السياسات الصحيحة ستدفع شركات الطاقة المتجددة قدماً
ما زال قطاع الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط حديث العهد، ولكن يوجد أمام رواد الأعمال إمكانات هائلة للعب دور في هذا المجال الذي يحتاج إلى موارد الشركات الكبيرة والصغيرة في آنٍ معاً، لحلّ مشاكل الطاقة المستقبلية في المنطقة.
لكنّ هذه الشركات تعمل في قطاعٍ لطالما كان حكراً على الحكومات والشركات الكبرى متعدّدة الجنسيات، حيث يتلقّى الوقود الأحفوري إعاناتٍ مالية كبيرة. حتى أنّ بعض المحلّلين يشكّكون في ما يمكن تحقيقه في قطاع الطاقة المستدامة، في ظلّ هذه الإعانات المالية التي يتلقاها الوقود الأحفوري.
وعلاوةً على ذلك، يفتقر قطاع الطاقة المتجدّدة بالكامل تقريباً إلى السياسات اللازمة: يوجد لدى 19 دولةً من الدول العشرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هدف قائم لتوليد الطاقة والسياسات اللازمة لتحقيق ذلك، ولكن لا يتم تطبيقها بالضرورة.
وتطوير تلك السياسات قد يُطلِق قطاع الطاقة المتجدّدة في المنطق، كما قد يوفّر بعض الفوائد المحدّدة جداً للشركات الناشئة، في حال طبّقت حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السياسات الصحيحة لزيادة طلب المستهلكين، وإذا وضعت القواعد والضوابط التي من شأنها أن تريح المستثمِرين أكثر في مجال العمل هذا. وبالتالي يسهل حصول الشركات الناشئة التي تسعى للتوسع في مجال الطاقة على رؤوس المال.
محطة عين بني مطهر الحرارية الشمسية لإعادة توليد الطاقة، في إقليم جرادة في المنطقة الشرقية، المغرب. (الصورة من البنك الدولي)
خطوات نحو الطاقة الخضراء
يقول نمر أبو علي، مدير التكنولوجيا النظيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة "إرنست أند يونج" Ernst & Young، إنّ المشاركة الحكومية الجادة في مجال الطاقة المتجددة بدأت فعلاً في مستهلّ عام 2006 مع إطلاق أبوظبي مشروع مدينة مصدر البيئية.
وكانت الأزمة المالية عام 2008 أعادت بعض اهتمامات الدول في مجال الطاقة المتجدّدة إلى الواجهة بانتظار الوقت المناسب، لكنّ عدم الاستقرار الذي سبّبه "الربيع العربي" في شبكات الكهرباء التي تديرها الحكومات، فضلاً عن انقطاع التيار في أماكن مثل الأردن ولبنان ومصر، منح روّد الأعمال فرصة تسويق منتَجاتهم وخدماتهم في مجال الطاقة المتجددة.
والآن، بعد سبع سنوات، باتت كلّ حكومات المنطقة تملك – أو تناقش امتلاك – أساليب لتعزيز استخدام الطاقة الخضراء وتطويرها.
خزانات بالقرب من مضخة "كرم سولار" (انظر الصورة أدناه). (الصورة من KarmSolar)
والدول المستوردة للطاقة مثل المغرب، التي وضعت هدفاً لإنتاج 42% من طاقتها من مصادر متجددة بحلول عام 2020، والأردن التي بلغها هدفها 30%، تسعى إلى إيجاد مصادر مستدامة للطاقة لتحلّ محل النفط والغاز الطبيعي باهظَيْ الثمن. كما أنها تطبّق بنى تنظيمية لتوجيه الشركات الكبيرة والصغيرة، حتّى لو لم يكن ذلك سريعاً بما يكفي لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة بسرعة من الشركات الناشئة التي تكيّف الابتكارات كي تلائم الأسواق المحلية.
أما البلدان المصدِّرة للطاقة مثل السعودية والكويت، تدرك بسرعة فوائد تجريد شعوبها من النفط الرخيص لتتمكّن من بيع المزيد منها للخارج، إذ لا تزال دول الخليج تتحدث عن إقامة بنى رسمية مثل الدفع مقابل تغذية الشبكة بإمدادات الطاقة المتجددة التي تحفّز طلب المستهلكين على مصادر الطاقة المتجددة، وتزيد من المنافع المحتملة على رواد الأعمال. لكنّ أبو علي يقول إنّ النشاط قد تباطأ على مستوى الدول في العام المنصرم.
