هل سيؤثر انضمام السعودية والإمارات ومصر إلى مجموعة "البريكس" على أنشطة شركاتهم الناشئة؟
سينعكس انضمام الإمارات والسعودية ومصر إلى مجموعة "البريكس" على اقتصادهم ونشاط شركاتهم الناشئة خلال الفترة القليلة المقبلة.. لا بل ستقطف تلك الدول ثمرات الانضام خلال 10 سنوات على الأقل.. الأمر ليس كذلك بل بسبب بعض الظروف والتحديات الدولية والاقتصادية ربما لن تتمكن "البريكس" من تنفيذ بعض خططها المُعلنة وربما لن تُقطف الثمار المثمرة المُنتظرة... كل ما سبق كان أراء متعددة ووجهات نظر مختلفة ظهرت على السطح عقب إعلان رئيس جنوب أفريقيا "سيريل رامافوزا" ورئيس قمة "البريكس 2023"، والتي انعقدت في أواخر شهر أغسطس من العام الحالي، قبول طلبات انضمام الدول العربية الثلاثة للمجموعة – والتي ستدخل حيز التنفيذ في يناير 2024- وبما أن دول البريكس تُشكل ما لا يقل عن ثلث الاقتصاد العالمي، فبالتأكيد لها تأثير تجاري واقتصادي واسع، وبما أن الشركات الناشئة تمثل غالية المؤسسات التجارية حول العالم بحوالي 90% من إجمالي الشركات وأكثر من 50% من العمالة في جميع أنحاء العالم، وتساهم بما يصل إلى 40% من الدخل القومي في الاقتصادات الناشئة، فبالطبع سينعكس قرار انضمام الدول الثلاث للبريكس على نشاط المشاريع الناشئة ورواد الأعمال وخططهم التوسعية، حتى إذا لم تظهر تبعاته خلال الفترة المقبلة فأنها ستتضح بشكل أكثر قرباً خلال المستقبل.
حتى نرى الصورة بشكل أكثر وضوحاً التقت "ومضة" مع عدد من رواد الأعمال للتعرف على تعليقاتهم بخصوص تأثير انضمام بعض من دول المنطقة العربية على شركاتهم الناشئة.
ما هي البريكس؟
تُعرف مجموعة "البريكس" نفسها على موقعها الرسمي بأنها مجموعة من الدول التي تضم البرازيل وروسيا و الهند والصين وجنوب أفريقيا، عُقد الاجتماع الوزاري الأول لمجموعة البريكس في 20 سبتمبر 2006 على هامش جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ثم توالت سلسلة من الاجتماعات هدفت لتنسيق الجهود الاقتصادية والتجارية بين تلك الدول.
في عام 2023، بلغت المساهمة الاقتصادية الجماعية لدول البريكس الحالية نسبة مذهلة بلغت 31.7% من الاقتصاد العالمي، وهي قفزة من 18% في عام 2011. وتشير أحدث التقارير إلى أن هذه المساهمة قد تصل إلى 50% بحلول عام 2030، مما يعكس النفوذ الاقتصادي المتصاعد لمجموعة البريكس، وما يترتب على ذلك من مزايا مالية وتجارية تقول أنها تقدمها للدول الأعضاء.
وتتمتع دول البريكس مجتمعة بإجمالي ناتج محلي يتجاوز 27 تريليون دولار أمريكي، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 3 مليارات نسمة، وهو ما يمنح الشركات الناشئة والقطاع الخاص بالدول العربية المنضمة حديثا لها إمكانية الوصول إلى قاعدة عملاء أوسع لسلعها وخدماتها، وتمثل ما يقرب من 46% من سكان العالم، وحوالي 29% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بالقيمة الاسمية، و37% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بتعادل القوة الشرائية.
أما عن ذراع المجموعة المالي تقول صحيفة "فاينانشال تايمز" أنه قد أنشأت دول البريكس بنك التنمية الجديد في عام 2015 كبديل لبعض المؤسسات المالية الدولية، والذي يتخذ من مدينة "شنغهاي" الصينية مقراً له، وقد أقرض البنك 33 مليار دولار لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة، وقام بضم دول من خارج البريكس، مصر وبنغلاديش والإمارات كأعضاء إضافيين.
