نساء مشروع "إنسى" يتحدين الحواجز غير المرئية في عالم الأبحاث والتنمية
بقلم: كارولين النحاس ورايا خطي ود. لورا جوي بولس
عندما أطلقنا مشروع البحث والتطوير لأول مرة، اخترنا لتسميته كلمة "انسَ" المشتقة من المصدر نَسْي/نِسْيَان في اللغة العربية، وهو مشروع بحث وتطوير رائد تتولى قيادته عالمتا الأعصاب: د. لورا جوي بولس (جامعة القديس يوسف في لبنان)، المدرجة في قائمة أكثر 15 عالمًا واعدًا في العالم لعام 2020، والدكتورة ميليسا ألي (جامعة ليل في فرنسا). ويعمل هذا المشروع بجهود فريق موهوب مكوّن من عشرين فردًا، أكثرهنّ نساء، ويضم طالبتي علم النفس كارولين النحاس ورايا خطي. نحن باحثات من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونرغب باطلاعكم على مقتطفات من وراء الكواليس نستعرض خلالها ما يجري خلال بناء مشروعٍ مختص بأعمال البحث والتطوير.
الصحة العقلية في خضم الأزمات
من المعروف أن العالم بأجمعه يرزح تحت أزمةً امتدّ أثرها لينال معظم جوانب الحياة، إلا أن حدة الأزمات وسخونة الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على وجه التحديد لا شكّ بأنها من مستوىً آخر. ويمثل مجال البحث والتطوير فرصةً فريدة لدراسة الآثار التي تخلفها المواقف التي تتعدد فيها الأزمات المزمنة، وانعكاسات ذلك على أداء الدماغ والصحة العقلية عند دخول سكان المنطقة في صراع مع هذه البيئة. إن عدم تأثر الجميع بنفس القدر والاختلاف في ردود الأفعال هي فكرة بالغة الأهمية، على سبيل المثال، من الحزن الشديد إلى المرونة في التعامل.
ويعتمد هذا التباين بصورة أساسية على فئتين من العوامل: 1) محددات اجتماعية مثل الطبقة الاجتماعية أو التعليم أو حتى نوع الجنس؛ و2) السمات النفسية مثل الإدراك أو العواطف.
تهدف أبحاث “Ensa” إلى تقييم مدى تأثر الأفراد بظروف الأزمات الشائعة مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب، وكيف تؤثر هذه الأزمات على الصحة العقلية للفرد بطرق أخرى بخلاف المرض لدى الأشخاص الذين يبدون أصحاء.
الأدوات الرقمية للتعمق في حالات عدم اليقين
نطبق في “Ensa” مخرجات التقدم العلمي الذي أحرزناه لمعالجة القضايا الملحة المتعلقة بالصحة العقلية والدماغية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونستخدم الذكاء الاصطناعي (AI) لإنشاء أدوات رقمية تساعد في دراسة حالة عدم اليقين السائدة، وذلك لتحقيق هدفٍ أكبر يتمثل في إنشاء أساليب علاج نفسي تناسب المتطلبات الفريدة للمجتمعات خلال أوقات الأزمات.
لم تكن هذه الدراسات ممكنة لولا الدعم المقدم من Globivest، وهو صندوق رأس مال استثماري في المنطقة يحمل رسالة ملهمة ويعمل بقيادة نسائية. تزدهر علاقتنا الإيجابية مع صندوق Globivest بفضل الشريك الإداري جاسمين بوسون وجهودها المتفانية في تطوير حلول راسخة تستند الى العلم بشأن القضايا الملحة عالية التكلفة بدلاً من إجراء إصلاحات مؤقتة لقضايا غير موجودة أصلاً. وبالإستناد على عزيمة قوية لتحدي أنماط التفكير السائدة وتعزيز الشمولية والمساواة يجري التواصل بكل سلاسة بين فريقينا المكونين بصورة أساسية من نساء، ما يعزز التعاون ويضمن اتباع نهج متوازن يجمع بين البحث والابتكار لمواجهة التحديات في مجال الصحة العقلية والدماغية.
التحديات التي تواجه المرأة في مجال البحث والتطوير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
نواجه نحن الباحثات في مسارنا المهني العديد من المعيقات التي تظهر في شكل اختلافات في الحصول على الفرص وصُور التقدير والترقية، وتتراوح هذه المعيقات من التحيزات المؤسسية في المؤسسات الأكاديمية ووصولاً إلى القضايا الهيكلية التي تعيق تقدمنا.
