شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في المنطقة تضع أهدافاً واقعية
ساهم التقدم التكنولوجي وأرقام النمو في قطاع الذكاء الاصطناعي في العامين الماضيين، في دفع القادمين من خارج هذا القطاع إلى تخيّل أتمتة كاملة للمستقبل والذعر من الفكرة.
ومنذ كانون الثاني/يناير 2015، عندما بدأ كريس ميسينا الذي كان مدير تطوير تجربة المستخدم في "أوبر" Uber سابقاً، بالحديث عن قوة "التجارة التي تقوم على المحادثة" conversational commerce، كانت الشركات الناشئة تتدفق إلى مجال الذكاء الاصطناعي والمحادثات الآلية أو روبوتات المحادثة (Chatbots).
مع نموّ الاستثمارات في قطاع المحادثات الآلية بنسبة 229% بين عامي 2015 و2016، ومع عقد المؤسسات الكبيرة، أملاً كبيراً على روبوتات المحادثة المخصّصة للشركات، بات للقوى العاملة سبب مختلف لكي تقلق بشأن مستقبلها. وفي هذا الإطار، توقّعت "ماكينزي" McKinsey بأنّ تصبح وظائف المبيعات والوظائف الأخرى المرتبطة بها في الولايات المتحدة، مؤتمتة بنسبة 40% على الأقلّ بحلول العام 2018.
ارتفع عدد روبوتات المحادثة على تطبيق" ماسنجر" Messenger من "فايسبوك" Facebook من 10 آلاف إلى 34 ألفاً في العام 2016، كما أصبحت تتيح تحويل المدفوعات. كذلك تتوقع الشبكات مستقبلاً أكثر ربحية وتكاملاً لمطوري روبوتات المحادثة، مع عروض جديدة مثل الدردشات الجماعية مع الشركات مع تطبيقات متكاملة لطرف ثالث، وعمليات بحث من خلال علامة التبويب "اكتشف" Discover Tab، وقسم جديد في برنامج "ماسنجر" يمكّن المستخدمين من البحث عن برامج روبوتات المحادثة.
ببطء ولكن باستمرار
سيراج ميناسي هو الشريك المؤسس ومدير العمليات في شركة "بوتلر" Botler، وهي شركة في مرحلة التأسيس تتخذ من دبي مقرّاً لها وتعتبر نفسها بمثابة منصة "ويكس" Wix لمطوّري روبوتات المحادثة. وقال ميناسي خلال جلسة نقاش في مؤتمر "ستيب" Step لهذا العام، إنّ "الناس يظنون أنّ الذكاء الاصطناعي معقد جداً وأنّه يفهم مشاعرنا. نحن ذاهبون في هذا الاتجاه، ولكن في الوقت الحالي كلما كان المحادث الآلي أبسط ومجال استخدامه محدد أكثر، كلّما كان احتمال نجاحه أكبر".
تركّز شركة "بوتلر" حالياً على أتمتة أساسيات خدمة العملاء، وتصميم روبوتات محادثة حسب الطلب لعملاء أفراد. وفي مؤتمر "ستيب" لهذا العام، جرّبت الشركة روبوت محادثة من "فايسبوك ماسنجر" لشركة "بيبسي" Pepsi، مع واجهة تشبه واجهة تطبيقٍ للمحمول وليس واجهة للمحادثة، وهي تدفع المستخدمين إلى الاختيار بين إجابات محددة مسبقاً من قبل المحادث الآلي.
نماذج كثيرة
تضمّ قائمة عملاء "بوتلر" شركات مثل "بيزات" Bayzat و"هلبينج" Helping و"كارمودي" Carmudi و"نت ماربل" Netmarble. ولكنّ أعمال هذه الشركة الناشئة لا تقتصر على هذا المستوى من فهم المحادثات، فهي تجري أبحاثاً في مجال حلول التعلّم المتعمق لعمالقة التكنولوجيا والشركات الصغيرة. وتقدّم خوارزميات لتعلّم الآلات تسمح بتحليل الأنماط وتصنيفها وتمثيلها، كما تقدّم في مرحلة أكثر تطوّراً مفاهيم مجرّدة للبيانات غير المنظّمة. وهناك شركات تكنولوجيا كبيرة، مثل "آي بي إم" IBM التي تعتبر أكبر شريك لـ"بوتلر"، تقدّم للشركة الناشئة إمكانية الوصول إلى واجهاتها البرمجية APIs عن طريق حلول مثل "واتسون" Watson الذي يزوّد المطوّرين بقدرات فهم اللغة الطبيعية NLU.
