هل يصنع الحظ وسهولة الوصول إلى التمويل رائد أعمال ناجح؟
يرى عددًا من رواد الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن بعض مؤسسي الشركات الناشئة في منطقة الخليج محظوظين بامتلاكهم فرص تمويلية واسعة وبيئة غنية بالتكنولوجيا المتقدمة التي تساعدهم على تأسيس مشروعاتهم الناشئة وتوسيع نطاق أعمالهم وتنميتها.. بينما يرى رواد الأعمال بدول الخليج أن نظرائهم بشمال إفريقيا يمتلكون حظوظًا أوفر منهم، حيث أن السوق الذي يعملون فيه واسع وينمو بشكل متزايد مع ارتفاع السكان، مما سيؤدي بدوره لارتفاع معدلات القوة الشرائية وزيادة أعداد المستهلكين.
تلك النظرات المتبادلة بين رواد الأعمال من كلا المنطقتين فتحت الباب أمام تساؤل هام هل يتحدد نجاح رائد الأعمال بالمكان المتواجد فيه والتسهيلات التي تُمنح له أم هناك عوامل أخرى تلعب دور حيوي في ذلك النجاح؟
حظ أم بيئة مناسبة
حقق قطاع ريادة الأعمال في منطقة الخليج تقدمًا ملحوظًا خلال الخمس سنوات الأخيرة، خاصة بدولتي الإمارات والسعودية، فقد ظهرت في المملكة العديد من المسرعات والحاضنات وبرامج ريادة الأعمال لمساعدة الشركات الناشئة ورواد الأعمال على اكتساب المعرفة وزيادة الإنتاجية وإقامة العلاقات، وعلى الرغم من أنه لا يزال من الصعب على الشركات الناشئة السعودية جذب انتباه أصحاب رأس المال الاستثماري، فهناك على سبيل المثال صندوق الابتكار في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية هو منظمة لتمويل المشاريع تركز على الشركات الناشئة والشركات الناشئة. إنهم مهتمون بالتكنولوجيا المالية، وتكنولوجيا الطاقة الشمسية، والتكنولوجيا المالية، وتكنولوجيا البيئة، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وعلوم المواد والكيميائية، والتكنولوجيا الصحية، كما أعلنت دولة الإمارات عن تغييرات في سياسة الهجرة لديها لجذب عدد أكبر من الكفاءات ورواد الأعمال والموهوبين للاستقرار في البلاد، وقامت بتوفير رأس المال في شكل أسهم، وقروض مباشرة، لتشجيع الشركات الناشئة وتحفيز بيئة نشاط ريادة الأعمال.
يرى "يزيد الشامسي"، مؤسس منصة إيجاري، السعودية، التي تُقدم خدمة إستأجر الآن وادفع لاحقًا للإيجارات السكنية أن نظرة بعض رواد الأعمال من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن أن ما يُقال عن أن رواد الأعمال الخليجيين يتمتعون بسهولة الوصول للتمويل والتكنولوجيا المتقدمة على عكس بعض من رواد الأعمال الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعتبر صحيحة نسبيًا بحكم وجود العديد من الصناديق الجديدة والدعم الحكومي في منطقة الخليج، مما يجعل توافر الأموال والمستثمرين في الخليج أكثر من المنطقة لكن ...هذا لايعني أن عملية جمع الإستثمار أسهل لكن كثرة الموارد والمستثمرين يخلق توافر الخيارات لرواد الأعمال.
يوضح تقرير Global Entrepreneurship Monitor لعام 2022/2023، أن أعلى مستوى من الاستثمار غير الرسمي كان في منطقة الخليج، حيث يستثمر 12% من البالغين في السعودية عادةً حوالي 7.200 دولار لكل منهم في شركة ناشئة، ويستثمر 9% من البالغين في قطر عادةً حوالي 8.200 دولار لكل شركة ناشئة، كما شهد الخليج استخدام المزيد من التقنيات الرقمية للبيع والتجارة.
من جهته يوضح "مصطفى المصري"، مؤسس InPartners، المصرية، أن دول الخليج تتمتع بموارد طبيعية أكثر وفرة، مثل النفط والغاز، والتي تولد إيرادات كبيرة وتسمح لها بالاستثمار في البنية التحتية والتعليم والابتكار، كما تتمتع دول الخليج أيضًا ببيئات سياسية وأمنية أكثر استقرارًا، مما يجذب المستثمرين والشركاء الأجانب، وتخلق هذه العوامل ظروفاً مواتية لريادة الأعمال والابتكار في منطقة الخليج.
يضيف: "أنه قد شهدت دول الخليج العربي، مثل السعودية والإمارات وقطر، نموًا اقتصاديًا كبيرًا وتنوعًا، أدى إلى تطوير أنظمة مالية قوية وخلق فرص استثمارية متنوعة، حيث أنه غالبًا ما تمتلك هذه البلدان صناديق ثروة سيادية، والتي يمكن أن تكون مصدراً لرأس المال لرواد الأعمال المحليين، بالإضافة إلى ذلك، يُمكن للحكومات في هذه المناطق أن تُدعم بنشاط ريادة الأعمال من خلال مبادرات وسياسات مختلفة، كما أنه قد استثمرت دول الخليج بكثافة في بناء البنية التحتية التكنولوجية المتقدمة، بما في ذلك الإنترنت فائق السرعة، ومرافق البحث، ومراكز الابتكار، وهذا يمكن أن يوفر لرواد الأعمال في الخليج إمكانية الوصول إلى أحدث التقنيات والخبرات، مما يمنحهم ميزة تنافسية".
