أمل ثلاثيّ الأبعاد للاجئين على شكل أطراف اصطناعية
عندما بدأ إبراهيم محمّد ببيع العصير في شوارع لبنان وهو في الثانية عشرة من عمره لمساعدة عائلته، كان يجني 0.5 دولار في اليوم. لم يتصوّر حينها أنّه بعد 10 سنوات سينافس للحصول على جائزة بقيمة مليون دولار هي جائزة "هولت" Hult Prize، في واحدة من أكثر المسابقات الرياديّة شهرة في العالم.
محمّد هو لاجئ عديم الجنسيّة من أصل فلسطيني أمضى أغلب حياته في لبنان ونشأ في مخيّم للاجئين. وهناك، اختبر الظروف الصعبة من غياب المياه إلى انقطاع الكهرباء؛ أحياناً، بعد رحلات طويلة لجلب المياه من الأحياء المجاورة، كان يضطرّ إلى السير مسافات طويلة لإيجاد مكان ليدرس أو ليقرأ.
يروي محمّد أنّه "في هذا العمر، كنت أتوقّع أن يأتي شخص ويساعدني؛ ليس بالضرورة أن يغير الوضع بأكمله، بل أن يؤمّن لي الأساسيّات مثل الماء والكهرباء. انتظرت طويلاً ولم يأت أحد، حتّى لاحظت أنه عليّ أن أكون هذا الشخص وأغيّر على الأقلّ عاملاً واحداً في المعادلة".
في العام 2013، انتقل محمّد إلى الولايات المتحدة بمساعدة من "أمديست" لبنان Amideast Lebanon للتخصص بالهندسة الميكانيكية في "جامعة روتشستر" University of Rochester . وبفضل شغفه لتقديم المساعدة وإيجاد الحلول، يترأس محمّد اليوم، وهو في سنته الدراسية الأخيرة، نادي "المهندسين بلا حدود" Engineers Without Borders في الجامعة.
طالبان يتحدّيان الصعوبات
خلال سنواته في الجامعة، تعرّف محمّد إلى عمر صوفان وهو طالب سوري ولد في شيكاغو ونشأ في دمشق. تشارك محمّد وصوفان تجارب من ماضيهما ورؤيتهما للمستقبل.
ويقول صوفان في حديث في "جامعة روتشستر" إننا "نريد التأثير على حياة أكبر عدد ممكن من الناس".
في إحدى زياراته إلى بلده الأمّ، اضطر صوفان إلى المرور في لبنان حيث شهد المآسي التي تعيشها العائلات على الحدود السوريّة. فبحسب "منظمة العفو الدوليّة" Amnesty international، يعدّ لبنان ثاني أكبر مستضيف للاجئين السوريين البالغ عددهم مليون شخص يعيش 70% منهم دون خطّ الفقر.
يشرح محمّد أنّ "أهمّ ما يمكن أن تقدّمه للاجئين فضلاً عن الطعام والمأوى هو الأمل! فإذا فقد اللاجئ الأمل، لا يمكنه الاستمرار". لذلك، أخذ الطالبان على عاتقهما مهمّة إعطاء الأمل للاجئين.
ويضيف محمّد أنه "عند التفكير باللاجئين، بدأنا نفكّر بالمجتمعات الأكثر تهميشاً ووجدنا أنّهم اللاجئون السوريون." كما يشرح أنّهما أرادا تقديم مساعدة متقدمة حيث وجد أنّ "مبتوري الأطراف هم الأكثر حاجة إلينا كونهم يعتبرون ضيوفاً غير مرغوب فيهم، حتّى في أوساط اللاجئين بسبب عجزهم عن العمل أو اعتبارهم عبئاً على عائلاتهم".
وبالفعل، أطلق محمّد وصوفان في آب/أغسطس 2015 عيادة لإعادة التأهيل في لبنان قرب الحدود السوريّة لمساعدة مبتوري الأطراف، تقدّم أطرافاً اصطناعيّة وعلاجات فيزيائيّة. تواصل صوفان مع "الجمعية الطبية السورية الأميركية" Syrian American Medical Society وتعاون معها للحصول على الأطراف الاصطناعية وقد تمكّنا من جمع 7 آلاف دولار كتمويل جماعي لإطلاق العيادة. يداوي الطالبان اليوم ما يقارب 300 مريض في الشهر ويسعيان إلى زيادة هذا العدد.
أمل ثلاثيّ الأبعاد
خلال عطلته في لبنان، لاحظ صوفان حاجة شديدة للأطراف الاصطناعية العلوية.
