الشركات الناشئة مدعوة إلى استغلال ثروة نفايات مصر
النفايات المكدسة في الشوارع وبالقرب من المجاري المائية مشهد شائع في الكثير من مدن مصر ومناطقها الريفية. (الصورة من جريدة "التحرير")
فيما تُنتِج مصر حوالي 40 مليون طن من النفايات الصلبة في السنة و80 مليون طنّ من المخلّفات الزراعية، يحثّ الباحثون الآن روّاد الأعمال على إيجاد حلولٍ ريادية لمعالجة الوضع.
وبالتالي، فإنّ الفرصة أمام الشركات الناشئة المعنية بالنفايات الصلبة واضحةٌ وضوح الشمس.
في عام 2012، أنتجَت مصر 21 مليون طنّ من النفايات الصلبة المنزلية، شكّلت حوالي 24% من إجمالي النفايات. وبينما أسهم تنظيف المجاري المائية وحفرها بـ28% من إجمالي النفايات المنتَجة، ذهبَت حصّة الأسد التي بلغت 34% إلى النفايات الزراعية التي أنتجَت 30 مليون طنّ من المخلفات، وفقاً لوزارة الدولة لشؤون البيئة.
كانت المخلفات الزراعية في عام 2012 وما زالت تشكّل الحصّة الأكبر من إجمالي النفايات، وهي تُحدث تلوّثاً هائلاً في الهواء، إذ يقوم المزارعون في كافة أنحاء البلاد بحرق الحقول في فصل الخريف لإزالة القشور والقصب غير المرغوب فيها. (الصور من "منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية" UNIDO).
هذه الفرص سبق أن رأتها حفنةٌ من الشركات، علماً أن معظمها يعمل في مجال ريادة الأعمال الاجتماعية.
وفي هذا الإطار، تعمل "تدوير" Tadweer و"دايرة" Dayra المدعومتان من "كلينتك أرابيا" Cleantech Arabia على إعادة تدوير البلاستيك لإنتاج رقائق البولي إيثيلين تيرفثالات (PET) من أجل صناعة الأقمشة، وعلى تحويل المخلّفات الصلبة إلى وقودٍ مستخلَصٍ من النفاياتrefuse derived fuel وإلى كتلةٍ من المواد العضوية لاستخدامها في الصناعات التي تستهلك الكثير من الطاقة.
وفي أسوان، تعمل "جذور" Jozour على إعادة تدوير الزجاج. فهذه الشركة الناشئة التي تأسّسَت على يد كريم نجم وثمانية شركاء مؤسِّسين آخرين، كانت فكرتها عبارةً عن مشروعٍ جامعي قاموا به في سنتِهم الأخيرة في "جامعة عين شمس" Ain Shams University.
بدأوا العمل عبر تكسير مخلّفات الزجاج وبيعها إلى مصنّعي الزجاج، لكنّ الفريق أدرك في ما بعد أنّ طحنها وبيعها على شكل بودرة سيعود عليهم بمزيدٍ من الربح. ويقول نجم إنّ الشركة فتحَت مصنعاً في منتصف عام 2014 في القاهرة، وآخر في الوادي الجديد في منتصف عام 2015.
ومنذ انطلاقتها، تلقّت "جذور" استثماراً يتراوح ما بين 62 و87 ألف دولار من مدّخرات المؤسِّسين ومن المال الذي فازوا به في المسابقاتـ آخرها كان مسابقة أجرتها "بيبسى كو" PepsiCo ومؤسَّسة "مصر الخير" Misr Al-Kheir، حيث حصلت الشركة الناشئة على 12500 دولار من "بيبسى" و50 ألف دولار على شكل دعمٍ لوجستي من "مصر الخير".
من الشركات الناشئة الواعدة الأخرى يوجد "ريسايكلوبيكيا" Recyclobekia و"تجدّد" Tagaddod وشركة "المصباح المضيء" El Misbah El Mudii التي تُعنى بإعادة التدوير.
باقة من فرص الأعمال المتاحة أمام روّاد معالجة "النفايات" المصريين الناشئين.
كنز تكنولوجي
الشريك المؤسِّس لـ"كلينتك أرابيا"، أحمد حزيّن، وهو من أبرز الذين يشجّعون روّاد الأعمال على النظر إلى نفايات مصر كثروةٍ غير مستغلّة بعد، يقول إنّ هناك ثلاثة عناصر أساسية على الشركات الناشئة الاجتماعية العاملة في مجال النفايات أن تراعيها لتتذوّق طعم النجاح: وهي الفريق المناسب والتكنولوجيا، والأهمّ من ذلك توفّر النوع المناسب من النفايات في محيطها.