كانت مصر أحدث دولة أطلقت سياسات خاصة بالطاقة المتجددة، فمنحت مناقصة بقيمة 100 ميغاواط لشركة "السويدي إلكتريك" Sewedy Electric متعددة الجنسيات في يونيو/حزيران، وأتت بخطة تدرجية لفرض تعرفة إمدادات الطاقة المتجددة في سبتمبر/أيلول. لاقى هذا التطوّر الأخير تحفظاً في البداية من روّاد الأعمال مثل الرئيس التنفيذي في "كرم سولار" KarmSolar، أحمد زهران، الذي أخبر "مدى مصر" Mada Masr في ذلك الوقت أنهم لن يعتمدوا تغذية الشبكة الرسمية بالطاقة المتجددة مقابل تعرفة، بسبب عوامل كثيرة غير واضحة ما زال يجب التفكير فيها. غير أنّه عاد وأخبر "ومضة"، في مارس/آذار، أنّ الشركة تخطط لمشروعَين كبيرين مصمّمَين للاستفادة مباشرةً من تعرفة إمدادات الطاقة المتجددة.
مضخات المياه بالطاقة الشمسية لدى "كرم سولار". (الصورة من KarmSolar)
الإعانات المالية
تبقى حجرة العثرة الأكبر لأي مشروع طاقة متجددة الإعانات المالية التي يتلقاها الوقود الأحفوري، والذي يحفّز المستهلكين والمؤسّسات على الاستمرار في استخدام الوقود الأرخص ثمناً وعدم تنويع مصادر طاقتها.
ولطالما لعبت حكومات المنطقة دوراً كبيراً في مجالات الطاقة، عبر امتلاك بنى الطاقة التحتية وحتى امتلاك مصادر الطاقة نفسها، مثل حقول النفط والغاز الطبيعي نفسها، كما في الكويت.
ونتيجةً لذلك، تقدم كافة حكومات المنطقة إعانات مالية لتغطية تكاليف طاقة مواطنيها، سواء كانوا قدرين على تحملّها بأنفسهم أم لا. ففي الكويت وقطر، تبدأ تعرفة الطاقة بـ 0.03 دولار للكيلواط بالساعة، ما يجعلها من بين الأدنى في العالم؛ ومع أنّ بلداناً عدة مثل مصر تعد بإزالة الإعانات المالية، إلّا أنّه ما من ضمانة أنّ ذلك سيحصل فعلاً.
من جهته، يعتقد مؤسِّس مركز البحوث "سيغنت كابيتال" Signet Capital، آنجوس بلير، أنّ التقدم الذي تحرزه الشركات الناشئة المعنية بالطاقة الخضراء سيبقى بطيئاً إلى أن تُزال الإعانات المالية في كافة أنحاء المنطقة، أو توضع إعانات مالية على مصادر الطاقة المجددة بالكمية نفسها. ويقول أبو علي إنّ الإعانات المالية التي يتلقاها الوقود الأحفوري تجعل من مشاريع الطاقة الخضراء غير قابلة للتنفيذ ما لم يتم فيها استهداف العملاء غير المتصلين بشبكات الطاقة التقليدية أو الذين لديهم إمدادات طاقة محدودة.
السياسات
من أجل فهم السياسات الحكومية المتعلقة بخطط الطاقة المتجددة، يتحتم فهم بضع مختصرات بما فيها PPP (purchasing power partnerships) أي شراكات شراء الطاقة، وIPP (independent power producers) أي الشركات المستقلة المنتجة للطاقة، وFIT (feed-in tariffs) أي دفع تعرفة مقابل إمداد الشبكة الرسمية بالطاقة المتجددة.
فالتعرفة التي تدفع مقابل إمداد الشبكات الرسمية بالطاقة المتجددة FIT توفّر بعض الاستقرار من حيث السعر، وحتى يمكن أن توفّر عائدات لمولِّدي الطاقة المتجدّدة؛ وسيشعر الجميع بمنافع ذلك، من ملّاك المشاريع الواسعة النطاق إلى الأسر التي تضع ألواحاً شمسية على الأسطح.
