الرعاية الصحية الإلكترونية: مخاطر صحية أم أمل جديد؟
تحقق من نبض قلبك عبر الإنترنت (الصورة من Vanguard Communications)
يتسبّب مرض السرطان في 8 ملايين حالة وفاة سنويا حول العالم، وبالتالي يحتفل العالم في الرابع من شباط/فبراير من كلّ عام باليوم العالمي لمرض السرطان، عبر أنشطةٍ توعوية مُتنوعة.
وفيما يتزايد الاهتمام بالرعاية الصحية في المنطقة العربية، تُشير دراسات دُولية إلى تغيّر ملحوظ في المشاكل الصحّية الأكثر شيوعًا التي تُواجه دول المنطقة. كانت المملكة العربية السعودية قد خَصّصَت عام 2014 ما يقارب 29 مليار دولار أميركي من الموازنة العامة للدولة، لدعم خدمات الرعاية الصحية وتمويل إنشاء 11 مشفى جديد و11 مركز طبي إضافي. في الوقت ذاته، اتخذت الكثير من دول المنطقة خطوات مشابهة لزيادة مُخصّصات الرعاية الصحية.
تحديات جديدة للنظام الصحّي في المنطقة
النموّ المُتزايد في الدعم المالي الذي تُقدمه حكومات المنطقة لخدمات الرعاية الصحية، بالإضافة الى تغيّر العادات الصحية والاجتماعية للمُواطنين، أحدثا تغيّرًا في طبيعة التحدّيات الأكبر التي تُواجه قطاع الصحّة في المنطقة. فكبديلٍ عن المشاكل الصحية التقليدية التي واجهت دول المنطقة في الماضي، مثل الأمراض المُعدية وارتفاع نسبة وفيات الأطفال حديثي الولادة، ظهرَت مشاكل نقص التوزيع الجُغرافي العادِل للخدمات الصحية المُتقدمة، وانتشار الأمراض غير المُعدية مثل السمنة والسُكري
الخدمات الطبية الإلكترونية في المنطقة تتأقلم مع المُتغيّرات الجديدة
تجاوبًا مع تلك المُتغيّرات التي طرأت حديثًا على مُتطلبات الرعاية الصحية، قام عددٌ من رواد الأعمال في دول المنطقة بالاستثمار في مجال الرعاية الصحية الرقمية. وتعدّدت خدماتهم بين تلك التي تُقدم إمكانية البحث عن الأعراض المرضية واقتراح المرض المحتمل ("الطبي" AlTibbi و"ويب طب" WebTEb)، وبين خدمات البحث عن الأطباء في التخصّصات المُختلفة وحجز مواعيد معهم ("آبيدوك" Abidoc و"فيزيتا" Vezeeta).
وبدورها، تقوم شركة "عالم هيلث" AlemHealth التي تتخذ من دبي مقرًّا لها، بمعالجة المرضى في الدول النامية عن بُعد، من خلال التشخيص ووصف العلاج على يد أطباء خُبراء في دول أخرى، ومن خلال نظام تواصل إلكتروني تُنقَل من خلاله البيانات والفحوصات الخاصة إلى الأطباء.
تساؤلات حول الفاعلية والأمان
أثار إقبال رواد الأعمال على إطلاق خدمات صحية رقمية تساؤلات تتعلّق بإمكانية الاعتماد على تلك الخدمات للحصول على نصائح طبية موثوقة. وتصاعدت حدّة تلك التساؤلات مؤخرًّا بعد عدّة دراساتٍ أشارت الى احتمال أن تُشكّل بعض هذه الخدمات خطرًا على صحّة مُستخدميها.
أشارت دراسة أجراها باحثون من جامعة "هارفرد"، مُنتصف عام 2015، على 23 تطبيقاً لتشخيص الأعراض، إلى أنّ هذه التطبيقات تحتوي على معلومات طبية خاطئة. كذلك، وصفت "الجمعية الطبية الأيرلندية" خدمات التشخيص والعلاج عن بُعد بأنها قد تُشكّل خطرًا كبيرًا على الصحة، وأوصت بإيقافها.
