شارل العشي: هذا ما أعرفه عن علم الاستشعار عن بعد
كان شارل العشي مديراً لـ"مختبر الدفع النفاث" التابع لـ"ناسا" Nasa Jet Propulsion Lab خلال المهمة الأخيرة إلى المريخ التي شهدت إطلاق مسبارين باسم "أبورتونيتي" Opportunity و"كوريوزيتي" Curiosity.
بعد تقاعده كمدير للمختبر في العام 2015، بقي العشي مفتوناً بالفضاء وبالمدى الذي بلغته البشرية والتكنولوجيا في اكتشافه. وهو يشعر بالفضول بشكل خاص حيال أمور جعلت المسبار يعمل على مدى 13 عاماً ويفهم كوكب المريخ، أهمها الدقة المتناهية، وأنظمة التعلّم الذاتي المتطوّرة، والعمليات المتزامنة بشكل مثالي.
يقول العشي إنّه "عندما أرسلنا مسبار ’كوريوزيتي‘ إلى المريخ قاطعاً 225 مليون كيلومتر، كان عليه الهبوط في دائرة قظرها كيلومترين فقط. دعوني أخبركم ما الذي يعنيه ذلك. يعني أنني أخرج من مكتبي في لوس أنجلس وأضرب كرة جولف نحو دبي وعلى الكرة أن تصل مباشرة إلى حفرتها. وما يزيد الأمر صعوبة، أنّ الحفرة المستهدفة في حركة دائمة".
يحبّ العشي تبسيط القفزات الكبيرة في التكنولوجيا واستكشاف الفضاء إلى أثرهما على الأفراد. لذلك عندما سألته "ومضة" عن إمكانيات علم الاستشعار عن بعد، قادت إجاباته إلى نتيجة بسيط: الأمر مرتبط بما يمكن للناس والشركات الناشئة فعله بهذا العلم، وليس العلماء.
ويشرح أنّه "حينما نتحدّث عن الاسشعار عن بعد، وخصوصاً فيما يتعلّق بالفضاء، فهذا يعني نظم التصوير أو تكنولوجيا الأشعة تحت الحمراء أو حتى مراقبة الكواكب؛ وهو ما يمكن تطبيقه في الكثير من المجالات" الكبيرة والصغيرة.
أهمية الاستشعار عن بعد توازي أهمية تخطيط المدن وتنظيم شؤون الناس. إذا بدأت باستخدام الاستشعار عن بعد، كما تفعل "لاند سات" Landsat، التي تلتقط الصور وترصد التغيّرات، يمكنك أن ترى التغيّرات التي تحدث من يوم إلى آخر، ومن شهر إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى. وبالتالي، يمكن استخدام الاستشعار عن بعد من قبل مخططي المدن. وبالفعل تستخدم الكثير من الحكومات [وسوف تستخدم في المستقبل] البيانات التي تجمعها الأقمار الاصطناعية لدراسة التغيّرات في الكثافة السكانية و[المخططات المحتملة للبنية التحتية]، وذلك على سبيل المثال من خلال التدقيق في الخصائص الجيولوجية لسطح الأرض واستخدامها لشق الانفاق وإنشاء شبكات المترو.
استخداماته متنوّعة. يمكن استخدام الاستشعار عن بعد من قبل علماء الجيولوجيا لرسم خرائط للوحدات الجيولوجية. لذلك نستخدم كاميرات الأقمار الاصطناعية التي نسميها الكاميرات متعددة الأطياف multispectral cameras التي تعمل في موجات مختلفة – مرئية، أو تحت الحمراء، أو ذات لون أزرق، أو ذات لون أحمر – ما يسمح لنا بتصنيف وتوصيف أنواع مختلفة من الصخور. نحن نفعل هذا باستمرار، إذ يمكن لعلماء الجيولوجيا أن يحددوا أنواعاً مختلفة من الصخور ما يساعدهم في التنقيب عن المعادن. بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم هذه التكنولوجيا في الزراعة للاطّلاع من الفضاء على نمو المحاصيل في مختلف الحقول الزراعية، بخاصة في حال انتشار أمراض فيها. كما نستخدم الاستشعار عن بعد لرصد رطوبة التربة بحيث نخبر المزارعين بمستوى الرطوبة في أراضيهم وإذا ما كانوا بحاجة إلى ري مناطق معينة أكثر من سواها.
سيصبح أكثر حُبيبيّة ودقّة. سيسمح التقدّم برؤية عدد أكبر من مناطق الطيف. وذلك لأنّنا سنأخذ الضوء المنبعث من سطح الأرض او المنعكس من الشمس ونقسّمه إلى موجات أكثر دقة.
هناك فعلياً مئات الآلاف من الألوان التي لا يمكننا رؤيتها، إنّما يمكن لأجهزة الكشف التكنولوجية رؤيتها. ستصبح هذه التكنولوجيا بأكملها متاحة خلال العقد المقبل، ولا أحد يعرف كيف سيستخدمها الناس. على سبيل المثال، لم نكن نعرف من قبل أنّه بإمكاننا رصد رطوبة التربة، وبالتالي أنا متأكد من أنّه سيكون هناك الكثير من الأفكار الجديدة في المستقبل كلّما ركّزنا على ما نسمّيه أطوال الموجات wavelengths أو المناطق الطيفية spectral regions وحصلنا على مزيد من المعلومات عنها.
سيدخل في الإبداع الفردي واستخدام البيانات. من أهم الأمثلة لتطبيقات [الاستشعار عن بعد] على مستوى الأفراد هي البيانات التي تحصل عليها عبر "خرائط جوجل" Google maps، حيث تأخذ شركة "جوجل" البيانات وتنقلها إلى هاتفك. وهذه العملية يجريها أشخاص يلتقطون الصور ويضعونها على الخريطة ليحددوا الطرقات في دبي وأي مكان في العالم، ومن ثمّ على نظام تحديد المواقع العالمي الذي يحدذد موقعك أو موقع سيارتك.
يشمل الأمر طيفاً واسعاً من الأنشطة، والفرص التي يوفرها تتيح للناس التوصل إلى طرق يستفيد منها الشخص الذي لا يعرف كثيراً كيف يتعامل مع التكنولوجيا؛ هذه هي الطريقة التي ازدهرت فيها الكثير من الشركات في الولايات المتحدة الأميركية.
تكمن الخطوة الكبيرة التالية بالنسبة للأفراد في تلقي البيانات على هواتفهم مباشرة من الأقمار الاصطناعية. في الوقت الحالي، لا تسير الأمور بهذه الطريقة، بل تمرّ البيانات عبر محطة قبل أن تُوزّع على عدّة شركات. ولكن في المستقبل، قد يكون ممكناً أن تحصل على البيانات [من الأقمار الاصطناعية] فوراً، ومن ثمّ تحدّد كيف تستخدمها بنفسك.
الصورة الرئيسية من فانيسا خليل: شارل العشي متحدثاً خلال مؤتمر "ستيب" Step 2017 في دبي.