كيف استحوذت هذه الشركة على 70% من سوق فلاتر المياه في اليمن؟
"أمازون" Amazon، "تسلا موتورز" Tesla Motors، "تابروير" Tupperware، هي من بين الشركات الكبيرة التي لم تجنِ الأرباح خلال سنوات وأثبتت أنّه إذا نسيتَ أمر الأرباح يمكنك الحصول على حصّةٍ كبيرةٍ في السوق.
نموذج العمل هذا يتّبعه رائد الأعمال عبدالحميد السقاف، بحيث يستحوذ على 70% من سوق فلاتر المياه في اليمن في أقلّ من سنتَين، وذلك من خلال شركته "إيكو سيستمز" Eco Systems للتصنيع والتسويق التي تقوم بتصنيع فلاتر مياه من السيراميك، وهو منتَجٌ شائع الاستخدام في البلدان النامية.
لم يكن السقاف الأوّل في السوق اليمنية، ولكن لم يستغرقه الأمر طويلاً لإقصاء المنافس الوحيد الذي كان موجوداً. ويقول في حديثه مع "ومضة"، إنّه أراد تصنيع "شيءٍ محمولٍ ورخيص ولكن بنوعيةٍ جيدة".
حاجةٌ ماسّة
ووفقا للتقارير الواردة من "بي بي سي" BBC وغيرها، فإنّ الوضع الإنساني في اليمن يزداد سوءاً منذ بداية الحرب في عام 2011. كما تفيد تقارير الأمم المتحدة بأنّ 16 مليون نسمة تقريباً، أو 61% من السكّان، في حاجةٍ إلى مساعدات إنسانية في أعقاب تدمير البنية التحتية والقيود المفروضة على الواردات بسبب الصراعات الجارية في البلاد.
الماء هي الحاجة الأكبر.
بعدما كان السقاف يعمل كمتطوّع في جمعلية "همّة شباب" Hemmat Shabab المحلية لتأمين الطعام للمناطق الفقيرة، وبعدما لاحظ النقص الكبير في المياه وسمع من الزملاء العاملين في المنظّمات غير الحكومية عن ندرة المياه، قرّر هذا الرياديّ أن يقوم بشيءٍ ما.
في ذلك الوقت، كان يوجد شركةٌ واحدةٌ في اليمن تزوّد المنظّمات غير الحكومية بفلاتر المياه المصنوعة من البلاستيك والسيراميك. ويمكن للفلتر الواحد أن يكرّر من ليتر مياه واحد إلى 3 ليترات خلال ساعةٍ من الوقت، ويقتل ما نستبه 99.9% من البكتيريا.
وبعدما بدأ السقاف برأس مالٍ يبلغ 35 ألف دولار، دخل هذا الرياديّ مع شريكه المؤسس محمد توفيق إلى السوق في نهاية عام 2012، عن طريق استئجار بعض الأراضي وبناء ورشة عمل وفرن.
نقص الخبرة
يقرّ السقاف بأنّ الأمور بدَت جيدةً على الأوراق، غير أنّه في الواقع لم يكن لديه أدنى فكرة عمّا يقوم به.
فهو بعدما تخرّج من الجامعة في ماليزيا عام 2008، عاد إلى اليمن وعمل في إدارة المشاريع ضمن القطاع الخاصّ حتى عام 2012، وبالتالي لم يكن يمتلك المعرفة الهندسية اللازمة من أجل مشروعه.
وعن هذا الأمر، يقول إنّه "في الأشهر الثلاثة الأولى فشلنا في إنتاج الفلاتر، إذ ام نتمكّن من الحصول على المزيج الجيد من السيراميك؛ لقد كان كلّ شيءٍ مختلفاً عمّا قرأتُه في الكتب".
كما يشير إلى أنّه خلال الشهر الستّ الأولى فكّر كثيراً بترك هذا العمل.
في نهاية المطاف، وصل السقاف وفريقه إلى نتيجةٍ جيدة ثمّ بدأوا بإنتاج ألفي فلتر من السيراميك في الشهر، واليوم ينتِجون 15 ألفاً منها شهرياً في مصنعٍ واحد.
كانت شركة "إيكو سيستمز" ترى في منافسها الوحيد "سيلفر فلترز" SilverFiltersعلى أنّها تفرط في رفع أسعار منتَجاتها. والنتيجة؟ باتت شركة السقاف في الوقت الحالي تحوز على 70% من السوق في اليمين، في حين قلّلت الاستعانة بمصادر خارجية وارتضَت الربح القليل وركّزت على الطلبات الكبيرة.
