وأصبحت السيارات متّصلة بالإنترنت أيضاً
منذ خمس سنوات وسيّارات "جوجل" Google بدون سائق تقوم بخطواتٍ في هذا المجال، فيما لا نزال ننتظر مرورها على قارعة الطريق.
ما هي النصيحة التقنية التي يجب الركون إليها عندما يتعلّق الأمر بجعل تصنيع السيارة أكثر فعالية، وكذلك العلاقة معها؟
السيّارات تتكلّم مع هاتفك الذكيّ، وتخبرك أنّ الإطار على وشك النفاذ من الهواء، أو أنّ ماسحات الزجاج الأمامي تحتاج إلى الماء، أو أنّه يوجد زحمة سيرٍ أمامك. تبدو هذه الأشياء وكأنّها من عالمٍ بعيد المنال، ولكنّها لم تعد كذلك.
منصّة "فينلي" Vinli لوصل السيّارات [بالإنترنت أو أجهزة أخرى]، والتي ابتكرها اللبناني مارك حيدر، سوف تصل السوق رسمياً بحلول شهر آب/أغسطس.
جهاز "فينلي" الذي يعمل مثل جهاز "كرومكاست" Chromecast ولكن للسيّارات، لديه منفذ "يو أس بي" USB ويوضع في نظام تشخيص الأعطال الذاتيّ on-board diagnostic، ويوصل الأجهزة الإلكترونية داخل السيارة بالبلوتوث والإنترنت النقّال من الجيل الرابع 4G LTE.
وفي الوقت نفسه، يمكنك الوصول إلى ثلاثة أشياء: الإنترنت عالي السرعة (عقدوا شراكةً مع "تي موبايل" T-Mobile من أجل الـ"واي فاي" WiFi)؛ ومتجر تطبيقاتٍ للسيارة؛ و"خدمات ‘فينلي‘" التي تتضمّن خاصّية الاستجابة للحوادث، والمساعدة على الطرقات بما فيها المساعدة الميكانيكية عبر الهاتف، ومتجر "ماي سيرفيس" My Service.
من طبق البوريتو إلى الجولة الأولى للتمويل
حيدر الذي وُلد وترعرع في لبنان، كان صاحب إنجازاتٍ منذ صغر سنّه. لقد أسّس شركة التقنية الناشئة في عمر 17 عاماً، كما وضع أوّل نظامٍ متكاملٍ لإدارة الجامعة على شبكة الإنترنت في لبنان وكان عمره 21 عاماً. بالإضافة إلى ذلك، صمّم أوّل لعبةٍ ثلاثية الأبعاد في البلاد، كما بنى موقعاً لبلدية اللويزة بهدف رقمنة أعمالها الورقية وبناء شبكة تواصل خاصّة بها.
تمهّل، يوجد المزيد أيضاً: لقد فاز بجائزة "بيبول تشويس أوارد"People Choice Award في مسابقة أفضل المواقع الإلكترونية في لبنان "ليبانون ويب أواردز" Lebanon Web Award.
قبل تسعة سنوات، وبعد تخرّجه من الجامعة، وصل مارك حيدر إلى الولايات المتّحدة الأميركية بدراسة الماجستير ولم يكن في جيبه سوى 400 دولار. ولتغطية نفقات الدراسة في جامعة "ديترويت ميرسي" University of Detroit Mercy التي بلغَت 30 ألف دولارٍ سنوياً، عثر حيدر لنفسه على عملٍ غير قانونيٍّ في محطّة وقودٍ في أحد أحياء ديترويت.
كان يذهب هذا الشاب خلال النهار إلى الجامعة ويقوم بالأبحاث، وخلال الليل - من السابعة مساءً حتّى السابعة صباحاً - كان يعمل في محطّة الوقود. ويقول لـ"ومضة": عشتُ على طبق البوريتوس من ‘تاكو بِل‘ Taco Bell، الذي كان يُباع بـ89 سنتاً."
الفرصة الأولى التي أُتيحَت له للعمل في مجال السيارات كانت عندما طلب منه رئيس قسم الهندسة العمل كمساعدٍ في التدريس. مانع حيدر هذا الأمر في البداية لأنّ الراتب لم يكن جيّداً بقدر ما هو عليه في محطّة الوقود. وبدلاً من ذلك، أقنع المدير بالتقدّم للحصول على منحةٍ لبناء حلٍّ يؤمّن الاتّصال لسيّارات الجيش الأميركي في الوقت الحقيقي.