وتقول الدكتورة بسمة مراد، استشارية في الأمراض الجلدية والتجميل بالليزر، إنّ "جسد المريض يتكامل كوحدةٍ واحدة، ولا يعمل كأعضاء مُستقلة"، وترى أنّه لا يُمكن تشخيص المريض بكفاءة دون لقائه شخصيًّا، وأن الاعتماد على خدمات التشخيص عن بُعد قد يحمل مخاطر فعليّة لصحة المرضى.
رواد أعمال المنطقة يدافعون عن الخدمات الطبية الإلكترونية
يتمسّك رواد الأعمال العاملون في هذا المجال بأهمية الخدمات التي تُقدمها شركاتهم الناشئة. ويقول الدكتور مساعد الرزوقي، مدير تطوير الأعمال في "الشركة الكويتية للعلوم الحياتية" والمؤسّس الشريك لموقع "آبي دوك"، إنّ "خدماتنا لن تستبدل أبدًا الزيارات الشخصية للأطباء أو الحاجة الى الأيدي الماهرة للجراحين، ولكن هناك بعض الحالات المرضية البسيطة التي يُمكن تشخيصها بسهولة اعتمادًا على كاميرا الويب أو المُكالمة الهاتفية،" مضيفاً أنّ "المُستقبل في تلك الحالات هو الآن".
مسعد الرزوقي (إلى اليسار) متحدثاً عن السكري ومشاكل الريعية الصحية (الصورة من "نويت")
يشير الرزوقي إلى أنّ الخدمات الحديثة في مجال الرعاية الطبية تُقدم ثلاث ميزات وهي: زيادة الجودة، وتسهيل النفاذ إلى الخدمات الطبية، وتخفيض تكلفة الرعاية الصحية. كما يعتقد كذلك بأنّ المنطقة بحاجةٍ إلى التركيز أكثر على جوانب الجودة وتيسّر الخدمات الطبية. وحول السبب وراء استثماره في هذا المجال يقول إنّ "70% يُعاني من السُكان في الخليج يعنون من السمنة، و70% من السُكان ينتمون الى الفئة العمرية التي لا تتجاوز 35 عامًا، و70% من السكان أيضًا يمتلكون هاتفًا ذكيًّا؛ وهذه النسب الثلاثة هي من بين الأعلى في العالم".
يعتقد جليل العبادي، الشريك الإداري لموقع "الطبي"، أنّ العالم سيسير نحو الاعتماد على الخدمات الإلكترونية في مجال الرعاية الصحّية من أجل خفض تكلفة الرعاية الصحية، ذاكراً أنّ "70% من الزيارات إلى الأطباء تكون غير ضرورية ولا يتمّ فيها فحص المريض، بحسب بعض الدراسات." كما يشير أيضاً إلى أنّ الخدمات التي تُقدّمها شركته لا تتضمّن تشخيص الأمراض ووصف العلاج، بل تقدّم النصائح الصحية العامة، ومعلوماتٍ حول الحالات المرضية المُختلفة، وحول الأطباء المُتخصّصين الذين ينبغي زيارتهم، والفحوصات الواجب القيام بها قبل زيارة الطبيب.
وعن تأمين المعلومات الشخصية الطبية في ظلّ هذه الخدمات الإلكترونية المُستحدثة، يقول الدكتور أحمد البدر، الشريك المؤسِّس لمنصة "صحتك" Sihatek الطبية السعودية، والذي عمل مُستشاراً لعدد من شركات التأمين الطبية في منطقة الخليج، إنّ "هذه المسألة، في ظني، خلافية إلى مدى بعيد. لا بدّ أولاً من تعريف مفهوم اختراق البيانات الطبية، فكشف البيانات في إطار تحليلها لا يُعد خرقا للخصوصية."
ويؤكّد البدر على قناعته التامة بالخدمات الإلكترونية الطبية دون تحفُظٍ قائلاً: "لا أرى أية استخدامات غير قابلة للتطبيق، حتى التطبيب عن بُعد الذي كان البعض يراه خيالا علميًّا أصبح اليوم واقعاً في بعض المُستشفيات لبعض الحالات البسيطة."