البريكس والشركات الناشئة
قد يتضح لنا الدور الذي من الممكن أن تقوم به "البريكس" للشركات الناشئة ورواد الأعمال أو على الأقل بدء تخطيطهم للعب دور هام نحو اجتذاب الكفاءات الريادية الشابة من الدول الأعضاء، من خلال ما نشره الموقع الرسمي لـ "البريكس" خلال شهر أغسطس الماضي، وتحدث عن مخطط الهند لإطلاق منتدى البريكس للشركات الناشئة هذا العام من أجل تعزيز التعاون وتبادل المعرفة بين المستثمرين والحاضنات ورجال الأعمال الطموحين، وفقاً لوزير التجارة والصناعة الهندي "بيوش جويال"، تهدف هذه المبادرة إلى البناء على نجاح برنامج Startup India، وهو برنامج حكومي ساهم في تسهيل إنشاء حوالي 100.000 شركة ناشئة في البلاد، حيث سيكون المنتدى بمثابة منصة للشركات الناشئة من دول "البريكس" للالتقاء وتبادل الأفكار والخبرات. ومن خلال تبادل أفضل الممارسات والأفكار المبتكرة، يهدف المنتدى إلى تسريع النمو والتطوير داخل النظام البيئي للشركات الناشئة في البلدان الأعضاء.
يقول الدكتور "طارق بن هندي"، الشريك الرئيس في غلوبال فينتشرز، - في تصريحات خاصة لـ "ومضة" - أن تنفيذ أحكام اتفاقية البريكس أمراً إيجابياً للغاية بالنسبة للشركات الناشئة العربية، حيث من خلال الانضمام إلى المجموعة ستكون بلدان المنطقة جزءاً من النادي المسؤول عن ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي - 27.6 تريليون دولار - وحوالي نصف سكان العالم، حيث ستفتح الاتفاقية أسواقًا جديدة وتسهل التجارة بين أعضائها وتخلق فرصاً تجارية متعددة، وبينما تعمل الحكومات معاً لتنفيذ هذه الأحكام، يمكننا أن نتوقع طرقاً جديدة للمعاملات بين الشركات وبعضها البعض وبين الشركات والمستهلكين، لتتمكن الشركات الناشئة العربية من متابعة الفرص المُربحة في بعض أكبر الأسواق وأكثرها ديناميكية في العالم.
من جهته يشير المهندس "محمد الكاف الهاشمي"، رائد الأعمال الإماراتي، والشريك المؤسس لـ "إسلاميك كوين" هي عملة رقمية متوافقة مع الشريعة الإسلامية مبنية على تقنية البلوكتشين - إلى أن الفرصة التي تتيحها "بريكس" أمام الشركات الناشئة تتمثل في الاحتياطي النقدي لهذه الشركات، حيث يكون دائماً مدعوماً بغطاء من الذهب أو الفضة أو غيرها من الأمور مثل النفط أو المواد الخام أو المعادن، وهذا الأمر هو ما يعزز قوة الشركات الناشئة ويمنحها الثبات والاستدامة لتحقيق النمو وتقليل المخاطر، أمر إيجابي أخر لهذه الاتفاقية يتمثل في سهولة التسويات المالية والتجارية المتبادلة بين الشركات والمدفوعات العابرة للحدود.
يوضح الموقع الرسمي لـ "البريكس" أن قرار الهند إطلاق هذا المنتدى يعكس الإلتزام بتعزيز الشراكات الدولية وتشجيع ريادة الأعمال، فمن المتوقع أن يؤدي التعاون بين دول البريكس في قطاع الشركات الناشئة إلى زيادة فرص الاستثمار، ونقل التكنولوجيا، وتبادل المعرفة، وسيمكن منتدى البريكس للشركات الناشئة المستثمرين من استكشاف سبل الاستثمار المحتملة عبر الدول الأعضاء واكتساب رؤى قيمة حول النظم البيئية للشركات الناشئة المحلية، كما ستوفر للحاضنات منصة للتواصل مع الشركات الناشئة ومشاركة الموارد وتقديم التوجيه والإرشاد.
من جانبه يتوقع "محمد الماجد"، رائد الأعمال السعودي، والرئيس التنفيذي لشركة الكاف العربية لخدمات التسويق، تأثير مباشر للبريكس على الشركات الناشئة بالدول العربية المُنضة حديثاً للمجموعة من حيث تسهيل التعاملات البنكية بين شركات الدول الأعضاء، وزيادة التعاون في مجال تقديم الشهادات المتخصصة للشركات المصنعة، مع تقديم تسهيلات لشركات تقنيات الثورة الصناعية الرابعة المماثلة لتلك الموجودة في أوروبا أوأمريكا كتقنية الذكاء الإصطناعي والبيانات الكبيرة وأشباه الموصلات والكمبيوتر الكمي، فضلاً عن التعاون بين الشركات في معارض مصاحبة لمؤتمرات البريكس الرسمية والفرعية، مما سُيمكن الشركات الناشئة ورواد الأعمال من توسيع نطاق العمل بين شركات الدول الأعضاء.
