شركة تركية تحوّل التنبؤ بفشل الآلات إلى نموذج عمل ناجح
لطالما صعب على الشركات الناشئة الدخول إلى قطاعات محافظة مثل الطيران والقطارات لدواعي السلامة والأمان، ولكنّ هذا يتغيّر خصوصاً في مجالات مثل الخدمات المساندة والصيانة.
"دلفيسونيك" Delphisonic التي أسّسها التركيّ علي أكور في العام 2015، هي واحدة من الشركات الناشئة التي تساهم في تغيير قواعد اللعبة مع الكبار. فهذه الشركة الناشئة التركية تستفيد من البيانات الضخمة الناتجة عن إنترنت الأشياء لاستخدامها في الصيانة التنبؤية أو الوقائية predictive maintenance، وذلك لخدمة شركاتٍ من بلدان وقطاعات مختلفة مثل الطيران والقطارات وتوربينات الرياح وغيرها.
بدأ أكور بالعمل على شركته في العام 2012، وذلك بعد تركِ عمله في مجال الصيانة الوقائية مع شركة "إيرباص" ألمانيا Airbus Germany. ويعتقد الرياديّ التركيّ أنّ الشركات أصبحت أكثر استعداداً للاستثمار في مجال الصيانة الوقائية لأنّ هذه الأخيرة "تساعد في زيادة عمر الآلات والمعدّات، وتخفيض تكاليف الصيانة والوقت الذي تستغرقه، وتعزيز سلامة المركبات وراكبيها".
يتكوّن نظام "دلفيسونيك" لمراقبة الآلات في الوقت الفعلي من أجهزة استشعارٍ متّصلة بالنظام والإنترنت، وجهاز اتّصالٍ يربط بين الأجهزة ولوحة القيادة، وبرمجيةٍ لتشغيل النظام.
توضَع أجهزة الاستشعار على الآلات لجمع بياناتٍ تساعد في تحديد أداء الآلة من حيث الاهتزاز، والسرعة، والضغط وتثبيت درجة الحرارة. يرسل النظام هذه البيانات إلى نظام سحابيّ أو خادم داخليّ للشركة، مقدّماً تقارير عن حالة الآلات تمكّن فرق الصيانة من مراقبتها والحصول على إنذار في حال حصول أيّ خلل.
لا يحدّد النظام ماهية المشكلة بالضبط، بل يحذّر فرق الصيانة من أنّ خللاً ما سيحدث قريباً. ويشرح أكور أنّ "أجهزة الاستشعار تتتبّع أداء الآلة، مثل إطار القطار على سبيل المثال. إذا سجّل درجة اهتزاز عالية فهذا يعني أنّ هناك مشكلة في التوازن وبالتالي يجب استبداله خلال أسبوع أو أسبوعين".
تبيع الشركة منتجها للشركات من دون أيّ دفعة أولى، إنّما مع عقدٍ يستمرّ لـ24 شهراً. خلال هذه الفترة، تعمل "دلفيسونيك" على صيانة نظامها كلّ ستة أشهر، موفّرةً تقارير مفصّلة عنه على أساس شهريّ.
أمّا الكلفة، فيشير أكور إلى أنّها تختلف باختلاف القطاع والآلات التي يمكن تركيب جهاز استشعار "دلفيسونيك" عليها، سواء كانت عربات قطار أو سفن أو طائرات أو حتّى خطوط إنتاج.
وإذا أردت، على سبيل المثال، تركيب النظام على عربة قطار واحدة، تدفع 50 ألف يورو (60 ألف دولار أميركي) مقابل كلّ جهاز. ويقول أكور إنّ "هذه التكلفة تعتبر منخفضة مقارنة بالقطاعات التي تعمل فيها".
التسويق من خلال الشراكات
واجهت الشركة تحدّياً تمَثَّل في التسويق لمنتجها، غير أنّها تمكّنت من تخطّي ذلك عبر تقديم المنتج للشركات خلال فترة تجريبية، بحسب المؤسّس.
