تعليم الروبوتات في ضاحية بيروت الجنوبية
في وقتٍ باتت تنتشر فيه معاهد الصانعين وورش العمل في مختلف أنحاء لبنان، أصبح تعليم الإلكترونيات وصناعة الأجهزة يحظى بشعبيةٍ في بلاد الأرز. ولكن خلافاً لتوجّهات التكنولوجيا، فإنّ حركة الصانعين لا تنتشر خارج نطاق المدن وفي ضواحيها.
في هذا الإطار، تعمل "كلمات" Kalimat، المنظّمة غير الحكومية التي تُعنى بالتعليم، على تنظيم ورش عملٍ للإلكترونيات والروبوتات مخصّصة للشباب في المناطق المحرومة على مشارف بيروت، مثل الضاحية وحارة حريك ومخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين.
ويقول الشريك المؤسّس، سميح جابر، لـ"ومضة" إنّه "بعدما رأينا أنّ هناك حاجةً إلى وجود أكاديمية داعمة في المنطقة، قرّرنا إطلاق مبادرة تعليمية لأصدقاء وأقارب الأطفال، ومن ثمّ توسّعنا رويداً رويداً من خلال إضافة برامج ومسابقات وصفوف جديدة".
إلى جانب تنظيم "مسابقة الروبوتات السنوية (آرك)" ARC التي تضمّ عشرات المدارس، تعمل "كلمات" على تدريب قرابة 500 تلميذٍ حول الروبوتات وغيرها من المواضيع، بحسب جابر. وفي حين تكلّف الصفوف من 20 إلى 100 دولار أميركيّ في الشهر، يشير الشريك المؤسس إلى أنّ "الأهل في هذه المناطق لا يستطيعون تحمّل أكثر من هذه المبالغ".
من التعليم إلى التنافس عالميّاً
في أواخر عام 2010، ضافر جابر جهوده مع صديقَين له، هما أحمد الحسيني ولارا الحركة، لتعليم الأطفال مجال اللغات والعلوم وغيرها. وذلك "لأنّنا نؤمن في أهمّية بناء القدرات العلمية وأهمية التفكير العلمي والمنطقي بالنسبة إلى مستقبل الشباب"، كما يقول جابر.
بعد تسويق مهاراتهم في المناطق المجاورة وافتتاح صفٍّ من 20 تلميذاً في مركزٍ في حارة حريك، قرّر الفريق البدء بتعليم الروبوتات. وبالتالي عمدوا إلى استقدام أدوات "ليجوس نيكست" Legos NXT القابلة للبرمجة والتي تنتجها شركة "ليجو" Lego.
استمرّت هذه الصفوف بالنموّ في عام 2013، حتّى انضمّت "كلمات" إلى الفرع اللبناني من "أولمبياد الروبوتات العالمي" World Robotics Olympiad، وهي مسابقة سنوية للشباب من حول العالم لتطوير مهارات حلّ المشاكل من خلال مسابقات الروبوتات والأنشطة المختلفة.
يذكر جابر في هذا السياق أنّ "الفرق لديها فقط ساعتان لتفكيك الروبوت وإعادة تجميعه، وبالتالي تمكّن فريقنا من الفوز وتمّ اختيارنا لتمثيل لبنان في روسيا". كما يضيف أنّ "ما رأيناه من حيث تقدّم المستوى التعليميّ للأطفال وانخراطهم في منحى الرياضيات والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM، أعطانا دفعةً معنوية للتركيز أكثر على الروبوتات والإلكترونيات".
ولادة "مسابقة الروبوتات السنوية"
تمثّل العائق الأبرز أمام توسّع "كلمات" في انخراط التلاميذ والأهل في تعلّم الروبوتات، لذا صمّم الفريق مسابقةً لجذب الاهتمام ونشأت مسابقة "آرك" السنوية.
في النسخة الأولى من المسابقة، وبرعاية بلدية حارة حريك، دعَت المسابقة المدارسَ لتشكيل فرق والتنافس على جائزةٍ صغيرة نسبياً. وتمكنّت "كلمات" من جمع 11 ألف دولار لهذه الفعالية وإشراك 20 مدرسة فيها، ومن ثمّ تزويد الفرق المتنافسة بالتدريب وما يلزمهم من المعدّات والأدوات.
بعد ذلك، توجّب على الفرق المشاركة في المسابقة التي استمرّت ليومٍ واحد أن يقوموا بترميز وتصميم وبناء الروبوتات من الصفر. وحصل الفائزون على منحٍ دراسية من "الجامعة اللبنانية الدولية" LIU، بالإضافة إلى جوائز عينية مثل أجهزة كمبيوتر محمولة وكاميرات رقمية.
"شارك في المسابقة 35 فريقاً وفاز فريق ’ثانوية الغبيري‘ الذي يتألّف كلّ أعضائه من الإناث"، وفقاً لجابر الذي يضيف: "في الواقع سرّنا أن تشكّل الفتيات 40% من المشاركين".
في عام 2016، تمّ تشكيل 65 فريقاً من حوالي 50 مدرسةً رسمية وخاصّة من مختلف أنحاء لبنان، كما شملت الجوائز ست منح دراسية جامعية من "الجامعة اللبنانية الدولية".
وبحسب جابر، "كلّفت الفعالية 92 ألف دولار، وهذا جنونيّ كوننا بدأنا من الصفر في حارة حريك".
شارك في الفعالية أيضاً أعضاء من "الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية"Syrian Computing Society، وهي جمعية لعبَت دوراً أساسياً في تأسيس "ويكيلوجيا" Wikilogia التي تُعدّ أكبر مجتمع تكنولوجيا في سوريا وأكثرها تأثيراً.
يخطّط جابر لمشاركة 100 مدرسة في مسابقة "آرك" لعام 2017، والتي تنعقد في شهر نيسان/أبريل المقبل، وذلك بعدما انتقل مركز "كلمات" إلى مكانٍ أوسع في منطقة بعبدا في محافظة جبل لبنان. وفي المستقبل، "نخطّط أيضاً لبناء مركزٍ علميٍّ ضخم".