بين العمل والمرح: مستقبل التعليم المعزز بالتكنولوجيا في الإمارات
بالنسبة للكثير من الناس، تبدو الصفوف الدراسيّة الحديثة كمشهدٍ من فيلم خيالٍ علميّ يذهب إلى أقصى حدود الخيال: أطفالٌ في الثامنة من العمر يتحدّثون عن الرموز والبرمجة ومنصّات التعليم الإلكتروني باستخدام الألعاب والروبوتات كمشاريع مدرسيّة.
الاستعجال لتعليم الأطفال هذا القدر من المعلومات بهذا العمر ليس اعتباطيّاً، فسوق العمل في المستقبل متطلّبة للغاية، وهي مبنية على القدرات العقلية للمبدعين الذين يجب أن يكونوا ملمّين ومتمكّنين من البيانات والتكنولوجيا بقدر إلمامهم بجدول الضرب.
وبالتالي، فإنّ الحاجة لأن تضمّ المنظّمات التعليمية الكبرى في سوق الأمارات المواضيع الحديثة في العلوم والتكنولوجيا والتعليم والرياضيات STEM تتطلب أكثر بكثيرٍ من تحديث للمنهج الدراسي. ,يجب أن يترافق ذلك مع استثمارات ضخمة في الموارد التكنولوجية وتنمية المواهب والصفوف الدراسية الرقمية، والأهمّ من ذلك كلّه تغيير نماذج تعليمية كانت جامدة وغير مرنة.
تقود هذا المجهود "جمز إدوكايشن" Gems Education، إحدى أكبر وأقدم المنظّمات التعليمية في الإمارات والمنطقة (تأسّست عام 1959)، مع أكثر من 90 مدرسة في المنطقة 47 منها في الإمارات.
بناء البيئة الريادية للتعليم
فيل ريدهيد، الذي انضمّ في أواخر عام 2012 إلى "جمز" كأستاذٍ وعُيِّن كمستشارٍ للتعليم الرقمي ثمّ أصبح يترأس فريق التخطيط الرقمي، يقول لـ"ومضة"، إنّه "في الماضي، كان تعليم التكنولوجيا مبنيّاً على السياسات الخاصّة وإدماج التكنولوجيا بالمنهج". مع اتّباع هذه الطريقة المبنيّة على التعلّم أوّلاً بأوّل، بدا واضحاً فشل عمليّة الدمج هذه. لذلك، اضطرت "جمز" إلى إعادة توجيه تحوّلها الرقمي إلى مستوى سلسٍ وقابل للتطوير في البيئة الريادية.
بصفته جزءاً لا يتجزأ من ذراع "جمز" المعنية بالابتكار والأبحاث والتطوير وكونه يتلقّى دعماً من قسم تكنولوجيا المعلومات ومعهد "تلال" TELLAL (الذي يرمز إلى التعليم والتعلم والقيادة للجميع)، وضع فريق ريدهيد استراتيجيةً تنطلق من الأهداف الواسعة إلى الأهداف المرجوّة. واليوم، "بات منهج المواطنة الرقمية من الدروس الإجبارية لطالب ’جمز‘ إذ أنّه يضمن الاستخدام الآمن والمسؤول لوسائل التواصل الرقمية ويتضمن مشاركة الأساتذة والأهل أيضاً". ثمّ يأتي دور المهمّة التي تنطوي على شقّين: أوّلهما الترويج للتعليم عبر الإنترنت والتعليم المدمج (الذي يدمج بين التعليم عبر الإنترنت ومن دون إنترنت) من خلال بيئة من المنصّات لتسهيل هذا النوع من التعليم؛ وثانيهما تنظيم نموذج جديد من التعليم والتعلّم والتقييم.
انتقلت "جمز" ما بين 60 منصّة تعليمية مرنة بما يسمح للمدارس بالاندماج فيها وبناء بيئتها الريادية عليها – ومنها منصّة "ماي ليرنينج" My Learning التي تسمح للأساتذة بإنشاء محتوى خاص بالطلاب. ويشرح ريدهيد أنّ "فشل اندماج التكنولوجيا يعود إلى ربطها بالنماذج التقليدية للتعليم، فمن أجل استخدام التكنولوجيا في عمليّة التعليم، عليك تغيير كلّ شيء انطلاقاً من الطريقة التي يتنظّم فيها المكان مروراً بالطريقة التي يقيّم فيه الأساتذة، وصولاً إلى كيفيّة تنظيم جداول العمل والوقت."