وتسمح الشركات المستقلة المنتِجة للطاقة IPPs للحكومات بالاستعانة بمصادر خارجية لتطوير لطاقة المتجددة وتوليدها، أمّا شراكات شراء الطاقة PPP في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فتتم في العادة هذه الصفقات مع شركات الكهرباء الكبيرة التي تملك القدرة على تطوير المشاريع واسعة النطاق كما ومع الحكومات.
ويشير أحدث استطلاعات التقنيات النظيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي أجرتها شركة "إرنست أند يونج“ Ernst and Young، إلى أنّ الحكومات تحاول الابتعاد عن دفع التعرفة مقابل التغذية بالطاقة المتجددة FIT والاتجاه نحو شراكات بين القطاعين العام والخاص.
وفي هذا الإطار، كتب مؤلّف التقرير، أبو علي: "مع أنّ التعرفة مقابل إمداد الشبكة الرسمية بالطاقة المتجددة FIT ما زالت الوسيلة المفضلة لدى بعض البلدان مثل الأردن، إلاّ أنّ الشراكات بين القطاعين العام والخاص PPPs أو مع الشركات المستقلة المنتجة للطاقة IPPs تهيمن على الساحة في دول مجلس التعاون الخليجي. فعلى سبيل المثال، أعلنت دبي مؤخراً عن تمويل شركات مستقلة منتجة للطاقة IPP لتنفيذ مشروع الطاقة الشمسية بكمية 100 ميغاواط.
ويضيف أبو علي أنّ السياسات التي يجب النظر فيها تشمل أسعاراً جيدة لتعرفة إمدادات طاقة متجددة، وضمان نفاذ المشاريع إلى شبكات الكهرباء (التي غالباً ما تملكها الحكومات)، ووضع شروط لمستوى أدنى من الإنتاج المحلي، والتوظيف والشراكات، والمساعدة بتمويل المنتجات الفردية.
المنافع
وبدوره يقول مدير مركز بحوث الطاقة في القاهرة، محمد سبقي، إنّ دفع الشركات الناشئة العاملة في الطاقة المتجدّدة إلى الأمام، يكمن في جعل الطاقة أرخص وأسهل شراءً للناس مثل الألواح الشمسية على أسطح المنازل.
ويوافق على ذلك محللٌ فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، يعمل حالياً مع ذراع الطاقة المتجدّدة في مؤسَّسة التمويل الدولية، قائلاً إنّ على الحكومات أيضاً الخروج بطرق لزيادة الطلب على الطاقة النظيفة.
ويضيف أنّ آليات القيام بذلك تتضمّن تسهيل الحصول على القروض المصرفية للعملاء الذين يريدون شراء مولّدات الطاقة المتجدّدة، مثل الألواح الشمسية على الأسطح. فعلى سبيل المثال، وسّعت المصارف المغربية عروض التمويل التي تقدمها للمولِّدات التي تعمل بالديزل لتشمل تقنيات الطاقة الشمسية أيضاً، وساعدت على جعل نظم الطاقة الشمسية على الأسطح ذات أسعار معقولة للأفراد؛ في حين أن المؤسَّسات الصغيرة في الأردن تدفع معدلات فائدة منخفضة إذا قامت بتركيب مولدات طاقة متجددة.
في حين بدأت حكومات المنطقة تدرك منافع وضع سياساتٍ خاصّة للطاقة المتجدّدة والحاجة إليها، ووجوب تضمينها قواعد وأنظمة من شأنها أن تدفع المستهلكين إلى زيادة اعتمادهم على الطاقة المتجددة، ومساعدة الحكومات في نهاية المطاف على تحقيق أهدافها. وهذه الأخيرة قد تتمثل إمّا بتصدير المزيد من الوقود الأحفوري أو بالاعتماد بنسبةٍ أقلّ على الطاقة، إلاّ أنّ العمل على زيادة طلب السوق من شأنه أن يدفع بالأنشطة الريادية إلى الأمام.
وعلى الرغم من التقدم البطيء الذي تحرزه هذه السياسات حتى الآن، فإنّ بعض الشركات الناشئة تسير قدماً وتملأ الفجوة على أيّ حال. فشركات مثل "كرم سولار" KarmSolar في مصر على سبيل المثال، أو "إنيرجي 24" Energy 24 اللبنانية، بدأت تستفيد من الفجوة التي لا تتمكن فيها الحكومات من توفير الخدمات اللازمة للمواطنين، وتعمل على إيجاد الطلب من خلال رفع الوعي العام، أو عبر سدّ حاجةٍ موجودة أصلاً.