فحيدر الذي كان يتوق إلى شيءٍ غير الطبق الذي اعتاد على أكله، والذي طالما أراد تصنيع سيّارة، وجد أنّه يوجد فرصةٌ كبيرة.
فاز هذا الشاب بالمنحة من أجل "استخدام التكنولوجيا في السيارات وتزويد الجنود بأجهزة الاستشعار"، وأصبح قائد فريق البحث في مشروع السيّارات المتّصلة في "مركز أبحاث وتطوير وهندسة الدبابات والآليات" TARDEC التابع للجيش الأميركي.
إثر ذلك، قضى حيدر سنتَين من عمره لا ينام إلّا أربع ساعاتٍ في اليوم، ويتناول الكثير من مشروبات الطاقة ليبقى مستيقظاً. وبالرغم ممّا عاناه في ذلك الوقت، يشير إلى أنّه يستحقّ التضحية.
منذ ذلك الحين، قام حيدر بالأبحاث ونشرها. وهذا ما ساعده في الإضاءة على فجوةٍ في السوق بما يتعلّق بتطوير البرمجيّات، إذ "لم يكن هناك مكانٌ واحدٌ يمكن الذهاب إليه، لا من أجل السيارات ولا حتّى أيّ شيءٍ آخر،" على حدّ قوله.
بعد انتقاله إلى دالاس في تكساس عام 2010، شارك في تأسيس "ديالكسا" Dialexa مع صديقه وزميله سكوت هاربر"، حيث قاما بوضع مفاهيم لأكثر من 40 منتَجاً تقنياً، ومن ثمّ تصميمها وهندستها. وفي عام 2012 أسّسا مختبرات "ديالكسا لاب" Dialexa Labs، وهي مختبر للمشاريع تعمل على أفكار البرمجيات القابلة للتوسّع، وتأمين أصحاب المواهب، والدعم المالي والتقني.
و"فينلي" التي وُلدَت من رحم "ديالكسا لابز"، يسعد مؤسِّسها اليوم بالحصول على تمويلٍ بـ6.5 ملايين دولار في الجولة الأولى Series A بقيادة شركة "سامسونج" Samsung.
إنترنت الأشياء والسيارات
الأجهزة مثل "فينلي" وسواه، والتي تنضمّ إلى صفوف أنظمةٍ مثل "كار بلاي" CarPlay من "آبل" Apple و"سينك3" Sync3 من "فورد" Ford، ليسَت إلّا جزءاً من قطاعٍ مزدهرٍ يقوم على استخدام إنترنت الأشياء IoT.
وإنترنت الأشياء هو ببساطة ذاك الاتّصال بين مليارات الأجهزة من خلال الإنترنت، وبالتالي يمكن للمستخدِمين الاطّلاع على المعلومات ذات الصِّلة عبر هواتفهم الذكية.
وسبق أن قالت شركة "جارتنر" Gartner البريطانية للأبحاث التقنية، في مطلع عام 2015، إنّ إنترنت الأشياء ستصبح قوّةً لتغيير الأعمال التجارية، وسيطال تأثيرها الثوريّ كلّ القطاعات وكلّ المجالات في المجتمع.
والآن، أدخل هذه التقنية إلى السيارة وسيصبح لديك سيّارةٌ متصّلةٌ بالإنترنت.
ووفقاً لتقرير "جارتنر"، فإنّ سيارةً واحدةً من بين كلّ خمسة سيارات على الطريق ستمتلك نوعاً من الاتّصال اللاسلكي بالشبكة، بحلول عام 2020.
وفي سياقٍ متّصل، سبق أن أشارَت شركة الاستشارات الإدارية "بوز أند كومباني" Booz & Company ("ستراتيجي أند" Strategy& حالياً)، في دراستها عن السيارات المتّصلة "كونكتد كار" Connected Car study، إلى أنّ الاتّصال السيارات بالإنترنت سوف يشكّل الموجة الرقمية القادمة. وبحسب هذه الدراسة، سوف يحقّق صانعو السيارات ما يقارب 21 مليار دولار من مزايا السلامة المتّصلة وعناصر القيادة الآمنة.