استثمرت "جمز" الكثير في سبيل هذا التغيير. ففي عام 2014، تعاونت أكاديمية "ولينغتون" Wellington Academy (وهي إحدى مدارس "جمز") مع "باموجا" Pamoja التي تقدّم صفوفاً عبر الإنترنت والوحيدة المتوافق عليها من منظّمة الباكالوريا الدوليّة. وبعد عام، تمّ اطلاق "بلنديد ليرنينج بلازا" Blended Learning Plaza التي تسمح لطلاب الأكاديمية بالوصول إلى الأدوات الرقمية والبرمجية من دون إنترنت، ما "جعلهم يعربون عن أنّهم يتمتّعون بوقتٍ وحريّة أكثر،" حسبما يشير ريدهيد.
توجّه تعليمي
تقوم طموحات الإمارات الابتكارية على تحويل التعليم المدرسيّ التقليدي إلى تعليمٍ معزّز بالتكنولوجيا بشكل أساسي – وهي من التحديات السبعة التي أعلنت عنها مؤخّراً "مؤسسة دبي للمستقبل" Dubai Future Foundation برعاية "هيئة المعرفة والتنمية البشرية" Dubai Knowledge and Human Development Authority. يقوم التحدّي، حسبما صرّحت "مؤسسة دبي للمستقبل" على "اختبار نظم التقييم الخاصة بالقرن الواحد والعشرين وحلول التعليم المخصصة التي تعمل في المناهج المختلفة."
وفي إطار إعلان "مؤسّسة دبي للمستقبل" عن شراكة مع مسرّعة الأعمال الخاصّبة بالروبوتات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرّاً لها، "وي روبوتيكس" Werobotics، سوف نرى مختبراتها النقّالة التي
تحمل اسم "فلايينج لابز" Flying Labs تساعد في نشر حلول الروبوتات من الإمارات إلى مشاريع في الدول النامية.
هذه نقلة كبيرة منذ عام 2010 حين كانت "فان روبوتيكس" Fun robotics المبادرة الوحيدة من هذا النوع في المنطقة. هذا المشروع الذي بدأ كمفهوم صغير متنقّل لنشر الوعي حيال الروبوتات عند الأطفال، تحوّل إلى أوّل مركز روبوتات متخصّص في دبي يحظى بموافقة من "هيئة المعرفة والتنمية البشرية" بعد إطلاق "برنامج محمد بن راشد للتعلم الذكي" Mohammed bin Rashid Smart Learning Program في عام 2012. ومنذ ذلك الحين، سارت في خطاه مبادراتٌ تقليدية وحديثة مثل "معهد كلية الهندسة الصوتية" SAE Institute و"ميتا مايندز" Metamindz و"معهد سفينة نوح للتدريب" Noah’s Ark Training Institute، بحيث تناول كامل منهجها أو جزءٌ كبيرٌ منه مواضيع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM.
الأساتذة والتكنولوجيا
لا شكّ في أنّ إقناع الأساتذة بالتعليم المدمج والتعليم الإلكتروني أمرٌ صعب، بخاصةٍ وأنّهم مرتابون حيال تأثير التكنولوجيا السلبي على نتائج الطلاب أوّلاً وعلى مدخولهم ثانياً. ولكنّ ريدهيد يقول إنّ "الأساتذة لا يعارضون التكنولوجيا بسبب التكنولوجيا، بل لأنّهم يريدون الأفضل لطلابهم."
هذا الأمر تعلّمَته باكراً "آي تي ووركس ايدوكايشن" ITWorx Education التي تزوّد حلول البرمجية التعليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حتّى أصبحَت منتجتها اليوم تتراوح بين المنصّات التعليمية مثل "ليرنينج كورف" Learningcurve، وحلول القاعات الدراسية مثل "نت سوبورت" Netsupport، ومستودع المحتوى الرقمي "إدوشير" Edushare، ومساحة التعليم الاجتماعي "وينجيجو" Winjigo.