تتطلّب هذه الأمور الكثير من البرمجة القائمة على القواعد، وتكون نتيجتها غير واضحة المعنى بالنسبة إلى البيانات، لذلك تخضع إلى عملية تدقيق وإعادة هيكلة، وتُصّمم خصّيصاً للعملاء من قبل مطورين مثل "بوتلر".
لاعبون أصغر
تركّز شركات مثل "ديب مايند" Deepmind التي استحوذت عليها "جوجل" Google في العام 2014، على استنساخ العقل البشري، وقد طوّرت مؤخراً برنامج ذكاء اصطناعي يمكنه التعلّم من التجارب الماضية مثل البشر. ويوجد شركة أخرى صغيرة هي الشركة الفنلندية "ألتيمايت.إيه آي" Ultimate.AI التي تختصّ بفهم اللغة الطبيعية وتبني أدمغة لروبوتات المحادثة بطريقة تفهم فيها اللغة البشرية – وهي مشاركة حالياً في برنامج "مسرعات دبي المستقبل" Dubai Future Accelerators. يشرح ريتو كاينولاينن، الرئيس التنفيذي للشركة، أنّ "أحد نماذج أعمالنا [المتفرعة من فهم اللغة الطبيعية لروبوتات المحادثة] هو أتمتة خدمة العملاء".
"كوجتوك" Cogtalk هي شركة ناشئة أخرى تتخذ من دبي مقراً لها، وتعرّف نفسها على أنّها "مزود حلول حوسبة معرفية cognitive computing لخدمة العملاء". يوجد لديها فريق من العاملين سابقاً في شركة "آي بي إم" IBM، يعملون على مقارنة واجهات برمجية APIs من عدة مزوّدي تكنولوجيا مثل "أمازون" و"فايسبوك" ومن ثمّ يضيفون عليها طبقة جديدة لهيكلة البيانات. ولكن طارق العزوزي، الشريك المؤسس لشركة "كوجتوك"، يقول إنّ خبرة الشركة في خدمة العملاء تترجم إلى نهج استشاري أكثر مع الشركات، من تصميم تدفق المحادثات إلى ملايين التحليلات مع واجهات الذكاء الاصطناعي.
يوجد لدى "كوجتوك" مجموعة من المنتجات لا شيء منها جاهز بعد، ومعظمها في مرحلة التطوير أو مرحلة إثبات المفهوم. وأوّل منتج ذكاء اصطناعي لها هو مساعد داخلي للعملاء، يهدف إلى زيادة خبرة مندوبي خدمة العملاء في قطاعٍ عالي الاستنزاف. المنتج الثاني هو خدمة استماع لحظي، يساعد الوكلاء في الردّ فوراً على العملاء وهم متصّلون بالشركة. أمّا المنتج الثالث فقد بُني على تحليل الصوت والنبرة، ليعمل "كمدقق لجودة الاتصالات"، إذ يستمع في الوقت الحقيقي إلى المكالمات مع العملاء والنبرة والكلمات الرئيسية ويقيّمها، للكشف "عمّا إذا كانت أجريت بطريقة صحيحة".
ويشير العزوزي إلى أنّ البيانات المستخرجة والأنماط التي تُجمع عن طريق هذه المنتجات تشكل المنتج الرابع لشركة "كوجتوك"، بما يشبه "تحليل المكتب الخلفي لمستودع بيانات كبير".
طبقات فوق طبقات
رغم أنّ عمل "ألتيمايت.إيه آي" لا يشتمل على تكنولوجيا الصوت، يشكّل عملها على فهم اللغة بناءً على النصّ تحدّياً بحدّ ذاته. ويقول كاينولاينن من "ألتيمايت.إيه آي" إنّ معظم الشركات تستخدم نماذج إحصائية قديمة الطراز، وهي تؤسّس لعلاقات بين متغيرات البيانات بناءً على معادلات رياضية. يتعارض هذا النموذج مع تعلّم الآلات الذي يركز على خوارزميات التعلّم الذاتي التي لا تعتمد على البرمجة القائمة على القواعد.
تبدأ "ألتيمايت.إيه آي" مع البيانات المتاحة مثل اللغة، لبناء نموذج تعلّم عميق أساسي.
