هل البيانات الكبيرة مفيدة في مجال الرعاية الصحّية؟
فيما خصّ استخدام البيانات الكبيرة في مجال الرعاية الصحية، يبدو أنّ لا أحد يعرف تماماً ما الذي يفعله حتّى الآن.
ولكنّ الدكتور بوشبافالي راماسامي، مسؤول المعلوماتية الطبية في "المستشفى الأمريكي دبي" American Hospital Dubai، يريد أن يعرف كيف يمكن تحديد قيمة البيانات بعد جمعها؟ ومَن الذي سيستفيد مِن أيّ جزءٍ منها؟ وكيف يمكننا نشرها؟
أثناء حديثه في "مؤتمر ومعرض بناء الرعاية الصحية في الشرق الأوسط" Building Healthcare Middle East في دبي، أثار رماسامي قضية عالمية: ما هي أفضل طريقةٍ للاستفادة من البيانات التي يتمّ توليدها.
الإمكانات التي تأتي عن البيانات لا حصر لها، وحسبما جاء في تقريرٍ لـ"ومضة" و"جنرال إلكتريك" GE عن الشركات الناشئة للرعاية الصحّية في المنطقة: إنّ فتح الطريق أمام توسيع الرعاية الصحّية ومستقبلها، وتأثير الاتّصال، وأجهزة تجميع بيانات الرعاية الصحية، كلّها تفيد في أمورٍ تتراوح بين مراقبة الأمراض وعلاجها، والحدّ من التكلفة المباشرة للعلاج، وصولاً إلى تطبيقها في المجال الصناعيّ.
ولكن فقط إذا تمّ اعتماد النهج الصحيح.
التجميع
مع ردود الفعل التي يبديها المرضى حول تجربتهم في المستشفى ونتائج فحوصات الدمّ لمرض السرطان، وصولاً إلى جهاز "فِت بِت" FitBit الذي يرتديه المستخدِم، بات قطاع الرعاية الصحّية يجمع البيانات باستمرار. وتشير التقديرات إلى أنّ يتمّ إنشاء ما يصل إلى 150 إكساباي (150 مليار مليار) من البيانات عالمياً في مجال الرعاية الصحية وحده.
من مفاتن البيانات الكبيرة أنّ بيانات قطاع الرعاية الصحية هي نفسها في جميع المجالات، وبالتالي يمكن أن تكون مشتركة ويمكن ترتيبها عبر المنظَّمات.
عندما تبدأ المستشفيات بالجمع بين مصادر بياناتٍ متعدّدة مثل البيانات الطبّية وبيانات العلاج، وبيانات المرضى الجغرافية، والبيانات الاجتماعية، والبيانات عن الأطباء، وحتّى البيانات عن الجينوم في المستقبل، فالنتيجة ستكون أفضل بكثير،" يقول مارك فان رايمينام، مؤسّس "داتا فلوك" Datafloq الهولندية التي تعمل على لقاء علماء البيانات والجهات المعنية في القطاع. ويضيف أنّ "العلاجات يمكن أن تؤدّي إلى انخفاض معدّلات إعادة القبول، وانخفاض التكاليف، وتحسين صحة المرضى".
مِن أين نبدأ؟
يشير الدكتور آرون هان، القائم بأعمال المدير الطبي في "المستشفى الأمريكي دبي" AHD، إلى أنّ التحدي يمتثّل في كمّيّة البيانات، ويقول إنّه "عليك أن تبدأ مِن مكانٍ ما".
فمجموعة البيانات التي سيكون لها أكبر أثرٍ عياديّ موجودةٌ "في مكانٍ ما.
سيكون هذا مختلفاً فيما لو كنتَ مستشفى أو مقدّم رعايةٍ صحّية. على سبيل المثال، في الإمارات والمنطقة العربية ككلّ، يلفت هان إلى أنّ هذا يمكن أن يشمل مجموعات بياناتٍ حول مرض السكّريّ والسُمنة.
"من الأمور المفيدة [في هذا الإطار] هي المراقبة الجارية والمستمرّة. والأجهزة القابلة للارتداء هي أحد المجالات التي هي تهمّ مقدِّمي الخدمات،" يقول هان لـ"ومضة"، مضيفاً أنّه "سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف ستتأثّر عملية إدارة المرض والنتائج من خلال هذه الأجهزة ".
إدخال أو إنتاج بياناتٍ لا معنى لها
يرى بريان دي فرانشيسكا، الرئيس التنفيذي لشركة "فيرتو ديجيتال ميدسين" Ver2 Digital Medicine ، أنّ البيانات غير المرغوب فيها هي المشكلة الأكبر التي تترافق مع البيانات الكبيرة في مجال الرعاية الصحّية في الوقت الراهن.
ويقول لـ"ومضة إنّه "إذا لم تكن عملية التقاط البيانات قويّةً ستكون النتائج غير مجدية".