التحدّث بالرموز
فيما يشكلّ إدماج تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين والدراسات المتعلّقة بالأجهزة في منصّات التعليم عبر الإنترنت موضوعاً سابقاً لأوانه، فإنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة لإدماجها بالتعليم من دون إنترنت. وذلك لأنّ "أطفال الروضة يتعلّمون البرمجة، ونحن نتحدّث عن منهجٍ يتناول ثلاث لغات: اللغة العربية والإنجليزية والبرمجة،" كما يقول ريدهيد.
تشارك "جمز" أيضاً في مبادرات عدّة مع شركاء مختلفين مثل "سي إس أنبلوجد" CS unplugged و"ليجو إديوكايشن" Lego Education و"جنرال الكتريك" GE و"مايكروسوفت" Microsoft وحتّى "تيد أكس" TedX من أجل "اختراق الصفوف" بالتفكير التصميمي وعلم الروبوتات والطباعة الثلاثية الأبعاد وغيرها.
خرّيج "جمز"، كاران ديب، الذي بدأ مسيرته المهنية في المدرسة كمحلّلٍ للأعمال والتكنولوجيا، يشغل اليوم منصب مدير تطوير الابتكارات في قسم "الابتكار والأبحاث والتطوير" الذي يشبه "فريق استثمار مخاطر يركّز على الاستثمارات في المراحل المبكرة – الاستثمارات التأسيسية أو استثمارات الجولة الأولى- في التكنولوجيا التي تفيد مدارسنا، وكذلك في الأدوات التعاونية الرقميّة التي تؤمّن تعليماً شخصيّاً ومتخصّصاً أكثر."
لم يفصح ديب عن الشركات الناشئة التي استثمرت فيها "جمز" حتّى الآن، غير أنّه يشير إلى أنّ المدرسة ستساعد في تأسيس شركات ناشئة واختبارها في المرحلة التجريبية إذ أنّ "[رواد الأعمال في المجال التكنولوجي] هم مبرمجون رائعون يعلمون كيفية بناء الأشياء، لذلك يبنون ما يعتقدون بأنّ التعليم يجب أن يكون عليه."
من الأمثلة على ذلك، "مركز الابتكار العربي للتعليم" Arab Innovation Center for Education الذي أطلقته "جمز" بالتعاون مع رئيس وزراء دولة الإمارات المتحدة كمنصّةٍ للابتكار وريادة الأعمال تركّز على أربعة محاور: الأكاديمية وفضاء الابتكار، والأبحاث، والاختبار وإعداد النماذج الأولية، والاحتضان.
كجزءٍ من هذا المركز، تمّ إنشاء برنامجٍ لتسريع الأعمال جمع حتّى الآن 10 فرق طلابية، من أصل 700 مقدّم طلبات إلى مدراس "جمز"، بحاضنات أعمال ومرشدين خارجيين مثل "وومينا" Womena و"إمباكت هب" Impacthub و"تورن 8" Turn8. وبينما تراوحَت البرامج التي خضعَت للتسريع بين الأنظمة التي تتحكم بالحرارة أوتوماتيكيّاً إلى أنظمة الريّ الذكيّة، فاز مشروع "أو دي آي" ODI، الجهاز القابل للارتداء للمكفوفين الذي يمكنه كشف العقبات وإعلام المستخدم بوجودها بالذبذبات أو الإشعارات الصوتية. وبعدما حصل على جائزةٍ بقيمة 10 آلاف درهم، يتلقّى مبتكر الجهاز الآن مساعدةً في ضبط وصقل ابتكاره. أمّا عن البرنامج بشكل عام، فيقول ديب إننا "سوف نبدأ على مستوى صغير لكننا نريد أن نتوسّع نحو المجتمع."
بخطى بطيئة ولكن ثابتة في الإمارات، تحضّر البيئة الريادية التعليمية الأطفال لمستقبلٍ ريادي معزز بالتكنولوجيا، لكنّها بحاجة لأنّ تحضّر نفسها للمستقبل كذلك. "لن أتردد بالقول إنّ دبي ستكون وادي السيليكون التالي بعد بضعة سنوات، فلقد شاركتُ في لجنة التحكيم في برنامج ’مركز الابتكار العربي للتعليم‘ ورأيت طفلاً استخدم تسع لغات برمجة تعلّمها كلّها بنفسه".