كيف يمكن لاستخراج النفط بتقنية النانو أن يحلّ أزمة الطاقة في مصر؟
منذ عقودٍ وتقنية النانو nanotechnology تُستَخدَم في قطاع النفط والغاز، ولكن في الأعوام الخمسة عشر الأخيرة، بدأَت الشركات تستثمر مبالغ أكبر من أيّ وقتٍ مضى في هذه التقنية.
وفيما تكافح مصر لتتخطّى أزمة الطاقة التي تمرّ بها، يأمل أحد العلماء أن يلحظ أحد مدراء شركات النفط الرياديين بحثه حول التقنية النانوية ويستخدمه، ما يسمح لهذا المجال أن ينطلق وأخيراً في البلاد.
د. عادل سالم، الذي لم يمضِ على تبوّؤه لمنصبه الجديد سوى بضعة أشهر في جامعة المستقبل بمصر Future University in Cairo، يترأس فيها البحوث حول "الاستخراج المحسّن للنفط" أو EOR كما يُعرف في تعابير قطاع النفط، وذلك باستخدام الجسيمات النانوية nanoparticles.
ووفقاً له، يمكن لبحوثه هذه أن تضيف من 10 إلى 20 بالمئة من النفط على إنتاج مصر الحالي، علماً أنّ الإنتاج هذا يشهد تراجعاً منذ عام 1996. وهذه الزيادة التي سويف تتيحها هذه التقنية الجديدة، تساوي ما بين 70 ألف و140 ألف برميل نفط إضافي في اليوم. لفهم ذلك أكثر، تصوّر أنّ الإنتاج الإجمالي لعمليات استخلاص الغاز الكبيرة في إقليم كردستان في العراق نما بشكلٍ مطّرد ليصل إلى 70 ألف برميل من النفط المكافئ يومياً.
بالإضافة إلى ذلك، بما أنّ التقنيات المتوفرة حالياً لا تسمح سوى باستخلاص أكثر من ثلثٍ خزان نفطٍ واحدٍ في باطن الأرض، بإمكان هذه التقنية الجديدة أن تعيد إحياء عددٍ كبيرٍ من "الحقول البنية" brownfields في مصر (أي حقول النفط التي تمّ تشغيلها ثمّ إغلاقها بعد أن تم استخلاص الموارد السهلة منها). وهنا تكمن الفرصة، حسبما يرى سالم، لأيّ رائدة أو رائد أعمالٍ من المبتكرين.
د. سالم يشرح كيف يعمل جهاز الغمر الرئيسي flooding apparatus
(الصور من د. سالم).
يختبر سالم حالياً عيّنةً أساسيةً من حجرٍ رمليّ جيء به من خزّان نفطٍ بالقرب من تشكّلات الواحات البحرية في وسط مصر، وترمي خطّته إلى إيجاد عامل الاستخلاص الأقصى ultimate recovery factor باستخدام الجسيمات النانوية التي تمّ إعدادها من الرمل – أو "سيليكا" Silica [ثاني أكسيد السليكون] – بين 1 و100 نانومتر (أي جسيمات فائقة الصغر). تتم إذابة هذه المواد النانوية في محلول مياه مالحة ثم يتم سكب هذا السائل على العينة الأساسية. وتتمّ بعدئذٍ مقارنة معامل الاستخلاص الناتج عن هذه التجربة بالعملية نفسها باستخدام الغمر بالمياه ومركّب البوليمر polymer الكيميائي. وعن نتيجة هذه العملية، يقول سالم إنّها واعدة وقد تفتح الباب أمام حقبة جديدة من الاستخراج المحسّن للنفط.
وسالم الذي أمضى بنفسه سنواتٍ وهو يعمل على هذه التقنيات، كان قد بدأ في جامعة السويس ثمّ تابع بمنحةٍ دراسيةٍ عام 2008 للحصول على شهادة الدكتوراه في جامعة ليوبن في ليوبن النمسا.
علم النانو في التطبيق
بينما يخربش رسوماً ومخطّطات على دفترٍ في مكتبه، يشرح لنا سالم كيف يُفترض بالجسيمات النانوية العمل داخل خزّان النفط. فيقول إنّه "إذا اعتبرنا أن هذه فقاعة نفط، وهذا محلول يحتوي على بعض المواد النانوية، فإذا تحرّكَت هذه الجُسَيمة الصغيرة بقوّةٍ معيّنة، يمكنها أن تخترق الحدود السطحية لفقاعة النفط، وتخترق واحدةً أخرى هنا، وهنا... ما يعني أنّها ستحطم في النهاية السطح الفاصل بين النفط والمياه."
وبعد أن تنقسم فقاعة النفط إلى قطراتٍ صغيرة، يمكن أن يتنقل السائل بسهولةٍ أكبر من الخزّان إلى البئر، بعدما يتمّ غمره مرّةً أخرى بالمياه العادية.
