كيف يعالج روّاد الأعمال أزمة النفايات في لبنان؟
تعالت تلال النفايات على الطرقات عقب إقفال مطمر الناعمة. (الصورة من "ناشونال بوست")
مشاهد أكوام النفايات على الطرقات، وضفاف نهر بيروت شرّعت الأبواب أمام روّاد الأعمال والمنظّمات لابتكار الحلول. ومن بين هؤلاء الرياديين، مهندس الكومبيوتر قاسم قزم الذي يتطلّع إلى معالجة مسألتين بعيدتَي المدى يعاني منهما لبنان: البطالة، والقمامة. ولهذا، في 30 تشرين الأول/أكتوبر، قام بإطلاق "ريسايكل بيروت" Recycle Beirut التي تهدف إلى توظيف الأشخاص المحرومين لالتقاط النفايات القابلة للتدوير وفرزها ضمن مناطق بيروت وجبل لبنان.
يقول قزم في حديث له مع "ومضة"، إنّ " الفكرة تكمن في تسجيل المنازل والشركات لدينا، بحيث نمرّ كلّ أسبوعَين أو أكثر لنجمع النفايات المفروزة." وبعد الإشارة إلى أنّه وشريكه - الذي فضّل البقاء مجهول الهوية - يعملان على المشروع منذ زمن، يضيف: "نعمل على هذه الفكرة منذ سنتين، لأنّنا على اقتناعٍ تام بأنّ التدوير يجب أن يدخل حيّز التنفيذ في لبنان."
جاءت هذه المبادرة في الوقت المناسب، حيث تراكمت تلال النفايات بسرعةٍ في شوارع بيروت وجبل لبنان إثر إغلاق مطمر الناعمة بعد 12 سنة، في تموز/يوليو الماضي. وهذا ما أدّى بالتالي إلى اندلاع الاحتجاجات، بعدما أصبح جليّاً للشعب عدم استعداد الحكومة للتعامل مع الأزمة.
أمّا الشريكان فيمتلكان حاليّاً آلةً لجمع النفايات (لضغط النفايات القابلة لإعادة التدوير ميكانيكياً)، وآلتين على الطلب من أجل العمل في مخزنهما في منطقة الجناح في بيروت.
إحدى طرق إدارة النفايات
يعتبر التدوير أحد الطرق لإدارة النفايات، فيما يُلاحَظ انخراط بعض المناطق اللبنانية في هذه العملية.
خلال مؤتمرٍ للجامعة الأمريكية في بيوت حول طرق وتكنولوجيا إدارة النفايات في لبنان عُقد في 29 تشرين الأول/أكتوبر، قالت الأستاذة في الكيمياء التحليلية، نجاة صليبا، إنّ "الكثير من البلديات بدأت باتّباع هذه التقنيات. نحن لا نقوم باختراع شيءٍ جديدٍ هنا، فالموضوع بأكمله متاحٌ على شبكة الإنترنت."
مخطّط حول عملية إدارة النفايات الذي قدمه مرعبي خلال عرضه في الجامعة الأمريكية في بيروت.
ولدى مخاطبتها لحشد ٍمن النشطاء والمسؤولين، أكملت بالقول إنّ "أهمّ ما في الأمر هو أن نبدأ. وفي حين تحتاج البلديات إلى مساعدةٍ لتتمكّن من التسبيخ (إعداد السماد من النفايات)، نحن على استعدادٍ لدعمها بكلّ ما نمتلك من موارد تكنولوجية."
بدوره، لخّص فاروق مرعبي، مدير قسم "إدارة البيئة والصحة والسلامة وإدارة المخاطر" في الجامعة الأمريكية، الخطوط الأساسية لعملية إدارة النفايات، قائلاً إنّه "يجب أن تصل النفايات بشكلٍ مثاليٍّ إلى المصانع قبل فرزها، لكنّ ذلك لا يتحقّق في معظم الأحيان،" مشيراً إلى أنّ كلّ 100 طن من القمامة يمكن أن يغطّي مساحة 300 متر مربع.
وفور فرزها، تُفتح أكياس النفايات وتُستخرَج المواد متها مثل البلاستيك ليتمّ ضغطها أو قصّها بغية التقليص من حجمها، ثمّ تُفصَل المواد العضوية عن المواد غير العضوية لتسبيخها (تحويلها إلى سماد) .
هذا السماد له عدّة فوائد في مختلف القطاعات كالزراعة وتوليد الطاقة؛ فالغاز الحيوي الذي ينبعث من المواد القابلة للتحلّل خلال تجزئتها في غياب الأوكسجين، يتمّ حرقه لتوليد الكهرباء والحرارة، أو يمكن أن يُنتَج منه غازٌ طبيعي ووقودٌ للنقل.
