هكذا يستفيد رواد الأعمال في باكستان من الشمس
باكستان بلدٌ محظوظ؛ قد يبدو هذا مغايراً للواقع ولكنّها بالفعل كذلك: جمهورية باكستان غنية بالأشخاص الشغوفين بالتكنولوجيا، ولديها 190 مليون نسمة يعملون في كلّ شيءٍ في الشرق الأوسط وأفريقيا (ما عدا نيجيريا)، ومجموعة من روّاد الأعمال الذين يعملون على تحقيق إمكاناتٍ كبيرةٍ من الطاقة الشمسية.
لديها أيضاً سبع شركاتٍ تسيطر على سوق السكن المحلّيّة، وتقدّم خدماتها لسكّان المدن من الطبقة الوسطى ممّن يمكنهم تحمّل تكاليف نظامٍ كاملٍ للطاقة الشمسية في المنزل، بالإضافة إلى الفقراء الذين يحتاجون إلى الأساسيات مثل الإضاءة، والمعلّمين، وسائقي سيارات الأجرة، والعاملين في القطاع العام على مستوى منخفض الذين لا يستطيعون تحمل الإيجارات في المدين الكبيرة فيستقرّون في مدن الصفيح غير المرتبطة بشبكة الكهرباء الوطنية.
ما الذي تريده باكستان؟
سرمد فايز، مؤسّس الموقع الإلكترونيّ للمعلومات حول الطاقة، "لود شيدنيج" Loadshedding.pk، يقول لـ"ومضة" إنّ الدليل الكامل للطاقة الشمسية Complete Guide to Solar الذي يقدّمونه يحصل على أكبر مستوى تفاعلٍ من قرّاء الموقع.
ويتابع مضيفاً: "أعتقد أنّ تكنولوجيا الطاقة الشمسية الآن تصبح أرخص بكثير ممّا كانت عليه قبل خمس أو عشر سنوات، كما يمكن الآن رؤية الكثير من المشغّلين في السوق".
من هذه الشركات العاملة في السوق، "برايتر لايت" Brighterlite و"إيكو إنيرجي فاينانس" Eco Energy Finance و"إس آر إي سوليوشنز" SRE Solutions و"هارنس إنيرجي" Harness Energy التي تقدّم خدماتها للأشخاص الذين لا كهرباء لديهم. وهناك أيضاً شركات "نظام سولار" Nizam Solar و"بانتيرا إنيرجي" Pantera Energy و"باك شاين" Pak Shine التي توفّر الطاقة للطبقة الوسطى، أي الأشخاص الذين يستطيعون تحمّل تكاليف نظام الطاقة الشمسية التي تصل إلى 200 دولار أميركي والذين يمكن أن يكونوا مهتمّين في بيع الطاقة إلى شبكة الكهرباء الرسمية.
ولكن، ما زالت هذه الشركات جميعها تعمل على استنباط ما الذي يريده العملاء على وجه التحديد. وحسبما يذكر مدير "برايتر لايت"، محمد عمر، لـ"ومضة"، فإنّه في حين تشكّل الأضواء أمراً جيداً، خصوصاً للفقراء، إلّا أنّ الناس يريدون شيئاً ممتعاً.
في هذا الصدد، تذكر لبنى التي تعيش في مدينة الصفيح التي تُعرَف باسم "باريس"، أنّه خلال فصل الصيف لم يكن بناتها الثلاثة وابنها الوحيد يتمكّنون من التركيز على الدراسة لأنّه كان يصعب عليهم النوم قبل أن يبرد الطقس عند الخامسة فجراً، إلّا أنّ استئجار مروحةً تعمل بالطاقة الشمسية من "برايتر لايت" قد غيّر هذا الأمر.
يشير عمر إلى أنّ شركته تقدّم أيضاً أجهزة راديو أو تلفزيون ضمن بعض الباقات التأجيرية، وذلك كحافزٍ للباكستانيين الشغوفين بلعبة الكريكت للإبقاء على هذه الباقات خلال فصل الشتاء وليس إلغاءها.
بدوره، يقول الشريك المؤسس لـ"إيكو إنيرجي"، جيريمي هيغز، إنّهم اكتشفوا أنّ منتجاتهم أضعف ممّا أرادها العملاء: بطارية يمكنها أن تشغّل المروحة لمدّة 8 ساعات تُشغّل لمدّة 12 ساعة، ممّا يتسبّب في تلف المنتَج.
نتيجةً لذلك، تحوّلت شركة "إيكو إنيرجي فاينانس" من شركةٍ تبيع أو تؤجّر المنتَجات لمرّةٍ واحدةٍ إلى شركةٍ تزوّد الطاقة كخدمة.
باكستان وُجدَت من أجل الشركات الناشئة التي تُعنى بالطاقة الشمسية
يُقدّر عدد الأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على خدمات شبكة الكهرباء الرسمية في باكستان بين 50 إلى 70 مليون نسمة، في حين يلفت مؤسّس "هارنس إنيرجي"، محمد شهريار، إلى أنّ الأشخاص الذين يحصلون على الكهرباء بشكلٍ غير منتظمٍ يصل إلى 70 مليون نسمة.
