ما تأثير التنبؤ بالأحوال الجوية على إنتاج الطاقة المتجددة في المنطقة؟
قوة الرياح هامة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. (الصورة من موقع Utilities-me.com)
يشهد عدد السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نمواً جنونياً في الآونة الأخيرة. فوفقاً لشركة "إرنست ويونغ" EY، يعني معدل النمو السنوي البالغ 1.9% أنّه بات هناك 321 مليون نسمة يقيمون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يؤدي إلى ارتفاعٍ شديد في الطلب على الطاقة وزيادة استهلاكها.
ونظراً إلى النموّ السكاني الهائل هذا، يبرز الاستثمار في البُنى التحتية للتقنيات النظيفة كحاجةٍ ملحّةٍ لمواكبة هذا الطلب. وتشير أحدث التوقّعات إلى أنّه في السنوات الخمسة والثلاثين التالية، يُنتظَر أن تشهد الصناعات التي تتطلّب طاقةً كبيرة، مثل إنتاج البتروكيماويات والألمنيوم والصلب، زيادةً بقدر 81%.
في المقابل، يمكن للشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تصبح من أسرع الأسواق نموّاً في مجال التقنيات النظيفة، حيث أنّها تتمتع بموارد طبيعية ممتازة لإنتاج الطاقة الشمسية والهوائية والمائية، من شأنها أن تحوّل المنطقة إلى محورٍ عالمي للتقنيات النظيفة.
لكي يشارك القطاع الخاص في تنمية هذا العمل، بذلت الحكومات جهداً في الآونة الأخيرة لتسهيل إصدار القوانين وإتاحة فرص الاستثمار. فدبي على سبيل المثال، أطلقت صندوقاً للبحوث بقيمة 500 مليون درهم إماراتي يختصّ بالطاقة النظيفة، وصندوقاً آخر بقيمة 100 مليون درهم إماراتي باسم "دبي جرين فاند"Dubai Green Fund للاستثمار في الطاقة النظيفة، وكلّ ذلك بهدف أن تصبح 25% من طاقة دبي طاقةً نظيفة بحلول عام 2030.
كلّ ذلك جيّد، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكننا تحقيق الاستفادة القصوى من هذه البنى التحتية وتحسينها، نظراً إلى عدم إمكانية التنبؤ بالعرض والطلب؟
من جهة الطلب، أُجريَت بحوثٌ كثيرة وتمّ الخروج بحلولٍ كثيرة لزيادة دقة التنبّؤ بكمية الطلب، وذلك عبر الاستعانة بالبيانات الماضية وتبدّل المواسم والنماذج المُعدّة بمساعدة الحاسوب. وكما يفعل "بريديكس" Predix، تحاكي هذه النماذج حالةً معينةً بحيث يمكنها التنبؤ بالخصائص المستقبلية وفقاً لذلك.
والآن، نظراً إلى زيادة محطّات إنتاج الطاقة المتجدّدة، تبرز مشكلةٌ لجهة العرض. فالطبيعة المتغيرة التي تتّسم بها عملية توليد الطاقة تصعّب التنبؤ بكمية الطاقة التي سيتم توليدها – وذلك لأنّه يتعين علينا الأخذ في الاعتبار تبدّل أحوال الطقس الدائم سواء من حيث درجات الحرارة أو حركة السحاب أو الضغط الجوي أو غيرها.
وهنا أيضاً، يساهم استخدام البيانات الضخمة big data للتنبؤ بأنماط الأحوال الجوية، في تسهيل توليد شركات الطاقة ما يكفي من الطاقة خلال ذروة الطلب، وكمياتٍ أقلّ لدى تدني الطلب.
الحلول المتوفرة
استحدثت شركة "جنرال إلكتريك" GE مؤخراً حلاً لهذه المشكلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي المنصّة الصناعية "بريديكس" Predix التي تجمع حجم وسرعة وتنوع البيانات المولدة في جميع أنحاء الدول الصناعية وتحللها.
ويتطلّب هذا الحلّ دمج ما يُعرف بـ "إنترنت الأشياء"Internet of Things، مثل أجهزة استشعار الحرارة والضغط، في شبكة جمع البيانات التي تغذي البرامج الشبيهة بـ "بريديكس".