أمّا المرحلة الأخيرة فتتمثّل في فصل المواد القابلة لإعادة التدوير قبل طمر ما تبقّى في المطمر. "ففي الوضع المثالي، يتم تحويل 10% من النفايات الى المطامر الصحية،" بحسب المرعببي الذي أشار إلى أنّه "لا مهرب من المطامر، ولكن ما يحصل اليوم [في لبنان] هو إرسال 20%من النفايات لإعداد السماد، بينما ترسل النسبة المتبقية الى المطامر (غير الصحية)."
السيد فاروق مرعبي والسيدة ليلى سعود يناقشان حلول أزمة النفايات في لبنان (الصورة لميسا عجان)
ماذا عن المحارق؟
"يعتقد الناس أنّ المحارق أمرٌ مخيفٌ وملوِّث، غير أنّه من الناحية العلمية تعتمد جميع الدول الكبرى النفايات كمنتِجٍ للطاقة، حيث تستخدِم نسبة 30 الى 40 بالمئة من النفايات لإنتاج الطاقة،" وفقاً لما قاله المرعببي الذي لفت إلى أنّه "حالياً يتمّ توليد 0.5 ميجا واط من الكهرباء من منطقة الناعمة، وبطبيعة الحال ليس بالأمر الكافي."
هذا وقدّمَت الأستاذة في العلوم والإدارة البيئية، ليلى سعود، ثلاث خرائط طريق لإدارة النفايات في لبنان بناءً على الكثافة السكّانية.
فما يقلّ عن عشرة أطنان من النفايات يومياً يمكن أن تُعالَج ضمن مساحةٍ تتراوح بين 50 و200 متر مربع يعمل فيها من ستةٍ إلى ثمانية موظّفين، فيما تُنتجِ 2.5 طن من المواد القابلة للتدوير وتُرسِل 3 أطنان إلى المطامر يوميّاً. وتقدَّر تكاليف هذه العملية بـ356 ألف دولار إلى 356 ألف دولار، وهي عمليةٌ ملائمةٌ للقرى الصغيرة.
وكذلك تحتاج معالجة حوالي 30 طنّاً من النفايات إلى مساحةٍ تتراوح بين 2500 إلى 4 آلاف متر مربع، وتوظيف 12 إلى 14 عاملاً، فيتمّ فيها إنتاج 7.5 أطنان من المواد القابلة لإعادة التدوير، وتحويل 10 أطنان إلى المطامر. هذه العملية التي تقدَّر تكاليفها بحوالي 1.2 مليون إلى 1.5 مليون دولار، باستطاعتها تولّي معالجة نفايات عدّة بلديات.
أمّا في ما يخصّ كمية النفايات التي تتراوح بين 30 الى 100 طن يومياً، فيمكن معالجتها ضمن مساحةٍ تُقدّر بـ7500 إلى 10 آلاف متر مربع، وتحتاج إلى توظيف 26 إلى 30 عامل. أمّا إنتاجها اليوميّ فيبلغ 25 طنّاً من المواد القابلة لإعادة التدوير، وحوالي 40 إلى 45 طنّاً من النفايات إلى المطامر. وبالتالي، هذه العملية التي تلائم المناطق الإقليمية الكبيرة، تكلّف من 2.8 إلى 3.5 مليون دولار.
بالإضافة إلى ذلك، قالت سعود إنّه "سبق وبدأنا العمل مع البلديات لرفع مستوى الوعي في أوساط المجتمع؛ إذ لا يمكن العمل في الإدارة البيئية من دون امتلاك خلفيةٍ تقنية، ومعرفة الخيارات ا(التقنية) المتاحة."
ولكنّ الوعي وحده لا يكفي، بحسب سعود التي تابعت قائلةً: "نحن بحاجةٍ إلى برنامج تطوّعيٍّ ومحفّزاتٍ مالية وعقوبات، وهنا يأتي دور البلديات التي يمكنها فرض نظمٍ وسياساتٍ لضبط عملية فرز وتقليص حجم النفايات بين المواطنين. هذا الموضوع مصيري، وإذا لم يُؤخَد جدياً سنبقى عالقين حيث كنّا طوال العقود القليلة المنصرمة."
وبالعودة إلى القزم وشريكه من "ريسايكل بيروت"، فهما يُبدِيان استعدادهما للبدء، حيث يقول القزم إنّ "خطتنا تهدف إلى معالجة 5 أطنان من النفايات التي تتضمّن البلاستيك والأوراق والمعادن. كما نأمل في الشهور القادمة، بتوظيف 10 إلى 15 عامل، ليكونوا مسؤولين عن الفرز، والضغط، والإشراف على المستودع، بالإضافة إلى سائقين لتجميع النفايات من الحاويات وأعمال خارجية أخرى."