا حتّى تمويلاً تأسيسيّاً. فهم على الأرجح ما زالوا يبحثون عن الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا، في سبيل الحصول على مالٍ مقابل حصّةٍ من الأسهم."
لذلك، قام الفريق بتغيير مسار النموذج الذي يتّبعه إلى مسؤولٍ تنفيذيٍّ للتكنولوجيا شبه افتراضيٍّ، ليكون في خدمة الشركات الناشئة الجديدة.
يشرح الخشاني قائلاً، "نحن هنا لبناء منتَجٍ قابلٍ للاستمرار، يساعدهم على التحقّق من فعّالية فرضيّتهم وعلى الحصول على الشعبية التي من شأنها أن تقنع مديراً تنفيذيّاً للتكنولوجيا أو مسرّعة نموٍّ أو مموّلاً تأسيسيّاً." هذا ويستفيد الفريق من شبكة علاقاته الواسعة مع المطوِّرين المغربيّين، لبناء لغة برمجيّاتٍ يتمكّن من تطبيقها على الشركات الناشئة التي تحتاجها.
بالإضافة إلى ذلك، ونظراً للصعوبات التي تواجه الشركات الناشئة في الحصول على المساعدة من الحكومة المغربية، باتت شركة "هيدن فوندرز" أقرب لتكون مصدراً رئيسيّاً لروّاد الأعمال في المغرب وشمال أفريقيا في السنة القادمة.