تكنولوجيا الفضاء في المنطقة باتت قريبة أكثر من أي وقت مضى
لقد تطرّقنا سابقاً في "ومضة" إلى استكشاف الفضاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على أنّه ضربٌ من ضروب الخيال ضمن كذبة نيسان/أبريل. ولكن بعد أشهر قليلة، وقّعت الإمارات العربية المتّحدة اتفاقية شراكة مع وكالة "ناسا" NASA من أجل العمل على مهمّةٍ إلى المريخ، كما وقّعت بعض الشراكات الأخرى مع كلٍّ من الصين والمملكة المتّحدة وروسيا للتعاون على صعيد علوم الفضاء.
لا شكّ في أنّ تكنولوجيا الفضاء باتت من المواضيع الساخنة إذاً، وقد ظهر هذا جليّاً خلال قمّة "هيلو تومورو" Hello Tomorrow [أي مرحباً بالغد] التي انعقدَت في باريس الشهرَ الماضي. ففي تلك الفعالية، كان مَن عرض الإمكانيات التجارية التي تتيحها تكنولوجيا الفضاء هم روّاد الأعمال والمستثمرون وليس الحكومات.
مرحباً بثورةٍ جديدة
قال ريك توملينسون من "ديب سبايس إندس" Deep Space Indus، أثناء افتتاحه ندوةً حول تكنولوجيا الفضاء، إنّنا الآن نعيش نقطة تحوّل، مضيفاً أنّ السفر بالمركبات الفضائية ليس أقلّ جنوناً الآن ممّا كان عليه السفر بالقطارات في القرن الثامن عشر. واليوم يعمل روّاد أعمالٍ من خلفيات متعدّدة على الجزء الأكثر وضوحاً من تكنولوجيا الفضاء: الصواريخ.
مِن هؤلاء جيف بيزوس "الذي كان يمتلك شركةً للكتب"، وبول ألن خبير البرمجة، وريتشارد برانسون صاحب متجر التسجيلات، وإلون ماسك الشريك المؤسّس لشركة "باي بال" PayPal. وفي الوقت الذي يقترب هؤلاء من إطلاق أوّل صاروخٍ لهم، فإنّ آخرين قد فعلوا ذلك فعلاً مثل بوب بجلو الذي اعتاد مسح أرضية الفندق الذي أسّسه ومن ثمّ أصبح يمتلك صاروخَين في مدار الأرض منذ عام 2008.
يؤمن توملينسون بأنّه في غضون عدّة سنواتٍ سيعيش الآلاف من الناس على كوكب المرّيخ وبأنّ السياحة الفضائية تقترب بسرعةٍ من أن تصبح ممكنة. وبالفعل، كان ماسك قد أعلن عن خطّته التي تقضي بنقل مليون شخصٍ إلى الكوكب الأحمر بحلول ستينات القرن 21.
وأهمّ ما في الأمر الآن أنّه ليس من الضروريّ أن تكون مليونيراً مثل ماسك أو برانسون لكي تبني صاروخاً يطير إلى الفضاء.
ما بعد الصواريخ
لا ترتبط تكنولوجيا الفضاء بالصواريخ وحدها، بل هناك عدّة مجالاتٍ ترتبط بها مثل الابتكارات المتعلّقة بالغذاء والسكن والروبوتات والتخزين. وقد أضاء روّاد الأعمال في قمّة "هيلو تومورو" على ثلاثة تحدّيات ضخمة تواجههم.
رأى ستيفان كُوي، المدير في شركة "سفران" Safran الفرنسية للصناعة ذات التقنية العالية، أنّه ينبغي على القطاع العثور على مادّةٍ جديدةٍ غير الكيروسين لأنّها غير مستدامة، كما أنّ البدائل ليست مثالية. فالوقود الحيوي على سبيل المثال، يتطلّب مكوّناتٍ أو أراض يمكن استخدامها للزراعة. وألواح الطاقة الشمسية قد تكون فكرةً مناسبة إذا لم تعُد طائرة "إيه 320" A320 تتطلّب من أجل الإقلاع ما يقارب مساحة كرة قدمٍ من هذه الألواح.
أمّا البطّاريات الكهربائية فهي تُستعمَل بالفعل في الطائرات الصغيرة، لكنّها ثقيلة جدّاً على الطائرات الكبيرة. والهيدروجين السائل قد يكون كثيفاً جدّاً ما يعني الحاجة إلى الكثير من المساحة، وخلايا الوقود ثقيلة جدّاً وتتطلّب الكثير من الطاقة من أجل عملية الدفع.
وبالتالي، لقد حان الوقت لإيجاد حلٍّ هجين من بين كلّ هذه الحلول.