سوف ينتج عن هذه التقنيات أعمال تجارية كبيرة، حتّى في الشرق الأوسط. فقد قدّر تقرير "بوز أند كومباني" سوف تصل إلى مليارَي دولار بحلول عام 2016، أي ما يشكّل 6.1% من سوق الآلات للآلات M2M.
التوقيت هو الأهمّ
قد تكون السيارات قد تأخّرَت عن اللحاق بركب ‘الاتّصال‘، ولكن يبدو أنّه جاء زمن إنترنت الأشياء ليدخل بقوّة إلى السيارات.
يختصر حيدر بطء استيعاب إنترنت الأشياء في قطاع السيارات العالميّ بثلاثة أسباب:
. في الواقع، يتمّ بناء السيارات في الماضي. "فالسيارة قبل أن تصل إلى السوق يكون قد مرّ على بنائها 3 سنوات، ولذلك فهي قديمة بالفعل."
. تبقى السيارة على الطريق لمدّة 12 عاماً كمعدّل، "ولذلك يمكنك اعتبار أنّ هذه الأعوام الـ12 لا يمكنك تطوير التقنيات فيها."
. القطاع ليس موحّداً" "يوجد في العالم نحو 500 صانع سيّارات يمتلك كلّ واحدٍ فيهم تقنياته الخاصّة، وشركة مثل ‘مرسيدس‘ Mercedes لن تسير أعمالها الداخليها كما هي الحال في ‘تويوتا‘ Toyota."
ولكن منذ "عام 2014، بدأ التقارب فعلاً، وكلّ شيءٍ يسير باتّجاه دعم ذلك الأمر،" يقول حيدر.
الخبر الجيد
وجد حيدر وفريقه أنّ المنفذ في لوحات تشخيص الأعطال ذاتياً OBD يشكّل حلّاً من حيث العثور على وظائف مشتركة في جميع السيارات.
نظام تشخيص الأعطال ذاتياً هذا، يمكن تلخيصه في أنّه النظام الذي يمكّن السيارة من التواصل مع المهندس وإخباره عمّا يجري في داخلها. وبما أنّه بات ميزةً منتشرةً في كلّ السيارات المصنوعة أو المباعة في الولايات المتّحدة منذ عام 1996، فإنّ سيارتك الـ"بي أم دبليو" BMW من صنع عام 1998 ستكون قادرةً على الاتّصال مع هاتفك الذكي.
smartphone.
واجهة "فينلي". (الصورة من Vinli)
وفي الوقت الحالي، تسير إنترنت الأشياء الخاصّة بالسيارات قدُماً وبخطىً سريعة.
و"فينلي" التي ينافسها في هذا القطاع كلٌّ من "كار بلاي" و"سينك3" و"جوجل" Google، تمّ إطلاقها في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2014، خلال فعالية تِك كرانش ديسرابت" TechCrunch Disrupt في سان فرنسيسكو. في ذلك الحين، كان الجهاز متاحاً فقط للطلب المسبَق، وانخفضَ سعره بشكلٍ ملحوظ. صفحة حملة الطلبات المسبقة على منصّة "إندي جو جو" Indiegogo.
الاتّصال بالشرق الأوسط؟
السوق في الشرق الأوسط والخليج يمكن أن يكون جاهزاً للسيارات المتّصلة، بحسب الخبير في هذا القطاع، عماد عطوي. يستدرك هذا الأخير مشيراً إلى أنّه "ما زال قطاعاً ناشئاً، فبينما يسير على طرقات المنطقة بين 50 مليوناً و60 مليون سيارة، لا تشكّل نسبة السيارات المتصّلة أكثر من 1%."
في الوقت الحالي، يبدو قطاع السيارات المتّصلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كما كان عليه قطاع اتّصالات الجيل الثالث 3G منذ 5 أو 10 سنوات.
وبالإضافة إلى ذلك، يقول عطوي لـ"ومضة" إنّ "البيئة الحاضنة معقّدة،" فهي تضمّ عدّة لاعبين أساسيين من مصنّعي السيارات، وشركات الاتّصالات، وشركات التأمين، ومزوّدي الخدمات، ومزوّدي المحتوى، إضافةً إلى القوانين. ومع كلّ ما سباق، "نصبح أمام سلسلة قيمةٍ متعدّدة، وكلّ واحدٍ يريد حصّته منها."
