بناء العلامات التجارية لمجتمعات رقمية تروج لها يُحدث طفرة في عالم التسويق

مقال بقلم إيرينا تاتارينوفا، مديرة العلامة التجارية في Flowwow
من التسوق عبر إنستجرام إلى مجموعات واتساب المخصصة للتجارة والتسويق، تعيد الشركات اليوم طريقة تفاعل المستهلكين وتسوقهم واستمرار ارتباطهم بالعلامة التجارية، من خلال بناء مجتمعات رقمية.
تشير الدراسات إلى أن 70.4% من العلامات التجارية باتت تدير مجتمعات رقمية تتيح لها التواصل المباشر مع عملائها. ومن هنا، تدخل هذه العلامات التجارية اليوم عصر "التجارة المجتمعية" (Community Commerce)، وهو سوق متنمامٍ يُتوقع أن تصل قيمته إلى 6.2 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030، إذ يجمع بين التفاعل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية.
تستعرض هذه المقالة كيف تنجح العلامات التجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في توظيف نموذج التجارة المجتمعية بفعالية، كما تقدّم استراتيجيات عملية يمكن الاستفادة منها للانخراط في هذا التوجّه المتنامي.
المحتوى المُنشأ من قِبل المستخدمين: كيف تُحوّل عملاءك إلى سفراء لعلامتك التجارية
تشير الأبحاث إلى أن المحتوى الذي يُنشئه المستخدمون يتمتع بمصداقية وارتباط مضاعف مقارنة بمحتوى العلامات التجارية، إذ تؤثر أصالة هذا المحتوى وتلقائيته إيجابيًا على قدرة الجمهور على تذكّره.
فعلى سبيل المثال، يُصرّح 81% من المستهلكين بأنهم يثقون بمقاطع الفيديو التي يُنتجها المستخدمون أكثر من المحتوى الذي تُنشئه العلامات التجارية بشكل احترافي أو من خلال التسويق عبر المؤثرين. كما يعتقد 85% من المستهلكين أنهم يعتمدون على هذا النوع من الفيديوهات قبل اتخاذ قرار الشراء.
يثق المستخدمون بتوصيات أقرانهم من المستخدمين الآخرين، ولهذا من المهم أن تُلهم العملاء لمشاركة تقييمات وتجارب حقيقية، مما يُسهم في تحويلهم إلى سفراء فعليين للعلامة التجارية.
بالتالي، يمكن للعلامات التجارية تشجيع العملاء على التفاعل ضمن تجربة التسوق، والانتباه إلى ما يُنشر عنها على وسائل التواصل الاجتماعي. وعندما تتعامل العلامة التجارية مع هذا التفاعل العفوي وتدعمه، سيقدّره جمهورها، ويؤدي ذلك إلى الحفاظ على علاقة قوية ومستمرّة مع العملاء، بل وجذب عملاء جدد وتشجيعهم على تكرار الشراء.
تُركّز استراتيجية "مجتمع سيفورا" (Sephora’s Community) على التفاعل ومشاركة المعلومات وتعزيز ارتباط العملاء بالعلامة التجارية، ما يُسهم في تحويلهم إلى سفراء للعلامة من خلال المحتوى المُنشأ من قِبلهم. وفي إطار برنامجها "Beauty Insider" – وهو برنامج قائم على النقاط والمكافآت للعملاء المميّزين- يدعو "مجتمع خبراء الجمال" (Beauty Insider Community) الأعضاء إلى نشر تقييماتهم وتوصياتهم بالمنتجات ونصائحهم الجمالية.
كما تتيح أدوات مثل "لوحة الجمال" (Beauty Board) للمستهلكين نشر صور تُظهر استخدامهم لمنتجات العلامة، مما يخلق نموذجًا تسويقيًا أصيلًا قائمًا على تجارب المستخدمين الفعلية ومشاركتهم. إضافة إلى ذلك، تنظم سيفورا جلسات تفاعلية حيّة، وتوفّر "منصة الخبراء" (Expert Boards)، التي تجمع بين محترفي التجميل وعشاقه لتبادل النصائح والخبرات، ما يُسهم في إنتاج محتوى ثري وبناء علاقات أقوى وتعزيز مكانة سيفورا كعلامة تجارية رائدة في عالم التجميل.