لفت رايان ويد، الرئيس التنفيذي لشركة "بيزيترون دياناميكس"Positron Dynamics التي تعمل على مادّة مضادة من أجل عملية الدفع، إلى أنّ الصواريخ التقليدية قد طُوِّرَت في عشرينات القرن الماضي ولكنّ التكنولوجيا لم تتغيّر كثيراً منذ ذلك الحين. ومع استخدام الوقود الحاليّ وأنظمة الدفع الحالية، سيستغرق الأمر 30 ألف سنةٍ للوصول إلى أقرب كوكب.
وذكر أنّه "إذا كنّا نريد الذهاب إلى خارج نظامنا الشمسيّ فإنّنا نحتاج إلى تقنيةٍ جديدة، نحتاج إلى تسخير هذه التكنولوجيا الجديدة للوصول إلى أقرب النجوم إلينا خلال فترةٍ لا تزيد عن عمر الإنسان".
لذلك يعمل الباحثون على تكنولوجيا جذرية مثل الاندماج النوويّ والدفع بالليزر والمادة المضادة antimatter.
التخلّص من المخلّفات الفضائية
الرئيس التنفيذي لشركة "استروسكايل" Astroscale يريد تنظيف المخلّفات الفضائية (وهي مجموعة من النفايات الناتجة من مخترعات الإنسان ومن بقايا الأقمار الصناعية السابحة في مدارات حول كواكب النظام الشمسي)، مشيراً إلى أنّ "الواقع لا يختلف كثيراً عن فيلم ’جرافيتي‘ Gravity، وإذا لم نفعل شيئاً لن نكون قادرين على استخدام الفضاء بعد الآن".
يوجد في الفضاء الكثير من المخلّفات، فقرابة 99% من الأجسام في الفضاء هي من بقايا الحطام الفضائي، ما يشكّل خطراً كبيراً كونها تطير بسرعة 8 كلم في الساعة ويمكنها بهذه السرعة أن تدمّر الأقمار الصناعية.
في هذا الإطار، تعمل شركة "أستروسكايل" على تطوير أقمار صناعية من شأنها تحديد بقايا الحطام الكبيرة ومن ثمّ تحويلها إلى قطع صغيرة بحيث يمكن إزالتها.
الحصول على التمويل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تشهد الولايات المتّحدة الأميركية وأوروبا تزايد أعداد شركات الاستثمار المخاطر التي تستثمر في تكنولوجيا الفضاء، كما أنّ وكالات الفضاء مثل "ناسا" و"وكالة الفضاء الأوروبية" ESA تقوم بعملٍ هائلٍ لدعم الابتكارات التي يقودها القطاع الخاص.
في المقابل، ليس على روّاد الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن يغادروا منطقتهم كي يستطيعوا تطوير أفكارهم، كما شرحنا سابقاً في شهر كانون الثاني/يناير الماضي.
فحاضنة الأعمال "أويسيس500" Oasis500 كانت قد أعلنَت في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2015 عن صندوق استثمار مخاطرٍ جديد باسم صندوق "مشاريع تكنولوجيا الفضاء" في الأردن" Jordan Space Ventures fund لتشجيع روّاد الأعمال والشركات في المنطقة على تطوير تكنولوجيات مرتبطة بالفضاء، بعد جمع استثمارات بقيمة 7.8 مليون يورو (ما يقارب 8.4 مليون دولار أمريكي).
وفي أيار/مايو 2015، أعلنَت "وكالة الإمارات للفضاء" UAE Space Agency عن إنشاء "مركز الأبحاث الفضائية" Space Research Center في مقرّ "جامعة الإمارات" في مدينة العين، إمارة أبوظبي، ليكون بمثابة حاضنة للأعمال البحثية والتطويرية والابتكار في مجال الفضاء. كما وخلال هذا الصيف، أعلنَت الوكالة الإماراتية عن سعيها لإطلاق مهمّةٍ إلى المرّيخ.
بالإضافة إلى ذلك، يوجد لدى العديد من البلدان في الشرق الأوسط وكالات فضاء حكومية أو وكالةٍ تُجري بحوثاً وأنشطة ذات صلةٍ بالفضاء.
إذا كانت شركتك الناشئة تُعنى بتكنولوجيا الفضاء، فهذا لا يعني أنّها سوف تعود عليك بالكثير من المال والمجد بعد عامٍ واحدٍ فقط، إنّما عليك أن تكون صبوراً لتحظى بفرصة التأثير على تطوّر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومساعدة البشرية على النموّ خارج هذا الكوكب.
الصورة الرئيسية من "ويكيميديا كومونز" Wikimedia Commons.