أما "رانيا كنجي"، رائدة الأعمال السورية، ومدير RANIA KINGE، والتي تعمل شركتها في مجال الاكسسوارات والمنتجات اليدوية، فهي تقول :"لا يوجد تمويل أو تشجيع لريادة الأعمال في الخليج، فعندما حاولنا العمل في السوق الخليجي طلب منا بعض المنشآت التجارية وضع منتجاتنا بضفة أمانة، وعند البيع يحولون الأرباح لنا وذلك لا يشجع ريادة الأعمال، وكذلك الإيجارات والخدمات أسعارها مرتفعة جدًا في الخليج على عكس منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". –بحسب قولها –
تحديات مشتركة
قد تختلف الفرص أمام رواد الأعمال طبقا لبعض المعايير والظروف العامة ولكن... بالتأكيد يظل هناك عقبات تواجههم بكلا المنطقتين، في منطقة شمال إفريقيا لا يزال الإنفاق على البحث والتطوير محدودًا، وتدفعه الحكومة في الغالب، وفي حين ينفق كبار المبدعين أكثر من 1% من ناتجهم المحلي الإجمالي على البحث والتطوير، فإن بلدان شمال أفريقيا تنفق أقل من 1% على البحث والتطوير. أنفقت الولايات المتحدة واليابان 3.45% و3.25% على التوالي، بينما أنفق الاتحاد الأوروبي 2.2% في عام 2021، وأنفقت تركيا باعتبارها مبتكرًا إقليميًا رائدًا 1.09% في عام 2022، ولم تتمكن المنطقة من كسر معيار 1%. في عام 2022، أنفقت تونس 0.71% من ناتجها المحلي الإجمالي على البحث والتطوير (بإجمالي 750 مليون دولار)، وأنفق المغرب 0.71% (بإجمالي 2 مليار دولار)، وأنفقت مصر 0.72% (بإجمالي 8.8 مليار دولار)، يمكن للقطاع الخاص أن يكون محركًا مهمًا للابتكار لكن... القطاع في المنطقة لا يزال يواجه عقبات مختلفة تؤثر على قدرته على العمل والنمو، على الرغم من أنه قد سعت الحكومات إلى تشجيع صعود الشركات الناشئة من خلال إنشاء أطر قانونية ومؤسسية محددة للمساعدة في نموها، وقد طورت كل من المغرب وتونس ومصر والجزائر تدابير طموحة للشركات الناشئة لدعم الحاضنات وتحفيز الأفكار الجديدة.
يعود "يزيد الشامسي"، ليشير إلى أن إحدى المشاكل التي يواجهها رواد الأعمال في المنطقة هي جذب المواهب والاحتفاظ بها، وبالتحديد توظيف الأشخاص المناسبين في قسمي التقنية والمبيعات، في السعودية مقارنة في باقي المنطقة يوجد برامج حكومية مثل برنامج تنمية التقنية الوطني التي توجد له مبادرات تختص بدعم نصف رواتب التقنيين كمساعدة لمسألة جذب المواهب لكن لا أعلم بمبادرات مماثلة في المنطقة.
يرى "مصطفى المصري" أنه ليس من العدل الافتراض أن جميع رواد الأعمال الخليجيين يتمتعون بسهولة الوصول إلى التمويل والتكنولوجيا المتقدمة، أو أنهم لا يواجهون أي تحديات أو منافسة، لا يزال هناك العديد من العوائق والفجوات في بيئة ريادة الأعمال في منطقة الخليج، مثل الأطر التنظيمية، والمعايير الثقافية، وحجم السوق، ورأس المال البشري، علاوة على ذلك، هناك العديد من الأمثلة لرواد الأعمال الناجحين من أجزاء أخرى من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذين تغلبوا على هذه التحديات وتمكنوا من خلق حلولًا مبتكرة لأسواقهم المحلية والعالمية.
النجاح في عالم ريادة الأعمال لا يعرف الحظ او الصدف، فعملية الاستثمار تعتمد بالنطاق الأول على الإبداع وتقديم منتجات وخدمات جديدة مُبتكرة تستطيع المنافسة في السوق وتحقيق أرباح مناسب تُتيح الاستمرار والنمو، لذلك يخطئ من يظن أن الحظ قد يصنع رائد أعمال ناجح أو يسمح لشركة ناشئة تحقيق إيرادات ودخول السوق وجذب عملاء، يمتلك رواد الأعمال في الخليج فرص تمويلية لكنها في نفس الوقت تذهب لمن يستحقها ولديهم قدرة على الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة، وفي نفس الوقت يمتلك رواد الأعمال بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سوق تجاري واسع يتميز بعدد كبير من المستهلكين ومُتعطش لكل ما هو جديد، يستطيع رواد الأعمال من كلا الطرفين التعاون للاستفادة من المزايا التي يوفرها كل سوق للأخر، حيث أن تسهيل الوصول للتمويل الخليجي أمام رواد الأعمال من خارج الخليج يقابله سوق تجاري مفتوح بالشمال الإفريقي أمام رواد الأعمال الخليجيين يسمح لهم بتوزيع منتجاتهم وتقديم خدماتهم لمئات الملايين من المستهلكين.