مجتمعات العلامة التجارية تصنعها الخصوصية والتفاعل
تبني العلامات التجارية اليوم مجتمعات قوية من خلال الدمج بين المحتوى الحصري والتفاعل الفوري داخل مجموعات خاصة على منصات مثل واتساب. فما بدأ كأداة تسويق بسيطة، تحوّل اليوم إلى مساحة مميزة يتفاعل فيها المتسوقون ويتبادلون الأفكار ويجدون من يشاركهم الاهتمامات نفسها. يسهم هذا النوع من التفاعل الحي في بناء الثقة وتعزيز الارتباط بالعلامة التجارية، ويُشعر العملاء بأنهم محل تقدير وجزء من تجربة خاصة ومميزة. ومع الوقت، يتحوّل هذا التفاعل إلى دافع عفوي قوي لتكرار الشراء وبناء علاقة طويلة الأمد مع العلامة.
تعتمد Flowwow هذا النهج من خلال بناء مجتمع متماسك من البائعين المحليين وتشجيع التفاعل بينهم وتهيئة بيئة داعمة للنمو، عبر منصة تتيح لبائعي الزهور والخبازين والحرفيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عرض منتجاتهم وتقديم هداياهم. وتشكّل هذه المنصة فرصة حقيقية للبائعين لتبادل الخبرات وتقديم ملاحظات حول المنتجات وتعزيز حضورهم في السوق، ما يساهم في زيادة الإيرادات وجذب شركاء جدد وبناء شبكة متينة من رواد الأعمال.
قوة التسوق المباشر والتجارة المجتمعية
تملك العلامات التجارية اليوم فرصة استثنائية لتفعيل استراتيجياتها في التجارة المجتمعية من خلال الأدوات التي توفّرها منصات التواصل الاجتماعي. فميزات مثل التسوق المباشر وجلسات الأسئلة التفاعلية والتعاون مع المؤثرين تُضفي طابعًا أكثر تفاعلية وفورية على تجربة التسوق، مما يعزّز العلاقة مع العملاء. تنجح هذه الاستراتيجية تحديدًا مع الفئات الشابة، إذ تشير الأبحاث إلى أن 64% من أفراد جيل الألفية و Gen Z اشتروا منتجات عبر وسائل التواصل خلال العام الماضي. وقد أحدث "تيك توك" نقلة نوعية في هذا المجال بإطلاق تجربة "التسوق المباشر"، حيث أتاح للمبدعين والشركات الصغيرة بيع منتجاتهم مباشرةً لجمهور متفاعل، ما يمكّن العلامات التجارية من تحقيق مبيعات بملايين الدولارات خلال ساعات فقط عبر متجر تيك توك واللايفات الترويجية.
ويُعد مثال "Namshi" خير دليل على كيفية تحويل التسوق الإلكتروني إلى تجربة أكثر تفاعلية، فقد استخدموا البث المباشر على إنستجرام لإنشاء تجربة تسوق حيّة، حيث يشاهد المتسوقون المؤثرين وهم يجرّبون المنتجات بينما يجيبون على الأسئلة ويشاركون توصياتهم في الوقت الفعلي.
أنتجت هذه الاستراتيجية تجربة تسوق جديدة تتسم بالتفاعلية والفورية. وأصبح بإمكان العملاء شراء المنتجات التي يفضلونها فور رؤيتها، وتؤدي توصيات المؤثرين إلى زيادة في المبيعات وتعزيز الثقة في العلامة التجارية. إنها مثال ناجح يُظهر بوضوح كيف يُغيّر التسوق المباشر وتسويق المؤثرين مشهد التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
مع ازدياد اهتمام المستهلكين بالتوصيات الحقيقية والمصداقية على حساب الإعلانات التقليدية، تبرز التجارة المجتمعية بوصفها مستقبل التسوق. ولهذا، فإن العلامات التجارية التي تُولي أهمية لبناء علاقات حقيقية مع جمهورها ستتصدر السوق. يشهد السوق الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نموًا متسارعًا، ومن يواكب توجهات التسوق القائمة على التفاعل الاجتماعي سيكون في المقدّمة. في الواقع، بلغت نسبة المبيعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي 18.5% من إجمالي المبيعات الإلكترونية العالمية، ومن المتوقع أن تستمر هذه النسبة في الارتفاع.
الرسالة واضحة: من أراد النجاح، فعليه أن يبني مجتمعًا حول علامته، لا مجرد قاعدة عملاء.