قد يتيح تعميق التبادل التجاري وتفعيل التعاون الاقتصادي بين دول المجموعة تأثير مباشر على الشركات الناشئة بالإمارات والسعودية ومصر، حيث وصل إجمالي عدد سكان دول المجموعة أكثر من 3 مليارات و670 مليون نسمة أي ما يقارب نصف سكان العالم، وهو ما يخلق قوة شرائية ضخمة وسوق واسع ضخم لمختلف المواد الصناعية والإنتاجية، ويفتح فرص واعدة أمام رواد الأعمال ويزيد من فرص الابتكار والتطوير بالمشاريع الناشئة في دول المجموعة خاصة دولتي الإمارات والسعودية اللتان تعملان بقوة بالفعل لتنويع اقتصادهما من الاعتماد على النفط إلى بدائل أخرى متعددة أبرزها جذب الكفاءات والمواهب الريادية، ربما يمكن أن تكون سياسة السوق المفتوح أبرز الفرص لتحقق من خلالها كلتا الدولتان إنطلاقة اقتصادية عالمية واسعة، حيث تشير "البريكس" عبر موقعها الرسمي الذي دشن خلال 2023، توفر استراتيجية الشراكة الاقتصادية لدول البريكس الأساس لتعزيز التفاعل والتعاون الاقتصاديين داخل دول البريكس، بما في ذلك فرص الوصول إلى الأسواق وتسهيل الروابط بين الأسواق، وتعزيز التجارة والاستثمار المتبادلين، وخلق بيئة صديقة للأعمال وتنويع التجارة والاستثمار. التعاون الذي يدعم إضافة القيمة، وما يشير إلى ذلك هو موافقة مجموعة البريكس على تعزيز التعاون في القطاعات التحفيزية مثل الطاقة؛ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ العلوم والتكنولوجيا والابتكار؛ زراعة؛ والاقتصاد الأخضر.
رأى البعض أن القمة قد بدأت في الاقتراب من تطبيق قراراتها السابقة بإجراء التبادلات التجارية بين الدول الأعضاء بالعملات المحلية، وذلك ما أوضحه رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، خلال كلمته الختامية التي استعرض فيها مخرجات قمة "البريكس" لعام 2023، والذي أكد أنه قد وافقت القمة على تكليف وزراء مالية البريكس و/أو محافظي البنوك المركزية، حسب الاقتضاء، بالنظر في مسألة العملات المحلية وأدوات ومنصات الدفع وتقديم تقرير إلى قادة البريكس بحلول القمة القادمة.
"محمد الفقي"، مؤسس Symbl، فيوضح أن "البريكس" يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الشركات الناشئة، بحسب السياق والصناعة من خلال إتاحة بعض الفرص المحتملة، كزيادة فرص التوسع العالمي، التي قد تمنح شركات ريادة الأعمال الفرصة للوصول إلى أسواق جديدة ومتنوعة في دول المجموعة هذا يمكن أن يزيد من نطاق أعمالهم ويقلل من التوجه نحو الاعتماد على سوق واحد، فضلاً عن ستتاح الفرصة أمام الشركات الناشئة لبحث عن فرص لجذب التمويل من دول "البريكس"، سواء من مستثمرين أو صناديق استثمار نشطة في هذه الدول.
أضاف" الفقي": "تتيح اتفاقية BRICS فرصاً للتعاون التقني وتبادل الخبرات في مجالات مثل التكنولوجيا والابتكار، مما يُمكن أن يفتح الباب أمام الشركات الناشئة العربية للاستفادة من تلك التقنيات المُتطورة، كما تمنح الاتفاقية فرصاً لرواد الأعمال للتعاون في مشاريع استراتيجية مع شركات من دول المجموعة، مما يمكن أن يعزز من قدرتهم على تقديم منتجات وخدمات مبتكرة، ويسهل التواصل بين رواد الأعمال بتلك الدول ويساعدهم على بناء علاقات دولية قوية والتعرف على شركاء وفرص جديدة.، أيضاً سيكون هناك فرص أمام الشركات الناشئة العربية لإيجاد فرص استثمارية وتمويلية من خلال الدول "البريكس"، مما ينعكس على تنويع مصادر التمويل والاستثمار بدلاً من الإعتماد على فقط صناديق استثمار رأس مال مخاطر المتعارف عليها.
