شركات التكنولوجيا الطبية تتنافس على الأضواء في الأردن
متابعة العلاجات الوفيرة أمرٌ مرهق (الصورة من notey.com)
بمجرّد زلة إصبع أو القيام بحركةٍ أسرع من اللازم، يمكن أن يجد طبيبٌ نفسه مصاباً بجرح إبرة.
وهذا ما رآه الممرّض الشاب زياد أبو عياش يحصل لممرّضين اثنَين محنّكين، ضمن فترة عملٍ واحدة. ولم يكن سبب ذلك زلة إصبع، بل لأنّ الأدوات التي كانا يستخدمانها لم تكن آمنةً تماماً.
فالعناية بالآخرين عمل محفوف أحياناً بالمخاطر إلى درجةٍ مثيرة للدهشة، والإصابة بثقوب الإبرة غالباً ما يحصل عند وضع المصل للمريض. ويمكن أن يسفر ذلك عن نتائج لا تُحمد عقباها قد تتمثل أحياناً بالإصابة بالتهاب الكبد الفيروسيHepatitis B وفيروس نقص المناعة البشرية (HIV).
تبيّن البحوث أنّ حوالي ثلاثة ملايين عامل في الرعاية الصحية يتعرضون لمثل هذه الإصابات كلّ عام، ومن بين هؤلاء يوجد نحو 8 آلاف يصابون بأمراضٍ جراء هذه الإصابات، ما يؤدي بهم إلى خسارة عملهم أو عائلتهم أو حتى حياتهم.
ويقول أبو عياش إنّ إجراء الفحوصات لهؤلاء العمّال بعد ذلك يمكن أن تصل كلفته إلى 4.5 مليار دولار.
وبالعودة إلى موضوعنا
يقول الشاب الأردني: "قررت استخدام مهاراتي كمصمم صناعي لأضع حداً لهذه المأساة".
وبذلك انطلق أبو عياش الذي كان في البداية يمارس مهنة التمريض ليعلّم نفسه تصميم المنتجات. فما كان إلا أن ترك في نهاية المطاف العناية الصحية خلفه وانطلق في مسار جديد، مسار تصميم المنتجات بشكل مستقل.
ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف عن تحسين "قنيّة السلامة" safety cannula المتوفرة في السوق والمستخدمة في معظم الحالات الطبية. و"قنيّة السلامة" عبارة عن جهاز يخفض تسرّب الدم لدى إدخال الإبرة ونزعها، غير أنّ النماذج المتوفرة في السوق حالياً ليست ممتازة وهذا ما يعمل أبو عياش على تحسينه.
تملك "سنولا" Sannula، كما يدعوها مصمّمها، صماماً رباعياً بدلاً من الصمام الثنائي الذي تملكه القنية المتوفرة حالياً في السوق، ما يخفّض تسرب الدم عندما يتم نزع الإبرة من الوريد.
وعندما يتم نزع الإبرة نهائياً من الجلد، تُسحب الإبرة يدوياً إلى الوراء إلى الغطاء الواقي (خلافاً للقنية الحالية الي تضم زراً صغيراً يسحب الإبرة أوتوماتيكياً) لمنع فقدان الوريد كما ولخفض خطر الإصابة بجرح.
التحدّيات
أبو عياش الذي بات الآن يملك نموذجاً أولياً شغالاً يسعى لبيع حقوق جهازه، استغرقه الأمر خمس سنوات ليصل إلى ما هو عليه اليوم، وهو لا يتردد في القول إنّ المنطقة تفتقر إلى الدعم اللازم.
وعلى الرغم من فوزه بالمنصب الخامس من بين 130 مخترعاً آخرَ من المنطقة، في مؤتمر "الشبكة العربية للابتكار" 2013Arab Innovation Network وحصوله على المساعدة والتمويل من "صندوق دعم البحث العلمي التطبيقي" (ASRF)، بما في ذلك التمويل لتسجيل براءة اختراعه، انتقل أبو عياش إلى أوروبا لصنع نموذجه الأولي.
وبذلك قضى شهرين في برنامج احتضان "سي إي إي أي بروفنس" CEEI Provence في فرنسا في وقت سابق من هذا العام.
في وقتٍ لا يمتلك أبو عياش اسماً لشركته الناشئة بعد، إلاّ أنّه من المحتمل أن يسمّيها "سنولا". (الصورة من زياد أبو عياش).
بات النموذج الأولي جاهزاً للاستخدام لدى أبو عياش ومديرة أعماله القطرية هلا عباس، وهما يبحثان الآن عن جهة تشتري حقوق منتجهما. إلاّ أنّ الوضع ما زال يزعج المؤسّس.
ويقول لـ"ومضة" إنّ "التحدي الأكبر الذي أواجه، هو أنّه بإمكاني الوصول لمن هم خارج الأردن بسهولة، إلاّ أنّ وزارة الصحة الأردنية مثلاً يجب أن تكون معنيةً في العملية، ولا يسعني الوصول إليها."