يشير أكور إلى أنّه "بعد تطوير النموذج الأولي احتجنا إلى إثبات نجاح المنتَج، فأجرينا محادثات مع شركة ’سكك حديد الجمهورية التركية‘ TCDD لتركيب نظامنا على خطوط أضنة-مرسين، وذلك مقابل وعدنا لهم بتخفيض تكاليف الصيانة". وأصبحت الشركة المشغّلة الوطنية هذه أحد أول عملاء الشركة الناشئة بعد اختبار منتجها لستة أشهر.
والآن، تضمّ قائمة عملاء "دلفيسونيك" 20 شركةً، بما فيها شركة "سكك حديد الجمهورية التركية"، وشركة الشحن التركية "يو إن رو رو" U.N RO.RO، وشركة "أمتراك" Amtrak الوطنية للسكك الحديدية في الولايات المتحدة، وشركة "جويتشه بان" DB Bahn للسكك الحديدية في ألمانيا، وشركة "إس بي بي كارجو" SBB Cargo للشحن في سوسيرا.
يتوقّع أن تساعد الصيانة الوقائية الشركات على توفير حوالي 630 مليار دولار بحلول العام 2025، لذلك ترى الكثير من الشركات الكبرى تهرع إلى مجالات إدارة الأصول والصيانة الوقائية مثل "آي بي إم" IBM و"جنرال إلكتريك"GE و"بنتلي" Bentley.
يلفت أكور إلى أنّ "هذه الشركات هي منافسنا الرئيسي، غير أنّنا نعمل على إبرام شراكات معها والوصول إلى صفقات رابحة للطرفين".
وبالفعل، أبرمت "دلفيسونيك" شراكات مع "جنرال إلكتريك تركيا" لربط نظامها إلى النظام الخاص بـ"جنرال إلكتريك" للإنترنت الصناعي والمعروف باسم "بريدكس" Predix، وكذلك مع "مايكروسوفت" Microsoft للارتباط مع نظامها للحوسبة السحابية "أزور" Azure.
يشرح أكور أنّ "’جنرال إلكتريك‘، كشركة صناعية كبرى، يمكنها الاستفادة من نظامنا بعدّة طرق. وبالإضافة إلى منصّتها ’بريدكس‘، يمكننا الاستفادة منها في الوصول إلى الأسواق الأوروبية والأميركية والشرق أوسطية".
الخطوات المقبلة
يرى أكور أنّ "السوق مليئة بالفرص، ولكنّ ما يحدّ من نموّنا هو أنّنا نصنّع منتجنا في ورشة صغيرة في تركيا". ويضيف أنّ "وجود خط إنتاج أسرع وأكبر سيساعدنا على تلبية احتياجات عدد أكبر من العملاء وتوسيع انتشارنا".
بدأت الشركة بالاعتماد على تمويل ذاتي من مؤسّسها، قبل أن تحصل على استثمار تأسيسي بقيمة 40 ألف دولار من "مجلس البحوث العلمية والتكنولوجية التركي" TÜBİTAK الذي يدير برنامجاً لدعم وتمويل براءات الاختراع العالمية في تركيا. ومن ثمّ في العام 2015، انضمّ مستثمر أميركي كشريك مؤسس إلى جانب أكور بعد استثماره أكثر من 100 ألف دولار في الشركة.
لا تحقّق "دلفيسونيك" الأرباح بعد، ولكنّ المؤسّس يقول إنّ إيراداتها للعام الماضي بلغت 1.5 مليون دولار.
ويقول أكور، الذي يعمل كممثل مبيعات بالإضافة إلى وظيفته كمؤسس، إنّ شركته الآن تبحث عن استثمارات لجولتها التمويلية الأولى Series A. ويضيف أنّ "هذا الاستثمار سيساعدنا على زيادة عدد فريقنا المؤلّف من 11 شخصاً حالياً، بحيث أتمكّن من التركيز على تطوير أعمال الشركة، والتوسّع إلى بلدان أخرى وقطاعات أخرى مثل النفط والغاز".