في السياق، كانت "بي أن دبليو" BMW قد أعلنَت شراكةً مع "ِشركة الاتّصالات السعودية" STC عام 2011، وذلك في إطار الحلّ الذي توفّره هذه الأخيرة وهو "كونكتد درايف" ConnectedDrive. ولكنّ هذا النوع من الاتّصال المدمَج يضع حدوداً للسوق، على عكس جهاز "فينلي" القابل للنقل.
وعن شراكات "فينلي" في المنطقة، يقول حيدر إنّها ستعلن قريباً في الشرق الأوسط، فالجهاز صمّم ليعمل في أوروبا وأفريقيا وكذلك في الولايات المتّحدة.
اللعب مع الكبار
في مطلع شهر حزيران/يونيو، حصلَت "فينلي" على تمويل الجولة الأولى Series A بقيادة "جلوبال إنوفايشن سنتر" [مركز الابتكار العالمي]Global Innovation Center التابع لشركة "سامسونج". وكما يشير حيدر، فإنّ هذا التمويل يعتبر الخطوة الأولى التي تقوم بها شركة الاتّصالات هذه في قطاع الأنظمة الداخلية للسيارات.
الأهمّ من ذلك إنّ حيدر أدخل نفسه بقوّةٍ في عالم السيارات إلى جانب اللاعبين الكبار. وإذ كان من بين المشاركين في تمويل هذه الجولة كلٌّ من "كوكس أوتوموتيف" Cox Automotive و"كونتيننتال آي أي أس" Continental ITS و"ويستلي جروب" Westly Group (المستثمِر المبكر في "تسلا" Tesla)، فإنّ الوصول إلى مثل هذه الشركات يشكّل أساساً للنجاح الذي تسعى إليه "فينلي".
السيارات الذكية توصلنا إلى المدن الذكية
إنّ السيارات المتّصلة تُعدّ عنصراً أساسياً في المدن الذكية، وفقاً لما توفّره هذه السيارات من بياناتٍ مهمّةٍ لتأسيس مناطق ‘ذكية‘.
في هذا الوقت، "فينلي" التي بُنيَت كمنصّةٍ مفتوحة المصدر أبقَت الباب مفتوحاً أمام المطوّرين لبناء تطبيقاتٍ باستخدام أدوات تطوير البرمجيات SDK وواجهات تطوير البرامج APIs. هذه التطبيقات يمكنها أن تجمع المعلومات عن المواقف المجّانية وعن زحمة السير كما وأن تبحث في الإنترنت عن متجَرٍ يفتح حتى الثانية صباحاً، وكلّ هذا يعتبر بمثابة الأسس المستقبلية لحياةٍ أكثر ذكاءً. ويقول حيدر: "لقد وصلنا أكثر من 12 تطبيقاً حتّى الآن، فيما ننتظر وصول 100 تطبيقٍ آخر بحلول نهاية العام."
هذا الأمر من شأنه أن يزيد من قدرة البرمجية على جمع البيانات، وهو ما يعتبر ضرورياً في المدن ‘الذكية‘. ونتيجةً لذلك، سوف تساعدك هذه التطبيقات على ركن السيارة، ومعرفة الأماكن التي يجب تجنّبها في المدينة، والوصول إلى المطعم الذي يوصل الطلبية إلى السيارة؛ وكلّ هذا من مزايا الحياة الذكية.
عندما يصل جهاز مثل "فينلي" إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهو سينضمّ إلى قافلةٍ من الابتكارات الأخرى مثل "مسارك" Masarak و"بيقولك" Bey2ollak و"بلية" Beliaa و"سلامتك" Salamtek، بالإضافة إلى التطبيقات الأخرى الخاصّة بسيارات التاكسي. وكلّ هذه الابتكارات مجتمعةً سوف تدمج حياتنا اليومية بإنترنت الأشياء.
وعندما يصبح "فينلي" وغيره من الأجهزة المتّصلة شيئاً عادياً، فإنّ الأعطال المفاجئة لن تبقى مفاجئة، وزحمة السير الخانقة سيصبح من الممكن تجنّها، والبحث طويلاً عن موقفٍ لركن السيارة سيصبح شيئاً من الماضي.