ويشير محمّد إلى أنّه "عندما يتعلّق الأمر بالجزء العلوي من الجسم، لا يمكنك إعطاء المريض عصا من الخشب أو الحديد كبديل للطرف الاصطناعي، فيجب أن يكون الطرف متحرّكاً ليتمكّن المريض من الإمساك بشيء على الأقلّ".
ويضيف أنّ "الأطراف المتوفّرة باهظة الثمن وهي غير فعّالة".
لذلك، تواصلا مع البروفيسور آدم أرابيان في "جامعة سياتل باسيفيك" Seattle Pacific University والذي يعمل الآن كمستشار في مبادرتهم ‘Prosthesis for a New Syria’ التي تطوّر أطرافاً متحرّكة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد وقابلة لإعادة التدوير.
ما يميّزهما عن غيرهما في السوق هو أنّهما يصنعان الأطراف بمواد مرنة، فهي خفيفة الوزن ويمكن أن تشبه اليد الحقيقية من حيث اللون. كذلك، يصنّعان أطرافاً بأسعار معقولة تبلغ أقلّ من 100 دولار، بدلاً من ألفي دولار وهو معدّل سعر الأطراف الاصطناعيّة في السوق.
يخطط الرائدان إلى بيع الأطراف للمواطنين القادرين على تحمّل كلفتها، ومن ثمّ استخدام الأرباح لتأمين أطراف ثلاثية الأبعاد مجانية بالكامل للاجئين.
يقول محمّد إنّهما يسعيان الآن "إلى تحسين آلية الضغط في الأطراف لتحسين تجربة تشغيلها". ومن حيث الأمور اللوجستية، يشرح محمّد أنّ "هدفنا النهائي يكمن في الحصول منشأة متنقلة تتألف من شاحنة وثلاثة آلات وشخص واحد. فكلّ ما نحتاج إليه في الشاحنة هو حاسوب ومولد مستقل للطاقة UPS وماسح ثلاثي الأبعاد وطابعة ثلاثية الأبعاد. عندها يمكننا الوصول إلى مبتوري الأطراف ومسح الطرف وتحضير القالب المناسب وطباعة الطرق وتركيبه".
وتحدّث صوفان في فصل الصيف الماضي عن هذه الخطّة لاختبار النماذج الأوليّة على 15 مريض. ولكنّه لسوء الحظّ، واجه مشاكل كثيرة في نقل الأجهزة من الولايات المتحدة إلى لبنان، فتوقفت الأجهزة عند الجمارك، حتّى أن آلة منها تضررت بالكامل، ما أدّى إلى تأخير خطتّهم التطبيقيّة.
أمّا الآن، فيعمل الطالبان مع مريض واحد لتقديم طرف ثلاثي الأبعاد واحد، ويحصلان في المقابل على تقييم دوري عن أداء الطرف.
وقد أطلقا مؤخّراً حملة جمع تمويل لأبحاثهما بالتعاون مع الهلال الأحمر القطري، وهما يطوّران نموذج عملهما.
التحديات والطموحات
"ليس جيدّاً"، هكذا علّق محمّد على الأوامر التنفيذية الأميركية التي تمنع المسلمين من سبع دول من الدخول إلى الولايات المتحدة.
ويقول محمّد لـ"ومضة" إنّه أمضى خمسة أيام في غرفته مكتئباً يتساءل عن مصير لاجئ مثله. فلأنّه مسلم ولاجئ عديم الجنسيّة، يتردد محمّد في ترك الولايات المتحدّة ويخشى ألاّ يتمكّن من العودة.
صحيح أن محمّد ليس من الدول السبعة المحظورة، غير أنّه لا يعلم ما الذي قد يحصل لطالب من دون جواز سفر أو لاجئ حامل وثيقة سفر.
ينافس محمّد وصوفان وزميلان آخران للحصول على "جائزة هولت" الخاصة بمنطقتهم في شهر مارس في وادي السيليكون. وانطلاقاً من المبدأ ذاته لإعطاء الأمل للاجئين، يشارك الفريق في المسابقة بفكرة تقوم على تقديم منازل سهلة البناء للاجئين مصنوعة من مواد قابلة لإعادة التدوير غير خطرة وغير قابلة للاشتعال.
وفي إشارة إلى طموحاته، يقول محمّد إنه يطمح إلى تأسيس شركة اجتماعية تستخدم التكنولوجيا لتمكين اللاجئين، آملاً أن "يعالج المجتمع والناس هذه المشكلة (اللجوء) من جذورها عوضاً عن تقديم حلول قصيرة الأجل. أنا من المؤمنين بالأثر المضاعف وبأنّه يمكن للجميع المساعدة أينما كانوا... فشعاري المفضل هو أنّ ’كلّ شيء يبدو مستحيلاً إلى أن يتحقق، وحينها يصبح محتمّاً".