أيمن العرندي: هذا ما أعرفه عن تطوير الأجهزة والبرمجيّات في فلسطين
فريق "أيرس سوليوشنز" (من اليسار إلى اليمين): غابرييل ترفيديت، المشرفة على التقنيات؛ محمد النعنيش، مدير العمليات؛ أيمن العرندي، المدير ومصمم المنتَج؛ جورج حنوني، مدير قسم التطوير؛ سماح كتيفان، مطوّرة منصّات. (الصورة من "أيرس سوليوشنز")
عام 2012 وفي الضفّة الغربيّة، أطلق أيمن العرندي وشركاؤه شركة "أيرس سوليوشنز" Iris Solutions مستعينين بمبلغ 15 ألف دولار من مالهم الخاص، بهدف تأمين تكنولوجيا الغمر immersive technology على الشاشات التي تعمل باللمس.
واليوم، بعدما بات يؤمنّ هذا الفريق باقةً من الأجهزة التفاعليّة والبرمجيّات، مثل "الغرفة الحسيّة" Sensory Room التي برهنت عن فعاليّتها في معالجة الأطفال المصابين بالتوحّد والأفراد المصابين باضطرابات الكرب، عادَ بإيراداتٍ تبلغ مليون دولار.
تعمل شركة "أيرس سوليوشنز" كذلك على إنشاء بديلٍ محمولٍ أقلّ كلفة عن الـ"غرفة الحسيّة" التي يصل سعر الواحدة منها إلى 25 ألف دولار.
كان لـ"ومضة" مؤخّراً حديثٌ مع العرندي حول خبرته في تطوير البرمجيّات والأجهزة، ونجاحات شركته ومستقبل الشركات الناشئة في مدينة رام الله؛ وإليكم أبرز ما قاله.
الثغرة كبيرة في هذا القطاع. حين بدأنا بالعمل عام 2009، كانت المنطقة تعاني من نقصٍ كبيرٍ في مزودّي التكنولوجيا التفاعليّة interactive technology. وبالتالي، توجّب علينا معالجة هذا النقص واغتنام الفرصة للسيطرة على سوق هذه القطاعات. شكّل قطاع البرمجيّات القطاعَ الأوّل، أمّا قطاع الأجهزة فكان الثاني بسبب قلّة رواج الشاشات التفاعليّة في ذلك الوقت. ونتيحة ذلك، تمكنّا من بناء تكنولوجيا تسمح بتحويل أيّ سطحٍ شفاف إلى شاشةٍ تفاعليّة باستخدام أدواتٍ بسيطة وجدناها في السوق الفلسطينيّة.
كلفة المنتج يجب أن تتناسب مع قدرة السوق. إنّ عمليّة بناء ‘غرفة حسيّة‘ في فلسطين مكلفة بعض الشيء، وتتراوح كلفتها بين 20 و25 ألف دولار وقد تصل إلى 100 ألف دولار. كذلك، تتطلّب هذه الغرفة مجهوداً كبيراً لبنائها ولا يمكن تصديرها بسهولة. ولكن في بداية هذا العام، ركّزنا انتباهنا وميزانيتنا على إنشاء نسخةٍ محمولة ميسورة التكلفة لهذا الجهاز، وقد تمكنّا من تقليص كلفته بنسبة 90% بفضل ‘سينسوري يوكس‘ Sensory Box. هذا الجهاز الجديد بسيطٌ للغاية ولا يستلزم سوى التركيب والتشغيل، ولا يتطلّب فريقاً لتركيبه ولا حتى خبرة تقنية لتشغيله.
ضرورة استشارة الخبراء. من أجل تنفيذ مشاريعنا، استشرنا متخصّصين في اضطرابات ما بعد صدمة الحرب، والتوحّد واضطرابات السلوك، ليساعدونا على إنشاء محتوى لهذه الأجهزة. جاء هؤلاء إلى فلسطين واطلعوا على الغرف الحسيّة وعدّلوا في نظامها وأثبتوا آراءهم في آخر أبحاثهم.
واجهة الشاشة التفاعليّة الخاصّة بـ"أيرس سوليوسنز" بسيطة وسهلة الاستخدام.