بدورها، أنتجَت شركة "آي بي أم" IBM حلّاً لرسم نماذج الأحوال الجوية يُدعى "هايبريد رينوبال إنرجي فوركاستينج"Hybrid Renewable Energy Forecasting أو "هاي رف" HyRef (أي التنبؤ الهجين بالطاقة المتجدّدة)، يدمج عناصر "إنترنت الأشياء" في عمله، مثل آلات التصوير التي تتعقّب حركة السحاب وأجهزة الاستشعار التي تراقب سرعة الرياح ودرجة الحرارة، لتصبّ كلّها في خوارزمية لرسم نماذج الأحوال الجوية وتقنيةٍ لتناقل الصور عبر الحوسبة السحابية.
وبعد ذلك، يتمّ تحليل هذه البيانات، بما يخوّل حقول الرياح من التنبؤ بطقسها المحلّي للشهر التالي، مع زيادة الفترة المتنبّأ بها كلّ 15 دقيقةً.
فوائد التنبّؤ
تساعد بيانات التنبؤ بالأحوال الجوية على تحديد الطريقة الفضلى للاستفادة من مصادر الطاقة الشمسية والهوائية والمائية.
في بلدٍ بوسع مصر يضمّ 90 مليون مستهلك، يمكن لذلك أن يُحدِث فرقاً شاسعاً في حالات انقطاع الكهرباء، حيث تدعو الحاجة إلى حلول احتياطية. فعندما تعجز محطّة لتوليد الطاقة المتجدّدة عن التكيّف مع تغيّرٍ مفاجئ في الأحوال الجوية، فإنّ مولّدات الديزل تدخل إلى المعادلة. لذا، بإمكان حلول التنبّؤ التي نتحدّث عنها هنا، أن تخفّض من عدد محركات الديزل وأن تخفّض بالتالي كمية الاستثمارات في مثل هذه المحركات.
الأردن في خريطة للأحوال الجوية. (الصورة من "ويذر أندرجراوند" Weather Underground)
في هذا المجال، برزَت شركة "طقس العرب" ArabiaWeather.com، وهي شركة ناشئة فريدة من المنطقة.
بفضل خوارزميتها الفريدة للتنبؤ بالأحوال الجوية، ومحطّاتها الخاصة في الأردن، والبيانات المرخصة من محطّاتٍ في السعودية، والنفاذ إلى بيانات الأقمار الصناعية الإقليمية، تتمتع الشركة بالقدرة على تقديم التنبؤ بأحوال الطقس لكلّ كيلومتر مربع، وهو أمرٌ كنا سبق أن تكلّمنا عنه مع الرئيس التنفيذي للشركة، محمد الشاكر.
وبالتالي، يمكن لتحسين التنبؤات أن يؤثر في كلّ شيء، من الغسالات الذكية إلى سخانات المياه ومحطات معالجة المياه وأجهزة شحن السيارات الكهربائية، وذلك ليس لاستيعاب التحوّلات في شدة الطاقة الشمسية فحسب، بل لتجاوز أسابيع لا مفرّ منها من الطقس الغائم دون اللجوء إلى الوقود الأحفوري.
كما يزيد ذلك أيضاً من فعالية النماذج الهجينة المستحدَثة، باستخدام توليد الطاقة الهوائية والشمسية في محطّات إنتاج الطاقة نفسها. فالرياح مثلاً أقوى في الليل، وبالتالي يمكن لتوربينات الرياح أن تولّد المزيد من الطاقة، فيما تتوفّر الطاقة الشمسية أكثر في ساعات الصباح.
هذا التلاقي بين تقنيات التنبؤ بأحوال الطقس وتوليد الطاقة المتجّددة في منطقتنا، يُوجِد عدداً لا يُحصى من الفرص للشركات الناشئة. ومن الأمثلة في هذا المجال، الاستفادة من عمل "بريديكس" المتعلق بالحوسبة السحابية عبر إعداد تطبيقاتٍ تندرج في هذا الإطار، تتوجّه للمستثمرين والحكومات، من أجل تحديد أفضل المواقع لبناء محطّات توليد الطاقة الشمسية أو الهوائية.