معوقات أمام البريكس
تمثل "البريكس" فرص عديدة ربما تأتي في المستقبل، وقد تكون التحديات والمعوقات التي قد تواجهها خلال المستقبل تحد من الاستفادة الكاملة من تلك الفرص الاقتصادية التي يأملها بعض رواد الأعمال، أشار تقرير بعنوان "البريكس والإمارات: مشاركة ديناميكية جديدة مع الاقتصادات الناشئة" نشره مركز الإمارات للسياسات في سبتمبر 2023، إلى أن المراقبين للعناصر العديدة للقوة المحتملة داخل مجموعة "البريكس" وجدوا أنه لا يوجد سوى القليل من التماسك الاقتصادي بين جميع أعضاء المجموعة القدامى والجدد، كما يواجه بعض الأعضاء عدة تحديات اقتصادية، ويتناقض هذا بشكل حاد مع الرخاء المتزايد في دول مثل الإمارات والسعودية والثقل الاقتصادي الكبير الذي تمثله الصين داخل المجموعة، خاصة أن ازدهار الصين يعتمد إلى حد كبير على العلاقات القوية للدولة الآسيوية مع أوروبا والولايات المتحدة، وليس العلاقات الداخلية أو المتعددة الأطراف مع زملائها أعضاء مجموعة البريكس، لذلك تحتاج مجموعة "البريكس" إلى إعداد نفسها للعديد من الإصلاحات المؤسسية، وبناء الإجماع الجماعي، والتسويات بين الدول الأعضاء.
يضيف الدكتور "بن هندي" أن التطبيق ليس مثل الاستخدام، حيث تحتاج الشركات الناشئة إلى التفكير بشكل استراتيجي حول فرص النمو الجديدة المعروضة، وأفضل السبل لمتابعتها، لذلك من الضروري أن تقرر أي الأسواق يجب أن تعطي الأولوية؛ فهل ينبغي لها - على سبيل المثال – أن تمنحها لعضوا كبيراً جداً مثل الهند أو أسواق أصغر حجماً، ولكنها مع ذلك نابضة بالحياة، في المجموعة.
لذلك يرى أن الشركات ستحتاج إلى النظر فيما إذا كانت قد حققت "ملاءمة المنتج للسوق" في تحسين سلعها وخدماتها لجماهير مستهدفة واسعة، وبدلاً من ذلك، هل ينبغي "إضفاء الطابع المحلي" على المنتجات لتحقيق توافق إيجابي؟ إذا كان الأمر كذلك، ما هي الفروق الفريدة لكل سوق والتي من شأنها أن تساعد في توطين المنتج؟، ولا ينبغي أن نغفل أنه من المهم أيضاً تحديد أصحاب المصلحة الرئيسيين، وإقامة شراكات مع الشركات المحلية.
يدعو" الهاشمي" الشركات الناشئة بالدول العربية المُنضمة حديثاً إلى "البريكس" أن تركز بشكل كبير على عمليات التطوير المستمر لأنظمتها وكوادرها وكل نشاطاتها من الناحية التقنية والمالية، فالعالم اليوم يشهد تطورات وتغيرات كبيرة ومتسارعة في الجوانب التقنية والمالية، ويحذر من أنه قد حدث في السابق انهيار الكثير من الشركات الكبيرة واختفائها من الأسواق؛ بسبب عجزها وتأخرها عن مواكبة التطورات الحديثة والتغيرات في طرأت على الأنظمة المالية العالمية، هذا الفشل في مواكبة التطورات وتبني الأنظمة الحديثة له تداعياته السلبية على نمو الشركات واستدامته.
بينما يرى "الماجد" بأن أهم التحديات التي قد تعيق استفادة الشركات الناشئة العربية من "البريكس" تتمثل في عقبات التعامل مع شركات أوروبية أو أمريكية في مجال الطاقة النظيفة والتقنية المتقدمة من أشباه الموصلات وتقنيات الكمبيوترات الكمية.
من جهته يوضح "الفقي" أنه يجب على الشركات الناشئة أن تكون حذرة وتقوم بإجراء البحوث والتقييمات اللازمة لفهم كيفية تطبيق هذه الفرص على نمو أعمالهم وكيفية التعامل مع التحديات المحتملة، مثل القوانين واللوائح والثقافة التجارية في دول "البريكس".
بالتأكيد تستفيد الشركات الناشئة من التعاون الاقتصادي والعلاقات التجارية سواء كانت اقليمية أو دولية، فهي تفتح أمامهم أسواق جديدة وقوة شرائية لتسويق منتجاتهم وتوسيع نطاق أعمالهم، وهو ما يتحقق بزيادة الصادرات لأقصى حد ممكن، وهو ما يستوجب من الجهات الرسمية التركيز على مساندة رواد الأعمال ليتمكنوا من زيادة قواهم وقدراتهم الإنتاجية والصناعية، بالإضافة لتدريب كوادرهم الإدارية والقانونية على أبرز اللوائح والقوانين التي تنظم عمل "البريكس"، وهو ربما ينعكس بدوره على تحقيق استفادة اقتصادية من الانضمام إلى "البريكس".