دور مؤتمر الأطراف (COP28) في تحفيز قطاع التكنولوجيا النظيفة في المنطقة
تصدّرت أخبار الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، التي تُقام هذا العام في دولة الإمارات العربية المتحدة، معظم العناوين الرئيسية، حيث تم الإعلان عن تمويلات بقيمة مليارات الدولارات، كما تم إطلاق مسرّعات ومبادرات جديدة مخصصة لتمكين مستقبل التكنولوجيا النظيفة خلال فعاليات المؤتمر الذي انطلق في دبي في 30 نوفمبر.
وكان المشهد مماثلاً في دورة العام الماضي التي أقيمت في مصر والتي شهدت زخماً قوياً في حجم التعهدات الهادفة إلى توجيه العالم بعيداً عن الوقود الأحفوري ونحو مستقبل أكثر استدامة.
ولطالما كان لموضوع التكنولوجيا حصة الأسد من هذه النقاشات، باعتبارها إحدى الوسائل المحورية التي يمكن من خلالها تقليل انبعاثات الكربون واعتماد ممارسات أكثر استدامة.
وعلى الصعيد العالمي، حظيت الشركات الناشئة باهتمام واستثمارات كبيرة خلال فعاليات المؤتمر، حيث تم الاعتراف بها كلاعب رئيسي في مستقبل خالٍ من الكربون. أما على المستوى الإقليمي، فكانت الأهمية التي يوليها مجتمع الاستثمار لمجال التكنولوجيا النظيفة أقل نسبياً.
وعلى الرغم من ارتفاع الاستثمار في الشركات الناشئة التي تركز على الاستدامة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنها لم تستقطب نفس الشغف أو اهتمام المستثمرين الذي حظيت به قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية.
وسيطرت مجموعة قليلة من الجهات المؤثرة على الجزء الأكبر من قيمة الاستثمار في مجال التكنولوجيا النظيفة، الذي نعرّفه على أنه أي شركة ناشئة تعتمد الاستدامة كركيزة أساسية لعملها، سواء كانت شركات ناشئة في مجال الطاقة النظيفة أو التكنولوجيا الزراعية أو نفايات الطعام أو الاقتصاد الدائري.
وفي عام 2021، تمكنت 27 شركة ناشئة فقط في مجال التكنولوجيا النظيفة والتكنولوجيا الزراعية من جمع استثمارات بقيمة إجمالية بلغت 182 مليون دولار. وارتفع هذا الرقم في عام 2022، حيث جمعت 56 شركة ناشئة مبلغ 652 مليون دولار، بنسبة نمو في قيمة الاستثمار وصلت إلى 258%. ويعود ذلك في الغالب إلى صفقتين كبيرتين، بقيمة 400 مليون دولار، جمعتها شركة "يلو دور إنيرجي" في دولة الإمارات وجولة "بيور هارفست" بقيمة 181 مليون دولار. واستحوذت الشركات الناشئة المصرية على الجزء الأكبر من الصفقات في مجال التكنولوجيا الزراعية، بينما أصبحت الشركات الناشئة اللبنانية أكثر نشاطاً في مجال الطاقة بفضل مركز ابتكارات الطاقة/مركز الابتكار في مجال الطاقة، الذي يقدم منحاً صغيرة بقيمة 12 ألف دولار لكل من الشركات الناشئة المشاركة.
وحتى الآن، تم جمع 15.6 مليون دولار فقط عبر 46 صفقة هذا العام، مما يمثل تباطؤاً كبيراً في حركة الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة.
ولا يزال القطاع يعتمد بشكل كبير على المنح والمسرّعات، حيث تمثل شركات مثل بيبسيكو ومركز الابتكار في مجال الطاقة "إنيرجي إنوفيشن هب" و"فلات 6 لابس"المستثمرين الأكثر نشاطاً في المنطقة عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا النظيفة.
ويكمن جزء من المشكلة في عدم وجود مستثمرين ناضجين يركزون على الاستدامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولا تزال معظم مجالات الاستثمار في المنطقة تتمحور حول قطاعات مثل التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية والبرمجيات كخدمة والخدمات اللوجستية. ومع ذلك، استثمر المستثمرون الإقليميون حوالي 5 مليارات دولار في حلول تكنولوجيا المناخ العالمية وفقاً لتقرير حديث صادر عن شركة برايس ووترهاوس كوبرز.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال الدكتور يحيى عنوتي، الشريك في شركة استراتيجي& الشرق الأوسط وقائد قسم الاستدامة في بي دبليو سي الشرق الأوسط: "يقود حركة الابتكار في مجال تكنولوجيا المناخ في الشرق الأوسط بعض رواد الأعمال الأكثر ديناميكية في المنطقة، حيث يدعمون التقنيات الجديدة لتسريع الوصول إلى الحياد الصفري. وبينما يعمل اللاعبون في الشرق الأوسط على زيادة الإنفاق على تكنولوجيا المناخ على مستوى العالم، يمكنهم بذل المزيد من الجهد لتمويل وتمكين رواد الأعمال المحليين، الذين قد يمثلون الحلقة المفقودة في استراتيجيتهم".
وينصح الدكتور عنوتي الحكومات والشركات بلعب "دور حيوي" من خلال إنشاء صناديق متخصصة وعقد اتفاقيات شراء وتعزيز الطلب وتقليل مخاطر الاستثمار.
وكان نمو التمويل في عام 2022 جزءاً من فترة ازدهار عامة في مجال الاستثمار في قطاع الشركات الناشئة، في حين يتماشى التباطؤ هذا العام مع الانخفاض العام في تمويل الشركات الناشئة في جميع أنحاء العالم. ويبقى أن نرى ما إذا كان مؤتمر الأطراف (COP28) سيكون له تأثير على الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة في المنطقة. وإذا عدنا إلى تجربة مصر كدليل، فمن المرجح أن يكون هناك المزيد من الشركات الناشئة التي يتم تأسيسها، ولكن من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى تحريك مؤشر التمويل بشكل كبير.
ومع ذلك، فإنه مع مرور كل عام، تصبح الحاجة إلى الحدّ من انبعاثات الكربون أكثر إلحاحاً. ويعد الوعي المتزايد والاستثمارات الأولية بالكثير، ولكننا بحاجة إلى المزيد من الدعم المخصص والمستثمرين للحفاظ على مبادرات التكنولوجيا النظيفة وتوسيع نطاقها. ولا تقتصر أهمية نجاح الشركات الناشئة التي تركز على التكنولوجيا النظيفة والاستدامة على الحفاظ على البيئة فحسب، بل تشير أيضاً إلى التزام المنطقة بتنويع اقتصادها وتعزيز الابتكار. وعلى هذا النحو، فإن مستقبل التكنولوجيا النظيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعتمد على الجهود المتضافرة من المستثمرين والحكومات والقطاع الخاص لدعم هذا المجال الحيوي.