بعد الإشارة إلى عبارة "إدخال القمامة يعني الحصول على قمامة" (المتعارَف عليها في تكنلوجيا المعلومات بالإنجليزية garbage in, garbage out)، يصرّ دي فرانشيسكا على أنّ كلّ البيانات التي تُجمَع حول العالم لا جدوى منها إذا كانت عملية تحديد ما ينبغي جمعه وكيفية القيام بجمعه ليسَت ملائمة. فمِن دون عملية تجميعٍ صحيحة، لن تكون النتائج مفيدةً لأحد.
من الأمثلة على ذلك، البيانات عن معدّلات العدوى في المستشفيات. كلّ مقدِّمٍ للرعاية الصحّية قد يكون لديه تعريفٌ مختلفٌ لهذا - انتشار العدوى في المستشفى مقابل انتشار العدوى بعد الخروج. في الواقع، هذا ما يمكن أن يجعل خدمة الحوسبة السحابية من "آي بي إم واتسون" IBM Watson عديمة الفائدة.
الاستفادة
حتّى لو تمكّنتَ من الحصول على مجموعات بياناتٍ نظيفة، فإنّ "التجميع شيء ومعالجة البيانات شيءٌ آخر،" بحسب راماسامي.
ومن أجل إنجاح تحليلات البيانات الكبيرة في مجال الرعاية الصحية، لا بدّ من توضيبها لتكون "ضمن قوائم، وسهلةً، وشفافة،" وفقاً لتقريرٍ نشرته مجلّة "هيس" HISS لعلم المعلومات الصحّية والأنظمة.
أو قد يتعلّق الأمربـ"السياسة، والناس، والعملية، والمنصّة"، وليس بالضرورة بهذا الترتيب، على حدّ تعبير هان.
ومن الناحية المثالية، كما يقول، فإنّ البحث عن معلومات الرعاية الصحية سيكون مثل البحث عن فندقٍ على الإنترنت - حيث أنّ الشفافية ستساعدك في الحصول على أفضل صفقة - ونحن لم نصل إلى هنا بعد مع الرعاية الصحية.
نجاح؟
ما الذي يعمل بشكلٍ جيدٍ إذاً؟
مبادرة "كانسر لينك" CancerLinQ في الولايات المتّحدة تشكّل مثالاً عن البيانات الكبيرة التي تُستخدَم في مكافحة السرطان، إذ تقوم هذه الفكرة على جمع البيانات عن كلّ مريض سرطان في الولايات المتحدة من أجل تحليل وتحديد التوجّهات أو الأنماط.
و"المستشفى الأمريكي دبي" بدورها تستخدم البيانات الكبيرة لتحسين العمليات فيما يتعلّق بتجربة المريض. وذلك لأنّ البيانات الناشئة، بحسب هان، تُظهِر آثار تجربة المريض على النتائج. وبالتالي بعد جمع ردود فعل المرضى بشكلٍ دائم، فإنّهم يستخدمونها الآن كمعيارٍ لقياس النتائج الصحية أيضاً.
منافع البيانات الكبيرة سوف تتأتّى عن التركيز الكبير على النتائج التي يتوصّل إليها المريض كما على الإنفاق. وبحسب مجلّة "هيس"، قد تأتي المنافع أيضاً عن تقليل فترة التأخير بين عملية التقاط البيانات وتحليلها - وهي مشكلةٌ تنشأ عندما لا يعرف مقدّمو الرعاية الصحّية ما هي البيانات التي ينبغي البدء يجمعها وفرزها.
أين المنطقة مِن ذلك؟
المنطقة العربية ليست بعيدةً عن الآخرين.
بالعودة إلى عام 2000، لم تكن الولايات المتّحدة الأميركية بين أفضل 14 دولةٍ من حيث أنظمة الرعاية الصحية في العالم. ومن ناحيةٍ أخرى، في عام 2012، ورد في تقريرٍ لـ"ماكينزي" McKinsey أنّ ما يصل إلى 70% من مشروعات تكنولوجيا معلومات الرعاية الصحية قد فشلوا. وفي عام 2014، أطلقت "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" National Health Service في بريطانيا برنامجاً لجمع بيانات مرضى الطبّ العام ضمن قاعدة بياناتٍ مركزية، لكنّها فشلَت في إقناع الرأي العام بأنّه يمكن الوثوق بها حيال تلك البيانات.
"لقد خسرنا ثقة نحو 2 إلى 3% من السكان، وفشل الأمر في تحقيق أي نتيجة"، كما يقول الدكتور جو ماكدونالد، رئيس مجلس إدارة شبكة "رؤساء قسم تقنية المعلومات السريرية" التابع لـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية" NHS CCIO Network، في دبي. ومنذ ذلك الحين تمّ تعليق البرنامج.
في حين يبدو دي فرانشيسكا أكثر شكّاً حيال نجاح البيانات الكبيرة في الرعاية الصحية على المدى القريب، يعتقد هان الذي أمضى في الإمارات 11 عاماً أنّ هذه الدولة تسير على الطريق الصحيح.
في الوقت الحاليّ، قد يظهَر أنّ العقبات كبيرة وكذلك الفوائد، ولكن من الجيّد أن نتذكّر أنّ التغيير التكنولوجي لا يأتي وحدَه من دون تحدّياته.