بالإضافة إلى ذلك، فالجُسَيمات النانوية "المنحلّة" في البخار تملك القدرة على نقل الحرارة من سطح الأرض إلى أسفل خزّان النفط، ما يمكن أن يجعل النفط أقلّ لزوجةً وأسهل تدفّقاً.
وهذا يعني أنّ استخراج النفط من الخزّان بات أسهل، كما يعني أنّه يمكن استخراج المزيد من النفط في وقتٍ أقلّ، ما يخفّض التكاليف ويسمح للشركة باستخدام معدّاتها وطاقمها بشكل أكثر فعالية.
ولكنّ "التحديات التي نواجهها في هذا القطاع، تكمن في الحجم ونوع المواد وفي تركيز هذه الجسيمات النانوية. فالمواد النانوية تشكّل تحدّياً كبيراً بحدّ ذاتها، سواء كانت تتألّف من السيليكا أو الألومنيوم أو أكاسيد الزنك،" على عدّ قول سالم، الذي يضيف أنّ "التحدي الآخر هو تركيز المواد. علينا تحديد المواد الفُضلى والحجم الأفضل والتركيز الأفضل، لأنّ العوامل هذه كلها يمكن أن تثير الخزان أو تعيق عمله أو تضرّ به. ويجب على الجهات المعنية أن تقوم بالتجارب لكلّ خزّانٍ على حدة كي تحدّد كلّ هذه العوامل."
وعن استخدامه لجُسيمات السيليكا بدلاً من سواها، يقول سالم إنّه يستخدمها بما أنّها متوفّرةٌ بأسعارٍ رخيصةٍ من الصين: ففي عام 2012 اشترى كيلوغراماً مقابل 90 دولاراً.
النتائج
حقّق فريق سالم في المختبر معدّل استخراجٍ واستخلاصٍ للنفط بلغ 90 بالمئة، أمّا في الحقل فقد تُترجَم هذه النتيجة بمعدّلٍ يتراوح بين 50 و60 بالمئة.
يقوم الباحثون في كافّة أنحاء الشرق الأوسط بدراسة هذه المسألة بالتحديد، وهي التي تُعتبَر واحدةً من بين المعضلات الكثيرة التي يسعى علماء وفنّيو النانو إلى حلّها من أجل منتِجِي النفط والغاز. ولكن بما أنّ كلّ خزّان نفطٍ يختلف عن الآخر، لا يمكن للتجارب الناجحة في عُمَان والسعودية أن تُطلِع الباحثين أو الشركات على الكثير بشأن الخزّانات في مصر أو ليبيا على سبيل المثال.
ويقول سالم في حديثه مع "ومضة، إنّ "أهمّ ما في بحثي هو أنّني وفريقي أوّل من يعمل في هذا المجال بشكلٍ تجريبي [في مصر]."
د. سالم يحمل كيساً من الجسيمات النانوية المؤلفة من
السيليكا.
التحدّيات
إنّ البحوث عن مكامن وخزّانات النفط في مصر ليست واضحةً وتشوبها الشوائب، وذلك يُعزى بجزءٍ كبيرٍ منه إلى البيروقراطية التي تسود البلاد.
ويقول سالم إنّ شركات النفط تحمي مواقعها جيّداً وتتردّد في إعطاء العيّنات الأساسية للباحثين، وحتّى الكثير من المواقع القديمة يُحظَّر الدخول إليها تحت ذريعة "الأمن القومي".
ورغم ذلك، فإنّ العقبة الأكبر التي يواجهها سالم هي تردد شركات النفط العاملة في مصر في استخدام التقنيات الحديثة لاستخراج النفط. ويقول إنّ معظم الشركات التي تعمل في البلد تعتمد على الضغط الطبيعي للاحتياطي والغمر بالمياه، ما يعني أنّها تتوقف عن العمل بسبب عدم استخدامها خيارات أكثر فعالية مثل الاستخراج المحسّن للنفط عبر وسائل كيميائية أو حرارية مثل الغمر بالبخار.
"نحتاج في مصر إلى إيجاد طرق لتحسين استخراج النفط. علينا تجربة نوع من الغمر الكيميائي ومن ثم الانتقال مجدداً إلى تقنيات جديدة، لأنّ التقنية النانوية برهنَت عن فعاليتها في العمل التجريبي في كافة أنحاء العالم،" على حدّ تعبير سالم. وبالرغم من أنّ هذا الأخير يسعى إلى تسويق استنتاجاته، إلّا أنّه يمكن للأنظمة المصرية أن تمنع العاملين في الجامعة من الاستفادة من بحوثهم. ولذلك يعتمد على إيجاد رجل أو سيّدة أعمال من ذوي الذهن المنفتح وممَن يدركون فوائد التقنية النانوية لإطلاقها في مصر.