الشركات العالميّة تحوم حول المنطقة العربيّة: ابحث عن الطاقة المتجددة
نموذج "مصدر" التفاعلي يظهر النشاطات في حقل الطاقة من باكستان إلى شمال أفريقيا. (الصورة لـ رايتشل ويليامسون)
في ظلّ اقتصاد عالمي جامد، تنافسَت الأسبوع الماضي شركات عالميّة بيئيّة وغير بيئيّة في "القمّة العالمية لطاقة المستقبل" World Future Energy Summit (WFES) من أجل التباهي بما تقدّمه في مجال الطاقة النظيفة.
خلال هذه القمّة، قدّمت الشركات اليابانية النووية الكبرى عروضها إلى جانب عروض أكبر شركات النفط في العالم. ولعلّ أكثر ما يثير الاهتمام في هذا المعرض، هو حضور مشاهير أمثال المغني آكون، وحضور نسبةٍ كبيرةٍ من الشركات الناشئة الأجنبيّة التي تحاول التوسّع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو التي تسعى إلى جذب اهتمام المستثمرين.
ومن ممثلي الشركات التي حازت على اهتمام كبيرٍ، كان ديرك فان جوغسوارد، الشريك المؤسّس لشركة "أم 2 باور" M2Power الهولندية التي تُعنى ببطاريّات ليثيوم أيون، وممثل شركة "سولار تكنو" Solar Techno الشريكة لهم في مجال لوحات الطاقة الشمسية. فقد حظي رائد الأعمال هذا باهتمام الكثير من الموزّعين في السعوديّة والإمارات وعُمان ولبنان والمغرب، وذلك بسبب وحدة تخزين للطاقة تعمل خارج شبكة الكهرباء الرسمية، وتتألف من عدّة أقسام تسمح بتخزين الطاقة الشمسية.
وفي حديثٍ له مع "ومضة"، أشار فان جوغسوارد إلى أنّ "هناك توجّهاً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط نحو استخدام مصادر الطاقة المتجدّدة، كما أنّ الشمس هنا قويّة ما يعني أنّ الظروف تسمح بهذا التوجّه، إضافةً إلى أنّ النّاس منفتحون على التكنولوجيا الحديثة."
من ناحية أخرى، إنّ المجموعة الفرنسيّة "سنّا ديزاين" Sunna Design التي تأسّست عام 2010 وبنَت شهرتها في أفريقيا من خلال تأمين وحدات طاقة شمسيّة مع بطّاريات تعمل خارج شبكة الكهرباء ولكن للإضاءة، اغتنمت الفرصة التي قدّمها هذا المنتدى من أجل تسريع دخولها إلى سوق الشرق الأوسط.
وقال مدير تطوير أعمال الشركة في الشرق الأوسط، مارتن سونييه-بلوماز، إنّه رغم المنافسة المتنامية في المنطقة في قطاع الطاقة الشمسية خارج الشبكة الرسميّة، "تتمتع شركتنا هنا بفرصٍ أكثر من تلك التي في أوروبا."
وقال إنّ البطاريّات هيدريد النيكل المعدني (NiMH) المستخدَمة في اللوحات الشمسية قد تتحمّل حرارةً تصل حتّى 85 درجة مئويّة، ويتمّ استخدامها حاليّاً في المغرب وأفريقيا والأردن والسعوديّة والإمارات وعُمان.
وكانت "ومضة" في تمّوز/يوليو من العام الماضي، قد لفتت أنظار قرّائها حول موضوع إمكانيّات البطاريّات الكبيرة في حقل الطاقة الشمسيّة، حين حثّ مؤسِّس "التقنية النظيفة في العالم العربي" CleanTech Arabia ، أحمد حزيّن، روّاد الأعمال في حقل الطاقة الشمسيّة على إضافة البطّاريات إلى منتجاتهم للتمكّن من تخزين الطاقة.
