الإمارات تدعم الريادة وتسنّ ثلاثة قوانين
بات واضحاً لكلّ الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تعزيز ريادة الأعمال لا يؤدي الى ابتكار خدمات ومنتجات جديدة في الأسواق فحسب لا بل يؤجج المنافسة ويخلق المزيد من فرص العمل، لينعكس ايجاباً على النموّ الاقتصادي. فبحسب البنك الدولي، تساهم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بنسبة ما يقارب 45% من التوظيف في الاقتصادات الناشئة و33% من الناتج الاجمالي المحلي.
وليست الإمارات العربية المتحدة باستثناء إذ أدركت أهمية الشركات الناشئة في تمكين الاقتصاد ومواصلة ازدهاره بعد تباطؤ انتاج النفط. حتى أن الامارات جاءت في المرتبة الثالثة والعشرين للدول التي يسهل القيام بالأعمال فيها في تقرير "القيام بالعمال 2014" الذي أصدره البنك الدولي.
في خطوة للتعرّف أكثر على المبادرات والفعاليات والقوانين المتوفرة في الامارات العربية المتحدة التي تساهم في تعزيز بيئة الأعمال الحاضنة، التقينا برائد الأعمال محمد جهماني، الذي استقرّ في الامارات منذ سنوات عدّة والذي يملك خبرة في ريادة الأعمال إذ أسّس أكثر من شركة ناشئة ناجحة، من بينها "كاري" Cary! و"موبي بص" Mobibus.
المبادرات والفعاليات لتعزيز البيئة الحاضنة
تلقى بيئة ريادة الأعمال الحاضنة في الامارات دعم ما يقارب 40 جهة حكومية، من بينها غرفة أبو ظبي التجارية وغرفة دبي التجارية وصندوق خليفة ومؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة و"إنجاز" ومؤسسة الشارقة لدعم المشاريع الريادية و"مبادلة" و"تو فور 54" Twofour54. وعلى سبيل المثال، ساهم صندوق خليفة بتمويل 582 مشروعاً بقيمة تفوق 245 مليون دولار منذ تأسيسه عام 2007. وقد جاء هذا الدعم في إطار برامج عدة كـ"خطوة" و" بداية" و"زيادة".
ويخبرنا جهماني أن رائد الأعمال الإماراتي يستفيد أيضاً من برنامج "انطلاق" الذي يخوّل المواطن الاماراتي الحصول على رخصة لمدة عامَين من دون دفع أي رسوم، أمر لا ينطبق على رواد الأعمال الأجانب. فعلى الرغم من أن الجميع في الامارات (مواطنين وغير مواطنين) يستفيدون من هذه البرامج والمبادرات، الا أن جهماني أكّد أنه "من الضروري تعزيز المنافسة وفتح المجال، الى حدّ ما، للأجانب." ويضيف "عندما تمّ انشاء المناطق الحرة، أطلق العنان للابتكار والابداع بتوافد العديد من غير المواطنين الا أن المهمة ما زالت صعبة بسبب التكاليف الباهظة لاستئجار المكاتب والرسوم المتعددة."
كما تشهد الامارات فورة في الفعاليات الخاصة بريادة الأعمال كدلالة الى نموّ البيئة الحاضنة. وقد استضافت الامارات ودعمت العديد منها كـ "منتدى أبوظبي لريادة الأعمال 2013" ومنتدى الابتكار وريادة الأعمال 2013 التابع لمنتدى ريادة الأعمال العالمي من دون أن ننسى مختلف الفعاليات المتنوّعة التي تنظّمها الشركات العالمية وحاضنات الأعمال ومسرعات النمو في البلاد.
القوانين الحالية
يطلعنا جهماني أنه "إذا أردت اقتصاد متميّز لريادة الأعمال، لا بدّ أن تصدر قوانين وتشريعات متميّزة."
وتجدر الاشارة الى أن رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، كان قد أصدر في آب/ أغسطس 2009 مرسوماً اتحادياً بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 8 للعام 1984 المتعلق بالشركات التجارية ليتيح للشركاء في الشركات ذات المسؤولية المحدودة تحديد رأس المال الكافي لتحقيق الغرض من تأسيسها مما يُسهم في خفض كلفة مزاولة الأعمال وتوفير الحوافز اللازمة لتأسيس الشركات الجديدة.
باستثناء هذا التعديل، لا توجد قوانين محفّزة أو خاصة للشركات الناشئة التي تتبع القوانين الخاصة بالشركات العاديّة. وإذا أراد فرد تأسيس شركة ناشئة، يتوفّر خيارَين أمامه، بحسب جهماني. فيستطيع تأسيس شركة في المناطق الحرة المتوفرة في دبي والفجيرة ورأس الخيمة وأبوظبي أو يختار أن يتّبع قوانين دائرة التنمية الاقتصادية.
وهنا يقول جهماني أن التكلفة في المنطقة الحرّة أعلى (تختلف بحسب المنطقة الحرّة التي تختارها) من دائرة التنمية الاقتصادية التي تُجبرك على اتّخاذ شريك إماراتي (يملك 51% من الشركة بصفته وكيل خدمات).