وفي بعض الأحيان تكون هذه التحيزات بين الجنسين واضحة بشكل سافر، مثل حالات ما يًعرف باسم "التنظير الذكوري" التي تحدث بصورة علنية ومتكررة مع نساء متعلمات وواسعات المعرفة. ومع ذلك، تكون التحيزات الجنسية في معظم الحالات مبهمة بحيث لا يمكن تحريها، ما يجعلها أكثر خطورة. الخطر الآخر المتعلق يالتحيزات هو أنها ليست حالة أو حادثة فردية يمكنك الإبلاغ عنها وحلها؛ بل انها عدد من السلوكيات التي أصبحت طبيعية وإعتداءات متناهية الصغر والتي قد تشمل كل شيء بدءًا من الاستبعاد من الفرص والتقدم المهني وصولأً إلى التحيز في عمليات التقييم.
وحول ذلك، تؤكد د. بولس التي ترفض في كثير من الأحيان فكرة "السقف الزجاجي"، وتحبذ تعبير المياه الوحلة حيث تُحاط التحيزات بكثير من الغموض والتعقيد تجنبًا لفهما وتحديدها، قائلةً: "إن نسبة الجهد إلى النتيجة هي في رأيي هي التحيز الأكثر وضوحًا بين الجنسين." وتضيف "أعتقد أن فكرة مواصلة السباحة في المياه الوحلة تجسد الواقع بدقة أكبر من تعبير السقف الزجاجي الذي لا يمكن تصوره. أرجو ألا يُساء فهمي فأنا أقدر الجهد؛ ولكن لا أمانع السباحة في المياه الوحلة إذا كان الرجال يسبحون فيها. ومع ذلك، إذا نظرت إلى اليسار وإلى اليمين، سترى أنهم يطفون دون عناء في المياه العذبة. كانت العملية برمتها أكثر صعوبة للباحثات منذ البداية مقارنةً بنظرائهن من الرجال."
ودعت كل من د. بولس ود. ألي النساء للانضمام إلى فريقهن لهذا السبب تحديدًا. أردنا في “Ensa” تقديم بيئة عمل شاملة ومتنوعة تسودها الثقة والدعم والتشجيع بين النظراء لأن النساء يعانين من التشكك دومًا بقدراتهن ويواجهن التمييز الصريح أحيانًا.
وفي كثير من الأحيان تتداخل التحيزات القائمة على نوع الجنس مع تلك القائمة على أمور أخرى مثل الطبقة الاجتماعية أو العرق. إن هوياتنا كلها متداخلة باعتبارنا نساء وباحثات وعربيات. مما سيصعب الأمر ويجعله أكثر ضبابية عند محاولة تحديد مصدر التحديات التي نواجهّا. على سبيل المثال، إن تأمين التمويل للأبحاث لا سيما في منتطقتنا يشكل تحديًا كبيرًا ويزداد الأمر صعوبةً على وجه الخصوص عندما يتعلق ذلك بالمرأة. ويبقى التحدي الأكبر الذي يواجهنا نحن الباحثين، بغض النظر إن كنا رجالًا أم نساء هو إقناع صنّاع السياسات ومقدمي المنح بإعطاء الأولوية للأبحاث بدلاً من المبادرات قصيرة الأجل التي تركز على الأمور الطارئة. من هنا فإن الرحلة التي نقوم بها ليست مجرد رحلة سعي أكاديمي، ولكنها أيضًا رحلة لإثبات القدرة على الصمود في مواجهة التوقعات المجتمعية والأعراف الثقافية والتحيزات المؤسسية.
نحن باحثات عربيات، نواجه مجموعة متنوعة من التحديات المختلفة ومتعددة الأوجه. ومع ذلك، فإن تقاطعات أشكال الهيمنة والتمييز على وجه التحديد هي التي تقوي من عزيمتنا وتثبت خطانا وتدفعنا إلى تخطي الصعاب وتحدي الصور النمطية وتخصيص مساحة لأنفسنا بكل تفانٍ لتقديم مساهمات مهمة في أبحاث الصحة العقلية والدماغ في المنطقة.