في النموّ الطبيعي فائدة كبيرة. أعتقد أنّ عمليّة النموّ الطبيعي تصقل الأفكار. فعندما يبدأ الناس مشاريعهم من مرحلة الفكرة الأوليّة، يواجهون تحدّيات على كافة مستويات التطبيق. وبالتالي، يضطرون إلى التنبّه لكلّ خطوة يقدمون عليها بحذرٍ شديد لأنّه ما من أحدٍ سيهبّ لإنقاذهم. ويكون الوضع أصعب حين لا يتلقون تمويلاً في مرحلة مبكرة.
حسِّن وحسِّن ومن ثم حسِّن. يواجه رائد الأعمال التحدّيات على مراحل عدّة؛ أوّل تحدٍّ واجهَنا كان على مستوى قِطع الجهاز بحدّ ذاته، والثاني على مستوى اختبار المنتَج، والثالث على تطوير المنتَج وتلقي ردود الفعل عليه. في ‘أيرس‘، نسعى دائماً لابتكار أفكارٍ جديدة وتحديد الوقت لتحقيق أهدافنا. وفيما يتعلّق بمرحلة الإنتاج، إحدى الصعوبات التي واجهتنا كانت ضرورة التحضير المسبق قبل أربعة أشهر، لأنّه عندما تطلب المعدّات من خارج فلسطين، يصعب تحديد المدّة التي تستلزمك للانتقال إلى المرحلة الثانية، لذلك عليك أن تضع الكثير من الخطط الاحتياطية.
إيجاد قطع الأجهزة في فلسطين أمرٌ صعب. من الصعب جداً إقناع جمارك الاحتلال الإسرائيليّ بأنّك تستورد القطع لتأمين لقمة العيش، واستحالة ذلك أحياناً ليس بأمرٍ غريب عن المطّلعين على وضع المنطقة. ففضلاً عن رؤية القطعة المستوردة، تفرض الجمارك تفكيكها وتحديد أجزائها وتقدمة أوراق قانونيّة بكلّ قطعةٍ تصِل، وذلك لأنّه علينا أن نثبت أنًنا لا نقوم بعمل يعتبر تهديدًا لهم. من المروّع التكلّم عن الموضوع فكيف بالأحرى اختباره - من المؤسف أن يُحتجَز جهازُ عَرض لدى الجمارك لمدّة لستة أشهر.
إنّ الأمر يشبه الكابوس، يمكن أن تحتجز جمارك الاحتلال الإسرائيليّ البضائع لعدّة أشهر، لذلك ما نحاول القيام به هو الحصول على مزوّدين يمتلكون تصريحاتٍ مختلفة ونطلب كميات مختلفة من القطع من أجل تحديد الطريقة الأسهل لاستلامها. يأتي ذلك بعدما اكتشفنا أنّه حين يشمل الطرد قطعتين، يتطلّب تدقيقات أقلّ وأوراق قانونية أقلّ، لأنه يمكن تصنيفه كعيّنة. لكن بالإجمال، إذا أردنا أن نؤدّي الأمر بالطريقة الصحيحة وندخل في مجال التصنيع بكميّات كبيرة، فلن يكون ذلك في فلسطين.
فلسطين لا تختلف عن البلدان الأخرى. صحيح أنّ الوضع أصعب في فلسطين، لكن ثمة نواحي إيجابية أيِضًا. لا أحبّذ القول إننا في مرحلة معاناة مستمرة، فلكلّ بلدٍ مشاكله والأمر يتطلّب الصبر والتعلّم الدائم. هذان العنصران أساسيّان، وحين يتمتّع المرء بهما ستأخذ الأمور مجراها الصحيح. وحتّى اليوم، لم أخسر اعتقادي بالمثالية وما زلتٌ أعتقد أننا نحن الذين نخلق الفرص.
أمّا في المجتمع الفلسطيني، أشعر أنه يمكننا إحضار شيء جديدٍ وتوجد حاجةٌ كبيرةٌ إليه. فالشعب الفلسطيني، على اختلاف أجياله وخبراته، يستحق منتَجاً مبتكراً فريداً من نوعه ومصنوعاً وطنيّاً. وهذه هي فرصتي وفرصة زملائي الشباب المؤمنين بالمثاليّة.