وذلك في وقتٍ لا تزال فيه أنظمة الطاقة الشمسية التي تشمل بطاريّاتٍ نادرةً في المنطقة، ولا تعمل به إلا بعض الشركات مثل "سولارايز إيجبت" SolarizEgypt المصرية التي تنافس في هذا المجال.
من ناحيةٍ أخرى، كانت شؤون المياه والنفايات من القضايا الرئيسية التي وردَت في "القمة العالمية لطاقة المستقبل". وخلال هذه الفعالية، قامت شركة "جنرال إلكتريك" GE، وهي أحد شركاء "ومضة"، بإصدار تقريرٍ عن استخدامات المياه والطاقة، مع دراسةٍ عن تحلية المياه في المنطقة ووصفٍ لكيفية تطبيق هذا المفهوم.
كذلك، وردت أفكارٌ أخرى مثيرة للاهتمام من نيوزيلندا وألمانيا وحتّى من فرنسا.
فعلى سبيل المثال، برنامج "ويتوكس" Wetox الذي نشأ في جامعة ولنغتون في نيوزيلاندا، يعتمد على تقنيّة أكسدة عمرها 50 عاماً تستخدم الهواء الرطب لاستخراج الفوسفور من حمأة المجاري، وذلك من أجل تفادي نفاذ هذه المادّة الذي من المتوقّع أن يلحق الضرر بإنتاج المواد الغذائية في العالم.
خلال الاختبارات، تمّ استنفاذ الجهاز الأوّلي وتحميله أكثر من قدرته. وفي حديثه مع "ومضة"، وصف الأمر المدير التقني، كيفين مكاي، بالقول: "صحيح أنّ الجهاز لم ينفجر ولكن..." نتيجةً لذلك، يبحث مكاي اليوم عن مستثمرين لتزويده بتمويلٍ بقيمة مليون دولار نيوزيلندي (652 ألف دولار أميركي) بغية إصلاح الجهاز وتسويق هذه التكنولوجيا.
من جهةٍ أخرى، قدّم الألماني إدوارد هيندل فكرةً جريئةً تستدعي استخدام الجبال بمثابة بستون كبير لتخزين الطاقة التي تنتجها محطّات الطاقة الشمسيّة الصناعية. (النموذج في الصورة إلى اليسار)
يقوم مفهوم "هيندل إنرجي" Heindl Energy التي نشأت عام 2013 وحظيت بدعم شركة رأس المال المُخاطِر السويسريّة "أتش تي جي فينتشرز" HTG Ventures، على حفر صخرةٍ كبيرة في الأرض ورفعها واستخدام الطاقة الشمسية المنتجة لضخّ المياه في الفجوة. ثمّ في الليل، يُسمح للصخرة أن تهبط لتدفع الماء المضغوط إلى توربين يحوّله بدوره إلى طاقة.
وفيما يتمتّع هذا المشروع بأمد حياةٍ بين 50 و100 عامٍ، ويحتاج إلى كلفةٍ أوليّة من مليار دولار لإنشاء محطّة تنتج 8 جيجاوات (أي ما يساوي قدرة كلّ محطات الطاقة الشمسية في بريطانيا)، تثير هذه الفكرة الجريئة اهتماماً جديّاً.
فبحسب هيندل، وصلته عروضٌ من المنطقة، من السعوديّة والإمارات حتى الآن؛ ولكنّ المخطط يقوم على البدء ببناء النموذج الأوّلي في شهر آذار/مارس في النمسا، وقد يتطلّب المشروع التجاري حوالي أربعة أعوام من البناء، لذلك فالعائدات بعيدة بعض الشيء.
على صعيدٍ آخر، قدّمت الشركة الناشئة الفرنسيّة "بلايد تيبس" BladeTips أكثر الابتكارات إقناعاً مع تصميمها الجديد للتوربينات التي تعتمد على الرياح.