أما في ما يتعلّق بطبيعة الشركة، فلا بد أن تكون محدودة المسؤولية في المناطق الحرة. الا أنك تستطيع اختيار "رخصة مهنية" في دبي. ويشرح جهماني أن هذا الترخيص أقلّ تكلفة الا أنك لا تستطيع الحصول على شركاء لأنها رخصة فردية. ويضيف "هذا الترخيص خطير جداً لأن كل المسؤوليات تقع على عاتق المؤسس لا الشركة."
قوانين قيد الدراسة والتطبيق
يعتبر جهماني أن المشكلة الأكبر هي وجود الكثير من المؤتمرات والفعاليات الا أن التغييرات تحتاج للكثير من الوقت لُتترجم على أرض الواقع. وتناول جهماني مثال الاعلان الذي قامت به "تو فور 54" خلال دورة "عرب نت" الأخيرة في دبي الخاصة بالتأشيرات. ففي خطوة لتعزيز بيئة ريادة الأعمال في البلاد التي توظّف 90% من اليد العاملة، أعلنت نورة الكعبي، الرئيسة التنفيذية لشركة TwoFour54 والعضو في المجلس الوطني الاتحادي أن فئة جديدة من تأشيرات العمل سيتم اطلاقها للسماح بالعمل من دون استئجار مكتب في TwoFour54. ورحّب جهماني بهذا الخبر الا أنه تساءل عن تفاصيله لاسيما أن الكعبي لم تكشف المعلومات حول هذه التأشيرة وكلفتها ومدّتها وما إذا كانت تنطبق على كل رواد الأعمال.
الا أن الحكومة الإماراتية وادراكاً منها بالتحديات التي تواجه الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة الحجم، تعمل حالياً على وضع اللمسات الأخيرة على ثلاثة قوانين قد تسهّل مهمة رواد الأعمال وتساعدهم على المجازفة وعدم الخوف من الفشل وعقِباته.
- قانون تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم: صادق المجلس الاتحادي عليه وما زال يحتاج الى موافقة الحكومة ويهدف الى مضاعفة الدعم الحكومي للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. فيفرض هذا القانون على المؤسسات الحكومية أن تخصص 10% على الأقل من صفقاتها للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
- قانون الافلاس: ما زال هذا القانون قيد الدراسة الا أنه يهدف الى تقديم الدعم للشركات التي تواجه مشاكل مالية ويسمح باقفالها بطريقة ممنهجة وبأقل خسائر ممكنة. ويعتبر جهماني أن هذا القانون هو الأهم بسبب الصعوبات التي تواجه أي شركة، ناشئة كانت أم لا. ويشرح أن عملية اغلاق شركة تحتاج الى الكثير من الوقت والاجراءات وقد لا تتمكّن من اقفالها أبداً. "يجدر بك الاستعانة بمدقّق خارجي لتبرهن أن الشركة تخسر الأموال ثم التوجّه الى دائرة التنمية الاقتصادية وتقديم طلب مع رسالة من المدقق تثبت حجم الخسائر وعجز الشركة عن الدفع. كما يجدر بك وضع إعلاناً في صحيفَتين محليتين لمدة ثلاثة أشهر يفيد أن الشركة مفلسة وإذا كان لأحد أي اعتراض اللجوء الى المحكمة. بالاضافة الى أنه عليك إلغاء كل الاقامات ودفع كل القروض والمتوجّبات المالية."
- قانون الشركات: تمّ المصادقة على نسخة معدلّة منه العام الماضي ويتوقّع بدء العمل به في الأشهر المقبلة. لا شكّ أن هذا القانون سيدرّ بالنفع على الشركات الناشئة لاسيما أنه لا يجبرها بالامتثال لمتطلبات "الأمرتة" emiratization. بالاضافة الى أن هذا القانون الجديد يُسّهل تأسيس الشركات إذ يزيل شرط الحصول على 150000 درهم (40 ألف دولار) كحد أدنى من رأس المال لانشاء شركة محدودة المسؤولية.
على الرغم من أن القوانين والسياسات الحكومية لا تتبّع المسار السريع ذاته للشركات الناشئة التي تتنامى أعدادها، الا أن الامارات ما زالت جنّة للشركات الناشئة مقارنة ببعض الدول المجاورة، بحسب جهماني الذي حاول لمدة تسعة أشهر أن يُطلق شركة في السعودية من دون جدوى وحتى أنه اضطر لاغلاق شركته في الكويت ونقل موظفيه الى الامارات بعد أن رفضت السلطات منحه تأشيرة دخول (هو المولود في الكويت!). الا أنه يعتبر أن التجربة في البحرين ممتازة لاسيما أن السلطات افتتحت مركز البحرين للمستثمرين الذي يضمّ كل الجهات، من الدائرة الاقتصدية الى كاتب العدل فالمصارف وهيئة الكهرباء والماء والمدققين الماليين والمحاكم الضرورية في مهمة تأسيس شركة والحصول على تراخيص.