من قال إنّ حيتان السفر ليسوا بحاجة إلى الشركات الناشئة؟
بالرغم من أن تأسيس خطوطٍ جويّة لا يدخل ضمن أهدافك كرياديٍّ في مجال السفر، إلّا أن قطاع الطيران يفسح مجالاً كبيراً للحلول الإبداعية التي من شأنها أن تغيّر قواعد اللعبة.
لمحة أوّلية
كفاءة الطيران في المنطقة آخذة في الارتفاع بحيث أصبحت تنافس على مستوى دولّي.و يُظهر أحد تصنيفات عام 2012 للطيران الدولي أنّ أربعة خطوط جويّة شرق أوسطية، هي الخطوط التركية، والإماراتية، والاتّحاد، والقطرية، جاءت بين المراكز الثلاثين الأولى، والإماراتية في المركز الرابع على مستوى العالم. وبالتالي إذا استمرّ هذا المنحى، من المتوقّع أن تضاعف جميع الخطوط الأربعة حجم أساطيلها بحلول عام 2020.
ساهمت هذه المراتب المتقدّمة في إحداث دورانٍ نقديٍّ ومكاسب عمّالية. فحسب تقرير نشرته "أتاغ" ATAG عام 2014، فإنّ النقل الجويّ يوفّر مليونَي فرصة عمل و116 مليار دولار لإجمالي الناتج المحلي في الشرق الأوسط.
في الواقع، وحسبما يقول بيرنارد دَن، رئيس "بوينغ" Boeing في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا، في مقابلةٍ مع "ومضة"، "سيحتاج الشرق الأوسط إلى 60 ألف طيّار و66 ألف فنيٍّ خلال السنوات العشرين المقبلة، مع وجود 237 مليون مسافر إضافي إلى المنطقة، ومنها، وعبرها".
من حيث النموّ، حقّقت خطوط النقل في الشرق الأوسط في عام 2015 أقوى حركة نموّ سنوية للسفر بنسبة 10.5%، ما رفع حصّتها من الحركة الدوليّة إلى 14.2% متجاوزة نظرائها في أمريكا الشمالية التي تحظى بـ13.4%.
لماذا يجب على شركات السفر الاهتمام بالشركات الناشئة؟
يُظهِر تقريرٌ لـ"مختبر ومضة للأبحاث" أنّ 25% فقط من شركات الطيران التي تمّت مقابلتها تتوقّع تغييراً كبيراً في السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة. ومع ذلك فإنّ غالبية الشركات التي جرى استطلاعها تتطلّع إلى عقد شراكاتٍ مع شركات ناشئة.
مع أنّ إحداث تغييرٍ في الخطوط الجوية ككلّ أمرٌ صعب المنال، إلّا أنّ جميع أقسام القطاع، بما فيها الحجوزات، وتنبيهات حوادث التحطّم، والتفاصيل المحدّدة لخبرة الركّاب على متن الطائرة، تتهافت عليها ابتكارات إحلالية ترفع من الطلب على الخدمات المساعدة، كخدمات السفر عبر المحمول، والمنتَجات والخدمات في مقصد الرحلة، والجولات والفعاليّات، وإعلانات السفر.
في هذا الإطار، محرّكات "جنرال إلكتريك" GE المصنّعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد ما هي إلّا مثال على قدرة الحلول التكنولوجية في اختراق القطاع. وبدوره، يرى دَن أنّه مع الوقت يمكن الوصول إلى ابتكار "الطائرة الرقمية" التي توفّر الاتّصال بين المجال الجويّ، والخطوط الجويّة، والمطار، والزبون، والتي ستكون واحدة من أكثر التغييرات التي تجلبها التكنولوجيا جذرية.
نظرًا لهذه العلاقة التكافلية بين الطيران والتكنولوجيا، أصبح من المعتاد أن يتواصل اللّاعبون الكبار كخطوط الطيران والنقل الجوي مع الشركات الناشئة، وذلك اعتقاداً منهم بأنّ إيجاد موطئ قدمٍ في هذه البيئة سيكفل للشركات القديمة مقعداً في القطار الريادي الذي قد يسبقهم إن لم ينضمّوا إليه الآن.
يرى مات زيتو، مؤسّس"ترافِل ستارتابس إنكيوبيتر" Travel Startups Incubator، وهي منصّة للاستثمار والاستشارات والابتكار الرقمي مخصّصة لدعم شركات السفر الناشئة، أنّ شركات السفر تبني جسوراً مع الشركات الناشئة "لأنّها ترى أنّ عدم انفتاحها وقلّة الشفافية وعدم القابلية على المخاطرة سوف يخسرها المنافسة و/أو أن شركة أخرى ستأخذ منها حصّةً سوقية".
جيمس هوغَن، المدير التنفيذي لـ"طيران الاتّحاد"، يدرك الخطر: "العالم لا يتغيّر فحسب، بل إنّه تغيّر فعلًا،" حسبما قال في إحدى التصريحات. "فالشراكة والابتكار أساسيان في اقتصاد العولمة الجديد، والنجاح في مستقبل يتوجّه ليكون رقمياً أكثر باستمرار يعتمد على القدرة على تطبيق تكنولوجيات فعّالة، وإعادة النظر في الاستراتيجيات، والثقافة، والموهبة".