يلي ذلك طبقات أخرى من التصنيف والفهم عندما يتعلق الأمر بالقطاعات التي تعمل فيها المؤسسة، مثل تصنيف سجلّ محادثات شركة اتصالاتٍ ومنشوراتها على "تويتر" ضمن استفسارات وكلمات معنية بالقطاع. وبالتالي، ستصل إلى عينة من 500 سؤال لتكون بمثابة قاعدة تدريب للذكاء الاصطناعي على بقية مجموعات البيانات.
وهناك طبقة أخرى لها علاقة بنمذجة النيّة intent modeling، مثل تحويل عبارة "توقعات الطقس" إلى سؤال.
الطبقة الثالثة هي لفهم السياق، إذ تُدرّب روبوتات المحادثة أو واجهات الذكاء الاصطناعي على الأسئلة المتسلسلة والمتصلة بعضها ببعض. على سبيل المثال، إذا سئل روبوت المحادثة "كيف سيكون الطقس غداً في دبي؟"، ومن ثم سئل "وكيف سيكون مثل اليوم التالي؟"، فإنه لن يفهم أن السؤال الثاني يقصد الطقس لولا "التعلمّ المعزّز" reinforcement learning عبر التدريب البشري.
هذا التعقيد في طبقات اللغة وفهم البيانات ينتج روبوتات محادثة غير دقيقة وتعتمد على التدخل البشري. في شباط/فبراير 2017، ذكرت تقارير أنّ نسبة فشل روبوتات المحادثة على "فايسبوك" في فهم طلبات الإنسان بلغت 70%، حتى أنّ خاصّيتها الأخيرة باسم "إم ساجستشنز" M Suggestions في "ماسنجر" قد تراجعت. لا شكّ في أنّ التعلّم المتعمّق سيصبح أكثر ذكاء، ولكن في الوقت الراهن يقول كاينولاينن إنّ شركته لديها الكثير لتفعله فيما خصّ إدارة توقعات الشركات مع نطاق عملها الحالي. ويرى أنّ قطاع الذكاء الاصطناعي يزدهر خصوصاً من حيث المساعد الشخصي الرقمي، مثل "آي بي إم واتسون" IBM Watson وغيره مثل "جوجل هوم" Google Home، و"أليكسا" Alexa من "أمازون" و"إم" M من "فايسبوك"، والتي تفرط في الوعود وتقصّر في قدرات التعلم الذاتي. على العكس من ذلك، تكمن قيمة الذكاء الاصطناعي في فهم نطاقات العميل الضيقة، مثل حزم البيانات لشركة الاتصالات.
احفظ البيانات
النقص في البيانات والقيود المفروضة على مشاركتها من قبل الشركات الكبرى تؤكّد على نموّ الذكاء الاصطناعي لأغراض تجارية. تعتبر معالجة اللغة الطبيعية العربية في الشرق الأوسط "مسألة شائكة"، نظراً إلى تعدّد اللهجات في الأسواق العربية، بحسب الشريك المؤسّس لشركة "بوتلر"، تيمور صبري.
تقدّم شركة "آي بي إم" تكنولوجيا للتفريق بين اللهجات العربية المختلفة، ولكن هذا لا يكفي. في غضون ذلك، تعمل مؤسسات أكاديمية مثل "جامعة ستانفورد" Stanford و"جامعة نيويورك أبوظبي" NYU Abu Dhabi على معالجة مسألة البرمجة اللغوية العصبية العربية. ولكن بالنسبة لشركات مثل "بوتلر" التي تبحث عن نماذج تجارية لقطاعات محددة، فإنّ القيود على البيانات من قبل الشركات الكبرى تفرض تحدياً آخر، خصوصاً وأنّ المكتبات مفتوحة المصدر مثل "تنسو رفلو" Tensorflow تقدم دعماً محدوداً. عملت "ألتيمايت إيه آي" على تخطي هذا الحاجز من خلال بناء البيانات على شكل طبقات لفهم مجموعة محدودة من البيانات، بدلاً من غربلة كميات أكبر. وعلاوة على ذلك، توفر الشركة برمجية محلية on-premise software لدمج البيانات وتكريرها، بحيث يتم تنقية البيانات الكبيرة تماماً من التفاصيل الشخصية.
في الوقت الراهن، "أرى قيمة أكبر في روبوتات المحادثة الوظيفية التي توفر طبقة قبل التفاعل البشري"، كما يوضح كاينولاينن، ولعلّ هذا يشير إلى أنّه ما زال أمام روبوتات المحادثة وقت طويل قبل أن تسيطر على السوق.
الصورة الرئيسية من "بيكساباي".