"في بعض الأحيان لا يمكننا تلبية بعض الطلبات، لذا اعتقدتُ أنّه يمكننا العمل سوياً ولكنّ ‘سيلفر فلترز’ استمرّوا بالرفض، وحتّى الآن نحن بخير".
ما هو الوضع الآن؟
يبدو أنّ الوضع جيد بالنسبة للسقاف، إذ يوجد من بين عملاء شركته "منظمة الأمم المتحدة للطفولة" Unicef وهيئة الرعاية الدولية "كير إنترناشونال" Care International، و"أوكسفام" Oxfam.
في نهاية عام 2013، تمكّنت شركة "إيكو سيستمز" من تسوية جميع قروضها ومضاعفة عملياتها وحجم ورشتها، كما باعت أكثر من 75 ألف وحدة من فلاتر المياه بحجم 30 ليتراً. وفي الوقت الحاليّ يخطط الفريق لتوسيع العمليات بحيث يمكنهم إنتاج 25 ألف فلتر كلّ شهر، وذلك بحلول نهاية شهر آب/أغسطس من هذا العام.
في الوقت الذي تزداد فيه البطالة في اليمن والناس يبحثون عن وظيفةٍ يعملون بها، ارتفع عدد أعضاء فريق "إيكو سيستمز" من 6 أشخاص إلى 30 شخصاً. وبحسب السقاف، "لقد ترك الناس بعض المدن ليعيشوا في مخيماتٍ في مدن أخرى، كما أنّ الكثير من الشكات تركت البلاد وتوجّهت إلى الأردن ومصر وماليزيا؛ وبالتالي فإنّ البطالة ترتفع كلّ يوم، وقد باتت مأساة" بالفعل.
تحاول الشركة أن تبقى منتَجاتها أرخص من منتَجات المنافس الوحيد في السوق، ولكنّ استمرار الحرب يساهم في رفع تكاليف الإنتاج. إلى جانب غياب المساعدات الحكومية، فإنّ التكاليف الناجمة عن النقطاع الكهرباء والمواد الخام وسوء الأوضاع الأمنية أصبحت أكبر، بحيث بات يبلغ سعر الفلترز 25 دولاراً أميركياً وما فوق بعدما كان عند 21 دولاراً قبل الحرب.
التوسّع خارج اليمن
اليمن بحدّ ذاتها لت تشكّل سوقاً كبيرةً لأيّ منتَج، حتى بالنسبة للمنتَجات التي يحتاجها الجميع.
لذلك يتطلّع السقاف إلى التوسّع خارج البلاد وخصوصاً نحو أفريقيا في إطار "توسيع العمليات"، كما يقول. وبالفعل، بعدما قاموا في شهر كانون الثاني/يناير الماضي بتركيب ورشةٍ في الصومال، ويقوم الفريق الآن بإنشاء مصنعٍ جديدٍ هناك بهدف الدخول إلى دول أفريقية أخرى.
يبدو من الطبيعي انتقال "إيكو سيستمز" إلى أفريقيا، إذ وفقاً لـ"منظمة الصحة العالمية" WHO، فإنّ شخصاً من كلّ 10 أشخاص على الكوكب لا يمكنه الحصول على مياه شرب نظيفة، كما أنّ 37% من الأشخاص الـ783 مليوناً من دون ماء يعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وبالتالي، يشير السقاف إلى أنّه "يمكننا أن نساعد في هذا الإطار".
أمّا بالنسبة إلى البلدان الأخرى (للأسف فإنّ أعداد الأشخاص الذين يمكنهم الحصول على ماء نظيف في تزايدٍ مستمرّ)، لا تعتبر السوق العالمية لفلاتر المياه المصنوعة من السيراميك صيداً ثميناً. فبحسب بعض البحوث التي تناول هذه السوق التي تتضمّن فلاتر الهواء وكذلك تنقية المياه والنفط والتكرير البيولوجي، من المرجّح أن تصل بحلول عام 2020 إلى مليارَين و100 ألف دولار أميركي.
الآن وبعد الشراكة مع شركةٍ محليةٍ في الصومال، هي "تارجب جروب" Target Group Co.Ltd,، يأمل فريق "إيكو سيستمز" أن يبدأوا بإنتاج ألفي فلتر في الشهر، بحلول نهاية شهر أيار/مايو.