نفور من الأجهزة
لا تتوفر أي أرقام في الشرق الأوسط عن المبالغ التي يمكن أن تحققها الشركات الناشئة المعنية بالأجهزة الطبية. أما إذا قارنّا أنفسنا بالولايات المتحدة وأوروبا من حيث عدد الشركات الناشئة المعنية بالصحة الرقمية، فسيتبين أنّ أعداد هذه الأخيرة صغيرة في منطقتنا، سواء من حيث البرمجيات أو الأجهزة، غير أنّ بعضها تكلل عمله بالنجاح.
لكنّ الشركات الناشئة المعنية بالأجهزة، ومهما كان مجال عملها، حتى على الصعيد العالمي، غالباً ما تكون غير شغالة تماماً. فقد أشارت صحيفة "وال ستريت جورنال" The Wall Street Journal منذ وقتٍ ليس بطويل، في عام 2013، إلى أنّ الشركات الناشئة المعنية بالأجهزة الطبية تعاني من "ضغوط سببها قلة رؤوس الأموال المخاطرة".
ولا شكّ أن المستثمرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متحفظون جداً لدى التفكير في الاستثمار فيها. فتقول منسّقة المشاريع في صندوق دعم البحث العلمي التطبيقي، نور الجابري، إنّ "من بين مقدمي [المشاريع العلمية] الـ300 الذين تلقيناهم، أربعة منهم فقط كانوا من المجال الطبي".
ويوافق على هذا الأمر، عمر ساطي من شركة الاستثمار المخاطر في عمّان "داش فنتشرز" DASH Ventures، وهو أنّ الأجهزة تعاني بشكل عام من نقص الاهتمام بها. ويقول إنّها "تستلزم الكثير من رؤوس الأموال. كما تستوجب الكثير من البحوث والتطوير والاختبارات التي تستغرق سنين. وفي هذا الوقت، تكون غارقاً في دينٍ يبلغ ملايين الدولارات ولا تظهر لك أي نهاية في الأفق. لذا فالأمر خطير جداً".
أمّا سرين دويري، مديرة "أي بارك" iPark في عمّان، تقول إنّه "بشكلٍ عام، كلّ ما لا يتصل بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات صعب. لا تُعد [الأجهزة الطبية] مثيرة للاهتمام، وهي ليست سوقاً سهلةً ولا يفهمها المستثمرون".
لكنّ ثمة نقطة انطلاق في الأردن
بحلول أيلول/سبمتبر، سيكون مؤسّسا "مايند" MIND، طارق مخالفة وندى خطيب، قد أسّسا مكتبهما في "أي بارك" iPark في عمّان بعد أن صمّما موزّعاً آلياً لحبوب الدواء؛ وبذلك تكون هذه الشركة هي الشركة الناشئة الأولى المعنية بالأجهزة الطبية التي تتخرّج من حاضنة الأعمال التكنولوجية هذه.
وجهاز "مايند" (الذي يعدّ اسمه مختصراً بالإنكليزية لـ "موزّع صغير ذكي وقريب" Mini Intelligent & Nearby Dispenser) ما زال في مرحلة المحاكاة simulation stage، غير أنّه لفت الانتباه منذ الآن. ففي وقتٍ سابق من هذا العام، وصل المؤسِّسان إلى النهائيات في "مبادرة الابتكار العالمي من خلال العلوم والتكنولوجيا" GIST التي تنظمها وزارة الخارجية الأميركية.
صورة لنموذج "مايند" من "مي ميدز" (الصورة من MeMeds)
وكما في حالة أبو عياش، وفّر لهما "صندوق دعم البحث العلمي التطبيقي" ASRF التمويل اللازم لتسجيل براءات اختراع منتَجهما في كلٍّ من الولايات المتحدة والخليج والأردن وأوروبا.
وقد فاز مخالفة وخطيب اللذان تتخذ شركتهما الناشئة اسم "مي ميدز" MeMeds، بمنحةٍ من "مشروع دعم مبادرات واستراتيجيات البحث والتطوير التكنولوجي والإبداع" (SRTD II) تحت مظلة "المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا" في الأردن. وبالتعاون مع "المفوضية الأوروبية لدعم البحوث والتطوير" في الأردن، منحهما المجلس 31 ألف يورو (حوالي 35800 دولار) لمساعدتهما على تأسيس نفسهما وبناء "نموذج أولي على مر الأشهر العشر التالية".
أما بالنسبة إلى الممرض السابق والمصمم الحالي، أبو عياش، فهذه الرحلة الصعبة لن تثنيه عن مشروعه، فهو يرى أنّ جهازه بمثابة تذكرة ذهبية لدخول مجال طبّ الأوردة. وفي هذا الشأن يقول لـ "ومضة": "إنّه جهاز عمليّ وهو الأكثر أماناً في مجال طبّ الأوردة على الإطلاق. قد أبدو مغروراً بعض الشيء، إلاّ أنّني اختبرتُ كلّ الأجهزة المتوفرة، وجهازي هو فعلاً الأكثر أماناً".