وخلال مؤتمرٍ حول ريادة الأعمال الاجتماعية في مصر، عقد في تشرين الأول/أكتوبر، قال إنّه "يتوجّب عليّ [كرائد أعمال] أن أحرص على أن تكون المواد [الضرورية] متوفّرةً في المحيط الذي سأعمل فيه."
يقول حزيّن إنّه حدّد 42 فرصة عملٍ تعتمد على سلسلةٍ من التقنيات التي يمكن استخدامها لتحويل نوع النفايات المتوفّر في مصر إلى منتَجاتٍ مفيدة. وتتراوح هذه التقنيات بين استخدام المخلّفات الزراعية والنفايات المنزلية للطاقة، وتحويل مواد البناء السابقة إلى آجر للبناء، واستخدام مخلفات الطماطم في مجال صناعة الأدوية.
وبعدما يضيف أنّ هذه التقنيات متوفّرة في مصر، يشير كمثالٍ على ذلك إلى طريقة تحويل قشور الأرزّ إلى مسحوق النانو سيليكا nanosilica، وهو مادّة يمكن تصديرها واستخدامها في تصنيع الأجهزة الإلكترونية.
ومن الأمثلة الأخرى، استخدام عملية الهضم الهوائي لروث الحيوانات والمخلّفات الزراعية لإعداد أسمدة عالية الجودة، وذلك عبر استخدام الهواء بفعالية لإعداد السماد العضوي compost. كما يمكن طحن ثفل قصب السكّر - أي المخلّفات الليفية التي تبقى بعد أن تُسحق النبتة - وضغطه وتقطيعه لإعداد الكتلة الحيوية التي تُستخدَم لتعزيز الاسمنت، وهي مادّة البناء الأكثر استخداماً في مصر.
هذه التقنيات حدّدتها للشركات الناشئة كلٌّ من "كيمونيكس مصر للاستشارات"Chemonics Egypt Consultants و"كلينتك أرابيا"، في تقريرٍ قدّمتاه إلى" منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية" UNIDO، علماً أنّهما استبعدتا كلّ التقنيات التي تحتاج إلى استثمار رؤوس أموال كثيرة وتتطلّب وقتاً لتعلّمها وتحدّها حواجز قانونية.
أحمد حزيّن يشرح كيف يمكن لرواد الأعمال أن يدخلوا قطاع النفايات، خلال قمة "جسر"GESR للابتكار المجتمعي. (الصورة من "قمة جسر")
أي تقنية وأي تكلفة؟
يقول حزيّن إنّه على روّاد الأعمال اختيار تقنيةٍ يسهل عليهم استخدامها وتوفيرها، ويضيف أنّه على روّاد الأعمال إضافة القيمة إلى أيّ شيءٍ يفعلونه؛ فبدلاً من مجرّد جمع الزجاجات البلاستيكية وبيعها مثلاً، يمكنهم استخدام تقنيتي التكوير pelletizing أو التمزيق shredding لإعداد رقائق البلاستيك.
"يمكن مثلاً استخدام الزجاجات البلاستيكية لإعداد ألياف البوليستر ومن ثمّ استخدامها في عملية صنع الأقمشة والملابس،" يشرح حزيّن.
تتراوح تكلفة الاستثمار في هذه التقنيات ما بين 5 و30 ألف دولار، علماً أنّه مقابل كلّ 1200 دولار استُثمِرَت في سنة العمل الأولى، تمّ خلق فرصة عملٍ واحدة. ومنذ مطلع هذا العام، ساعدَت "كلينتك أرابيا" الشركات الناشئة التي تَستخدِم هذه الأنواع من العمليات، على جذب استثماراتٍ بقيمة 436 ألف دولار.
يضيف حزيّن أنّه فيما تتقدّم التقنيات وتصعد سلّم سلسلة القيمة، لا تُعدّ تكلفة تحسينها عاليةً جداً. ويقول إنّ "الزيادة في التكلفة يمكن أن تكون قريبةً على نحوٍ مفاجئ،" شارحاً أنّ الزيادة في سعر المنتَج النهائيّ اللازمة لاستيعاب سعر تحسين التقنية صغيرةٌ جداً.
وقال محمد عيد مجيد، مؤسِّس مكتب إدارة وتسويق التقنيات في "مركز البحوث الزراعية" ARC، إنّ موقع المركز الإلكتروني يقدّم بوابةً لروّاد الأعمال المهتمّين في معرفة المزيد عن كيفية اختيار التقنيات، وعن الإجراءات التي عليهم القيام بها بإطلاق عملهم والحصول على التراخيص اللازمة.