المزايا الأخرى الواضحة تشمل المنظّمات الدولية التي تحرص على الانخراط في هذا المشهد، وإلغاء الرسوم على الاستيراد والضرائب على بيع المعدّات ذات الصِّلة بالطاقة الشمسية، بالإضافة إلى ارتفاع معدّلات كثافة الطاقة الشمسية.
وفي حين ساهمت "مؤسَّسة التمويل الدولية" IFC بشكلٍ مباشر وغير مباشر في دعم الكثير من شركات الطاقة الشمسية في البلاد، قامَت "الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول" GSM Association بقيادة سلسلة منح تساوي 200 ألف دولار لشركة "إيكو إنيرجي فاينانس" في العام الماضي.
الأمر ليس بهذه البساطة بالنسبة للشركات الناشئة الباكستانية، إذ يوجد عقباتٌ كبيرةٌ من بينها السمعة السيئة للأمن في البلاد والمشاكل الكبيرة التي تواجهها البيئة الحاضنة والتي تتمثّل في صعوبة الحصول على الاستثمارات. ومن بين المسائل، كما يقول كلثوم لاخاني من مسرّعة الأعمال "إنفيست تو إنوفايت" Invest 2 Innovate في إسلام أباد، هي الحاجة إلى الحفاظ على مجموعتَين من السجلّات - واحدة من أجل القواعد المعقّدة التي يفرضها مكتب الضرائب، وأخرى من أجل الأعمال - ما يرفع كلفة الدراسات الإعدادية على المستثمرين (أو ينفّرهم) ويقلّل من مستوى الشفافية.
جذور عفنة تنمو من جديد
أزمة الطاقة في باكستان مستمرّة منذ فترةٍ طويلة، مع نقصٍ يصل إلى 5 آلاف ميجاواط يومياً أو أقلّ بقليل من ثلث القدرة الوطنية على توليد الكهرباء. وفي وقتٍ تفاخر الحكومة بوضع خططٍ كبيرة، يتحوّل الكثير منها إلى القطاع الخاصّ من أجل إصلاحها.
كانت الطاقة الشمسية البديلة على مستوى المنازل متاحةً لسنواتٍ لكنّها لم تكن مغرية. ووفقاً لهيغز، فإنّه في بعض الحالات تمّ تركيب أنظمةٍ للطاقة الشمسية ولكن عندما توقّفت عن العمل تُرك الناس بدون أيّ مساعدةٍ أو دعم، وكانت المنتَجات في كثيرٍ من الأحيان تُقدَّم مجاناً عن طريق المنظمات غير الحكومية.
من جهته، يصف مؤسّس "بانيرا إنيرجي"، فاروق سعيد، باكستان بأنّها "مكان لتجميع مخلّفات أجهزة الطاقة الشمسية" ذات القطع الرخيصة التي تُصنَّع في الصين، كاشفاً أنّ 12% فقط من المنتَجات المستورَدة بطاقة 350 ميجاواط كانت من النوعية الجيدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ العملاء الباكستانيين ذوي الدخل المنخفض كانوا حسّاسين تجاه الأسعار، ما وضع المنتَجات ذات الجودة العالية والأسعار المرتفعة التي تقدّمها هذه الشركات الناشئة في مواجهةٍ مباشرةٍ مع المنتَجات الصينية الرخيصة جداً.
مستشار الحصول على الطاقة في "مؤسَّسة التمويل الدولية"، ليام جريليش، والذي عمل عن قرب مع الشركات الناشئة التي تُعنى بالطاقة الشمسية في باكستان، يقول إنّ معدّل إنفاق الأسر التي لا تحصل على الكهرباء من الشبكة الرسمية على منتَجات الإضاءة يصل إلى 14% من الدخل المتاح شهرياً.
ويشرح في حديثه مع "ومضة" أنّه "في الوقت الحالي، تضيء الأسر الفقيرة التي تحتاج إلى الطاقة بيوتها بالاعتماد على الكيروزين أو الشموع أو الأضواء التي تعمل على البطارية والتي تُشترى مقابل دولارَين أو 3 دولارات. أمّا منتَجات الطاقة الشمسية، فهي تتطلّب منك أن تتّخذ قراراً مسبقاً بالشراء".
وذلك، بحسب شهريار، لأنّ إقناع الناس بالفوائد الطويلة الأجل لشراء مصباحٍ على الطاقة الشمسية بتسعة دولارات بدلاً من ذلك الذي يكلّف 3 أو 4 دولارات، يُعتبَر تحدّياً حقيقياً.
الطاقة الشمسية تعمل بشكلٍ مختلفٍ في باكستان
شرق أفريقيا هو نموذجٌ لما هي عليه الطاقة الشمسية في باكستان؛ فقد كان من الأنظمة الرائدة والفعّالة في شرق أفريقيا، دفعُ الاستحقاقات أولاً بأول Pay-as-you-go، وهو نظامٌ يتطلّب شراكاتٍ مع شركات الاتصالات، وأيضاً نظام "جي إس إم" GSM لتتبّع مدفوعات الإيجارات والقروض.