الشركات الناشئة
من وجهة نظر الشركات الناشئة، فإنّ غيت بالّه، المؤسّس الشريك والرئيس التنفيذي لوكالة السفر الإماراتية الإلكترونية "هوليداي مي" Holiday ME، يعتزّ بشراكاته مع شركات الطيران والتي تعود فائدتها على الطرفين.
وفي مقابلةٍ مع "ومضة"، يوضح هذا الرياديّ عمل شركته كذراعٍ تسويقية لشركات الطيران من خلال توليد المزيد من حركة المسافرين دون الوقوع بمطب الأسعار الموحّدة (rate parity)، بينما تُقدّم له خطوط الطيران فوائد ومنتجاً ذا قيمةٍ يستطيع هو بدوره أن يقدّمه لزبائنه.
"هنالك مجموعةٌ من خطوط الطيران في هذا السوق؛ في الغالب شركات النقل الجوي منخفض التكلفة والكثير من شركات النقل الجوي ذات الخدمة المتكاملة التي تحتاج إلى حلفاء وشركاء في مجال وكالات السفر والتي تستطيع مساعدتهم على ملء المقاعد"، كما يقول بالّه.
من الناحية الأخرى، فإنّ هاني دحلان، المدير التنفيذي ومؤسّس بوابة السفر "ترافل شيخ" Travel Sheikh الإلكترونية، يمتلك نظرةً تشاؤمية. فهذه الشركة الناشئة الأردنية ناشئة انتقلت مؤخراً إلى دبي بسبب نقص التمويل، بحيث "كان لدينا الكثير من الشراكات مع خطوط الطيران،" حسبما يقول دحلان أثناء مقابلته مع "ومضة"، "وهذا أمرٌ لا أنصح القادمين الجدد على فعله".
يؤمن دحلان بأنّ خطوط الطيران تنظر إلى وكلاء السفر على أنّهم منافسون وليسوا شركاء محتملين. ويوضح أنّ "خطوط الطيران تحاول التخلّص من وكالات السفر الإلكترونية بكلّ الطرق. ويمكنها عقد شراكةٍ معك عندما يكونون عالقين، وفي مجالات محدّدة فقط".
الشركاء المتعاونون
التعاون بين قطاع الطيران والريادة ليس مُنحصراً بلاعبي الطيران فقط، بل يوجد أنساق أخرى تضمّ لاعبين مُختلفين:
1. شركات كبيرة وشركات ناشئة عاملة في السفر
في عام 2015، تعاقدت "الملكية الأردنية" مع "أويسيس500" لإطلاق مختبر للشركات الناشئة في مجال السفر، إلّا أنّه لم يصلنا أيّ جديدٍ عن مُخرجات المشروع.
2. شركات سفر كبيرة وشركات ناشئة غير عاملة في السفر
بالتعاون مع "إنجاز العرب"، استثمرت "بوينغ" خلال نيسان الماضي 225 ألف دولار في برنامج "ستارت أب برديج" Start-Up Bridge Program، كما وعملت الشركة مع "صلتك" Silatech و"بلانيت فاينانس" Planet Finance لتقديم قروض صغيرة لروّاد عراقيين وإماراتيين. وبالرغم من أنّ تعاوناً كهذا ليس مُتصلّاً بالطيران بشكلٍ مباشر، إلّا أنّه يخدم مصالح الشركة بطريقة مُختلفة. ويقول دَن في هذا الصدد، إنّ "القطاع الخاص والشركات الصغيرة والمتوسطة هما المفتاح لاقتصادٍ ناجح وقطاع الطيران يعتمد على هذا النوع من الاقتصاد".
في الوقت نفسه تعمل "بوينغ" على استقطاب الشركات الناشئة العاملة في مجال السفر عن طريق فريق "ستارتاب بوينغ" Startup Boeing الذي يساعد الروّاد على تأسيس خطوطهم الجوية.
3. مؤسّسة غير تابعة للسفر وشركة ناشئة عاملة في مجال السفر
من الأمثلة على ذلك مشروع "سياحة" التابع إلى "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" USAID والذي وهب منحة لشركة "ترافو تك" TravoTech الأسبوع الماضي.
أمثلة على التعاون
التعاون بين شركات السفر الناشئة واللاعبين الكبار في القطاع قد يتراوح من برامج المسؤولية الاجتماعية وبناء القدرات، إلى شراكات واستثمارات استراتيجية وأكثر جديّة.
بعض الأمثلة على ذلك: الذراع الاستثماري لـ"جت بلو" JetBlue’s venture arm، وبرنامج "إنفست أون بورد" Invest on Board التابع للخطوط التركية، وشراكة خطوط "أول نيبون" الجوية ANA مع "أشوكا" Ashoka، ومبادرة "لوفتهانزا" باسم "رانواي تو ساكسيس" Runway to Success.
أمّا بالنسبة إلى الفعاليّات المُتعلّقة بقطاع الطيران في المنطقة، فهي تضّم "أسبوع أبو ظبي للطيران والفضاء" و"أرابيان ترافل ماركت" Arabian Travel Market.