ووفقاُ للشريك المؤسّس لهذه الشركة، تيبولت شيركي Thibault Cherqui، كان مصدر إنتاج الطاقة الأساسي أطرف شفرات الطاحونة الهوائيّة، لذلك اعتمد تصميمهم على هذه الأطراف ووصلها بعضاً ببعض عبر الكابلات، ومن ثمّ إرسالها لـ "تحلّق" في السماء عبر طائرةٍ مروحيّة صغيرة من دون طيّار.
مؤسّس "بلايد تيبس" روجيليو لوزانو، والشريك المؤسّس تيبولت شيركي مع نموذج عن التصميم.
محور الطاقة والمياه
نال ‘محور الطاقة والمياه‘ شعبية كبرى، فيما أطلقت شركة "جنرال إلكتريك" و"الوكالة الدوليّة للطاقة المتجددة" IRENA تقارير تكشف عن مشاكل أساسيّة في استخدامات الحكومات والقطاعات للموارد المائية وموارد الطاقة وسوء استخدامها أيضاً.
تضمّن تقرير "جنرال إلكتريك" دراسةً عن تحلية المياه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تستخدم البلدان النفط والغاز بشكلٍ كثيف لتزويد محطّات تحلية المياه هذه بالطاقة والحدّ من الانخفاض المقلق في احتياطات المياه العذبة.
وبحسب هذا التقرير، "يعود 25% تقريباً من إجمالي مصروف الطاقة في الإمارات على تحلية المياه على سبيل المثال، كما أنّ السعوديّة تستهلك 25% من إنتاج النفط والغاز لتوليد الطاقة لمحطات التحلية هذه". وفي الختام، توصّل التقرير أيضاً إلى إيجاد حلول تقنيّة وثقافية لاستخدام الهيدروكاربونات في محطّات التحلية.
أمّا تقرير "الوكالة الدوليّة للطاقة المتجددة" فشمل المواد الغذائيّة في صفحاته التي بلغ عددها 124، باحثاً عن أساليب لاستخدام الطاقة المتجددة لإنتاج المواد الغذائية والطاقة والمحافظة على المياه.
هذا المفهوم مثلاً يناسب الأردن الذي يعاني من مشاكل كبيرة في نقص المياه وموارد الطاقة. وبالفعل، أعلن في هذه القمّة معهد "مصدر" عن اتفاقٍ مع وزارة الطاقة والثروة المعدنيّة في الأردن لبناء محطّة توليد طاقة شمسية بقوّة 200 ميجاوات.
تشكّل هذه المحطّة المشروع الثاني في الطاقة المتجددة لـ"مصدر" في هذا البلد، بعد بناء محطة طاقة هوائية تولّد 117 ميجاوات في مدينة الطفيلة في شهر كانون الأول/ديسمبر.
مناقشات بنّاءة
خلال القمّة التي دامَت أربعة أيّام، أقامت لجنة الخبراء مناقشاتٍ حول واقع الطاقة في الشرق الأوسط ومتطلباتها وطموحاتها، كما تطرّقت إلى مسائل النفط والغاز التي حازت على اهتمامٍ كبيرٍ.
كذلك، كرّست اللجنة يومًا كاملاً للتكلّم عن جهود مصر في حلّ مشكلة الطاقة لديها. وفيما صرّح وزير الاستثمار أشرف سالمان، نهار الثلاثاء، أنّ الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة قد تضاعفَت (بشكل أساسي بسبب تدفّق عائدات النفط والغاز من حقول الغاز البحرية)، توافق أعضاء لجنة الخبراء المتابعين له على ضرورة أن تضبط مصر استهلاكها من الطاقة.
يُذكَر أنّ هذا البلد الذي كان قد سمح باستيراد الفحم للاستخدامات صناعيّة بما فيه تصنيع الإسمنت، يعمل على إصلاح القوانين المتعلّقة بالنفط والغاز، وفتح سوق لمشاريع الطاقة المتجددة الكبيرة والصغيرة كمحطّات توليد الطاقة الشمسيّة.