التوجهات المتوقعة لعام 2024
يأتي عام 2024 على الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حاملاً عواقب وتحديات قاسية، لا سيما في ضوء التضخم المستمر للاقتصاد العالمي، وانخفاض القوة الشرائية نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة.
ومن المتوقع أن يشهد العام الجديد إخفاق عددٍ من الشركات الناشئة بسبب صعوبة جمع رأس المال. وقد ارتفع تمويل الشركات الناشئة خلال عام 2023 مقارنةً بالعام السابق، مدفوعاً بمجموعةٍ من صفقات التمويل الضخمة وجولات التمويل بالدين في مجاليّ التطبيقات الفائقة والشراء الآن والدفع لاحقاً (BNPL)، وبدون تمويل الديون، انخفض الاستثمار في الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العام الماضي بأكثر من 30%.
كما يُرجّح خلال العام الجديد أن يبقى المستثمرون في المنطقة حذرين تجاه كمية التمويل والشركات التي يرغبون بتمويلها، مع استمرار التوجهات المتمثلة بتراجع القيمة التقديرية للشركات، وبيع الأسهم بسعر منخفض، وعمليات إعادة الهيكلة. ولن تنجح الشركات الناشئة هذا العام إن لم تحصد تمويلاً كافياً أو تحافظ على ربحيةٍ عالية، كما ستنخفض عائدات الشركات أو ستبقى ثابتةً بهدف الحفاظ على رأس المال. وتتمثل أهم منهجية خلال العام الجديد في الحذر والالتزام بالخطوات الرئيسية.
المنافسة على نموذج الشراء الآن والدفع لاحقاً
أثبتت شركتا "تابي" و"تمارا"، العضوين الأحدث ضمن الشركات المليارية في المنطقة، أهمية الانتباه إلى احتياجات السوق من أجل تحقيق النجاح، حيث توفر كلّ منهما حلاً للمدفوعات في منطقة تعاني من محدودية الوصول إلى الرصيد الائتماني. ومن المتوقع أن يواصل نموذج الشراء الآن والدفع لاحقاً (BNPL) نموه في المنطقة، رغم أنه يواجه تحدياتٍ عصيبة عالمياً تتمثل في تراجع القيمة التقديرية للشركات وتوجه المستهلكين للحد من إنفاقهم. وبعد نقل "تابي" لمقرها الرئيسي إلى المملكة العربية السعودية، التي تأسست فيها "تمارا"، لا بد ستحتدم شدة المنافسة بين الشركتين الناشئتين سعياً للتميز واستقطاب التجار والمستهلكين.
وأكدت الشركتان أيضاً قدرتهما على عقد صفقاتٍ ضخمة مع أبرز المستثمرين الأجانب مثل "جنرال أتلانتيك" و"ويلينجتون مانجمنت"، كما نجحت "تابي" باستقطاب مستثمرٍ جديدٍ إلى المنطقة، وهو بنك "جي بي مورغان" الذي منحها تمويلاً بالدين قدره 700 مليون دولار. وتشير هذه الصفقات إلى عودة اهتمام المستثمرين بالأسواق الناشئة، مع آفاقٍ مبشرة للشركات الناشئة في المنطقة للحصول على التمويل في مراحلها المتأخرة.
الازدهار المستمر في المملكة العربية السعودية
بذلت السعودية خلال السنوات القليلة الماضية جهوداً دؤوبة لتحسين اللوائح التنظيمية وتشكيل الهيئات اللازمة لدعم مشهد ريادة الأعمال وتشجيع المواطنين على تأسيس الشركات الناشئة. وما تزال التحديات ماثلةً أمام المملكة، إلا أنها حققت نتائج متميزة جعلت منها الوجهة المفضلة على مستوى المنطقة لاستقطاب الكفاءات والشركات الناشئة، التي تطمح إلى نقل مقراتها الرئيسية أو توسيع أعمالها خارج نطاق أسواقها الأساسية. ولا شك أن السعودية ستواصل تعزيز جاذبيتها هذا العام، مما قد يدفع حكومات البلدان الأخرى إلى إطلاق خطط موجّهة للحفاظ على شركاتها الناشئة واستقطاب المزيد.
وبدورها ستحافظ دولة الإمارات على مكانتها مركزاً للشركات الناشئة في المنطقة، لتشكّل -إلى جانب السعودية- أهم الأسواق الداعمة لقطاع ريادة الأعمال الإقليمي هذا العام. أما مصر التي حققت نجاحاً ملحوظاً بما شهدته من أفكارٍ وشركات ناشئة سابقاً، فقد خسرت جاذبيتها أمام المستثمرين نظراً للتحديات الاقتصادية التي واجهتها خلال آخر سنتين.
ومن جانبها، تحمل سوق قطر آفاقاً واعدة، لا سيما بعد توجه الحكومة القطرية للتركيز أكثر على تمكين ريادة الأعمال واستضافة الفعاليات المؤثرة مثل "قمة الويب" المقرر إقامتها في فبراير. وتؤكد هذه المنهجية تزايد إدراك قطر لأهمية التكنولوجيا والابتكار في تنويع اقتصادها، الذي يعتمد بشكل رئيسي على الغاز.
حرب غزة
أسفرت الحرب المدمرة عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص، بمن فيهم أفرادٌ فاعلون في منظومة الشركات الناشئة للمنطقة. وكان رد الفعل مخيّباً للآمال من طرف الجهات المعنية في "وادي السيليكون" وغيرها من المستثمرين ومؤسسي الشركات الأجانب، مما دفع العديد من نظرائهم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الاعتماد على بعضهم بعضاً، والسعي لتشكيل شراكات جديدة ضمن المنطقة، عوضاً عن التطلّع إلى الشراكات والاستثمارات الأمريكية أو الأوروبية أو الاعتماد عليها.
وقد توجهت حكومات المنطقة مسبقاً للبحث عن فرص اقتصادية في دول الشرق، وستتبعها الشركات الناشئة هذا العام.
الذكاء الاصطناعي التوليدي
حقق إطلاق "شات جي بي تي" (Chat GPT) الخاص بشركة OpenAI نقلةً نوعيةً، أصبح من بعدها الذكاء الاصطناعي واقعاً ملموساً، وأداةً تسخّرها الشركات لتعزيز كفاءة عملياتها. وعمدت بعض الشركات الناشئة في المنطقة إلى دمج تطبيق "شات جي بي تي" في أعمالها، فأصبحت مجرد حاضنات؛ ولا يمكن لنماذج الأعمال هذه مواصلة النجاح والنمو، خاصةً في حال قررت OpenAI تزويد تطبيقها بالوظائف نفسها التي توفرها هذه الشركات. ومن المرجّح أيضاً أن تزداد المخاوف المرتبطة بالخصوصية والتحيّز في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي هذا العام، مما يسلط الضوء على ضرورة ابتكار أدوات مشابهة محلية وملائمة للمنطقة.
التكنولوجيا النظيفة
شهد الشرق الأوسط، وللمرة الأولى على الإطلاق، حواراتٍ جدية والتزاماتٍ استثمارية فاعلة لتعزيز نمو قطاعيّ الطاقة النظيفة وتكنولوجيا المناخ في المنطقة. وحتى الآن، يكاد اهتمام المستثمرين في المنطقة بالتكنولوجيا النظيفة لا يُذكر، غير أن الأموال التي تم التعهّد بها مؤخراً قد تحقق نقلةً نوعية في القطاع.