في هذا الإطار، يقول جريليش إنّ الموزّعين مثل "برايتر لايت" و"إيكو إنيرجي فاينانس" الذين يستأجرون ألواح طاقةٍ شمسية تغذّي أنواعاً مختلفةً من المنتَجات، كانوا يُعيرون سجلّاتهم الخاصّة لعملاء يستخدمون نظام الدفع أوّلاً بأوّل فيما كانت مؤسّسات التمويل متناهي الصغر تقوم بإجراء اختباراتٍ على تمويل الأشخاص الذين يريدون شراء أنظمةٍ كاملة.
"الدفع أوّلاً بأوّل يصبح أكثر أهمّيةً في السوق الباكستانية، لأنّه يمكّن المستهلكين من تسديد دفعاتٍ أصغر بكثير مقابل المنتَجات وتسديدها بمبالغ أصغر مثلما يفعل المستهلكون الآن عن طريق دفع المال عبر المحمول لفترةٍ من الزمن،" على حدّ تعبير حريليش الذي يضيف أنّ "قطاع التمويل متناهي الصغر في باكستان بات الآن أكثر جدّيةً حيال هذه الفئة من الأصول نظراً لحجم الفرصة الموجودة".
في هذا الوقت، باتت المنتَجات تحمل رقائق "جي إس إم"، سواء كان ذلك من خلال عدّادات الدفع المسبق التي تركّبها "برايتر لايت" في المنازل، أو نماذج الشراء من أجل الامتلاك الذي توفّره "باك شاين"، ما يعني أنّ النظام يمكن أن يُشغَّل أو يوقَف عن بُعد بناءً على تسديد العميل لإيجار المنتَج أو القسط المتوجّب مقابل القرض.
كما أنّ الشراكات مع شركات الاتّصالات تسمح للعملاء بالدفع من خلال هواتفهم، ما يوفّر على شركة الطاقة الشمسية إنشاء منفذ بيع أو موقعٍ إلكترونيّ من أجل الدفع. ويكشف هيغز أيضاً أنّ الإنترنت على الأجهزة المحمولة سمحت لهم بتحديد ما إذا كان العملاء المحتملين "قابلين للتمويل" bankable أم لا.
من جهةٍ أخرى، يذكر مؤسّس شركة "الطاقة النظيفة في العالم العربي" Cleantech Arabia المصرية، أحمد حزيّن، في حديثٍ مع "ومضة" أنّه عندما يتواجد النموذج التعاونيّ يمكن لنظام الدفع أوّلاً بأوّل أن ينجح. ويشرح قائلاً: "أعتقد أنّه يمكن أن يعمل في مصر... ولكنّني أرى أنّه يجب أن يكون مختلفاً قليلاً، لأنّني لا أعتقد أنّه سيعمل مع الأنظمة الصغيرة التي يتمّ توزيعها".
يعود ذلك إلى أنّه في مصر التي تشهد كثافةً سكّانيةً كبيرة مع معدّلات فقرٍ مدقع (أقلّ من دولارٍ واحد في اليوم)، يتوقّع الناس من نظام الطاقة الشمسية أكثر من مجرّد مروحةٍ وأضواء، ولكن يمكن لهذا النظام أن يعمل عبر شبكةٍ مصغّرة يرتبط فيها 20 شقة أو منزلاً أو أكثر، بحيث إذا لم يدفع أحد العملاء يمكن للآخرين أن يعوّضوا الأمر ويدفعوا عنه.
غزاة القادمون من الشرق
إذا كان يمكن إنجاح التجربة الباكستانية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يمكن لذلك أن يسبّب المشاكل للشركات الناشئة المحلّية، خصوصاً وأنّ التوسّع نحو الهند صعبٌ من الناحية السياسية.
وبالتالي، فإنّ "الشرق الأوسط هو المكان المناسب لتوسيع شركات الطاقة الشمسية الباكستانية،" بحسب سعيد من "بانتيرا إنيرجي".
بدوره، يؤكّد جريليش أنّ عملاء "مؤسسة التمويل الدولية" أبدوا اهتماماً كبيراً بالعمل في الأسواق الشرق أوسطية، خصوصاً تلك التي تشهد مستوياتٍ كبيرةً من الطلب على الطاقة. هذا بالضبط ما يجب أن تركّز عليه استراتيجية التوسّع لدى شركة "باك شاين"، على حدّ تعبير الرئيس التنفيذيّ جاسم شيخ الذي صرّح لـ"ومضة" أنّ هذه الاستراتيجية يجب أن تضمّ أيضاً الأسواق المصرية والآسيوية.
نماذج الأعمال التي تكيّفها الشركات الناشئة الباكستانية التي تُعنى بالطاقة الشمسية، وكذلك الرؤى والأفكار التي يستخرجونها من قطاعات السوق المختلفة، تستحقّ الاهتمام لأنّها يمكن أن تكون قابلةً للتطبيق في أسواق مماثلة في جميع أنحاء العالم النامي.
الشمس وطاقتها، التي يحرص رواد الأعمال على الاستفادة منها، قد حان وقتها أخيراً في باكستان.
[الصورة الرئيسية من "جلوبال جيفنج" Global Giving]