كارزاتي: التخارج الواقعي
على الرغم من أن سوق السيارات المستعملة تتعدى قيمتها 16 مليار دولار أمريكي في دول مجلس التعاون الخليجي فقط، فإنها تُعدُّ قطاعًا شديد التجزئة تتكون معظمها من موزعين صغار وأفراد يبيعون سياراتهم على منصات مثل دوبيزل Dubizzle أو فيسبوك، وقد ظهرت عديد من الشركات الناشئة في جميع أنحاء المنطقة في محاولة لإحداث اضطرابات في القطاع، لكن شركة كارزاتي Carzaty التي تأسست في 2018 في عُمان على يد حسن جعفر ومروان شعار أصبحت هدف استحواذ لمنصة كافاك Kavak المكسيكية المتخصصة في بيع السيارات المستعملة، التي وصل آخر تقييم لها إلى 8.7 مليارات دولار.
وقد يبدو التخارج -بعد مرور أربع سنوات على إطلاق الشركة- قصةَ نجاح سريعة، لكن من وجهة نظر جعفر وشعار أن هذه القصة تتخللها عدة إخفاقات وكثير من الضغوط، فعندما بدأ الشريكان إطلاق أعمال الشركة في مسقط ونجحا في تأمين تمويل بقيمة 2.3 مليون دولار في جولة البذرة في 2018، كان مسار النمو ثابتًا وراسخًا ويركز على اقتصادات وحدة سليمة ومسار ربحية ثابت، وكارزاتي منصة سيارات مستعملة بدأت رقميًّا ونجحت في إثبات شهرتها، وكانت المرحلة التالية هي التوسع في الإمارات، وقد كان من المفترض أن يكون تاريخ الإطلاق في مارس 2020، لكن بسبب انتشار الجائحة "انهار كل شيء" بحسب ما ذكر شعار.
أنهت الشركة عملياتها في دبي قبل الإطلاق، وهو ما دفع الشركة بأكملها إلى منح العاملين إجازة مؤقتة وتقليص حجم الأعمال بنسبة 30 %.
يقول شعار: "دخلنا في فترة الحجر الصحي واحتجنا إلى جمع رأس مال للطوارئ، لكن بعد انتهاء كوفيد وجدنا أن العالم قد تغير، ووصلت مبيعات السيارات المستعملة إلى أعلى مستوياتها، وكنا في وضع جيد مَكننا من استغلال ذلك مع اقتصاديات وحدة جيدة للغاية، ولم نكن نؤسس شركة أحادية القرن، بل عملًا تجاريًّا يحقق مبيعات تتراوح ما بين 100 مليون دولار إلى 200 مليون دولار في المنطقة".
هذه العقلية التي تركز على المسار إلى الربحية والحفاظ على حس واقعي بقيمة الشركة وتوقعاتها هو ما سمح للشريكين بالاستمرار، لكن الأمر لم يكن سهلًا.
يقول شعار: "رفضتنا كل مؤسسات رأس المال المخاطر تقريبًا في المنطقة، وكانت الملاحظات متشابهة جدًّا، وقيل لنا: "نحن لا نفضل نماذج الأعمال ذات الأصول الثقيلة، ومعدل النمو في شركتكم ليس سريعًا كفاية لجذب مؤسسات رأس المال المخاطر"، وهو أمر حقيقي، لكن نموذج العمل الذي نعتمده في شركتنا نموذجٌ مختلف، فلا يمكنك النمو بالسرعة نفسها التي تنمو بها الشركات التي تتبنى نموذج البرمجيات كخدمة SaaS، وكان تعرضنا للرفض من الجميع مسألة محبطة".
في البداية، راهن صندوق تحوط في الولايات المتحدة على نجاح كارزاتي، وبعد ذلك مكتبي عائلة لهما اهتمامات في مجال السيارات، ثم في الربع الثالث من 2020 بدأت الأمور تبدو أكثر تفاؤلًا لشركتنا الناشئة.
يقول شعار: "عندما انتشرت الجائحة، ظهرت ثلاثة أمور: انهيار نشاط حجز سيارات الأجرة، وانهيار توريد السيارات الجديدة وأصبح عدد السيارات الجديدة في السوق أقل، أما الأمر الثالث فهو أن الأشخاص أصبحوا أقل رغبةً في الانفاق وأصبحت أفضل وسيلة لتوفير النقود هي شراء سيارة مستعملة".
كل ذلك أتاح الفرصة أمام شركة كارزاتي ومنافسيها بسبب تزايد إقبال المستهلكين على شراء السيارات المستعملة بدلًا من الانتظار شهورًا من أجل شراء سيارة جديدة.
في جولتها التمويلية الثالثة، نجحت كارزاتي في الحصول على تمويل بقيمة مليوني دولار أمريكي (تمويل بحقوق ملكية) و4 ملايين دولار (تمويل بالدين) من الحكومة العمانية.
"كان التمويل بالدين قصة نجاح أكبر من التمويل بحقوق الملكية، وقد حصلنا على هذا التمويل بوصفه تسهيلَ دين مدعومًا بالأصول، فلدينا المخزون الذي يسمح بدعم هذا الدين المتوافق مع الشريعة الإسلامية، وهو ما سمح لنا بتوسيع نطاق أعمال الشركة قبل الاستحواذ".
أحد أكبر التحديات التي تواجه تجار التجزئة في مجال السيارات المستعملة هو عدم وجود تمويل سيارات متاح للشركة أو ما يُعرف بالتمويل بشرط السداد بعد البيع Floor-plan financing، والسبب الرئيسي في نقص هذا النوع من التمويل هو انعدام الشفافية والبيانات في السوق وفقًا لوجهة نظر شعار.
ويقول: "إذا أردت شراء سيارة بي إم دابليو الفئة الرابعة، ما السعر الذي أدفعه؟ ومن يحدد هذا السعر؟ في الأسواق المتطورة، نجد معايير تحدد أسعار السيارات المستعملة والسعر يحدده السوق، فهو أمر واضح وشفاف"، لكن هذا غير موجود في المنطقة، "ومن دون هذه البيانات، أنت معرض للفساد والسرقة ونقص الكفاءة، وهو ما يدمر الأعمال التجارية المتخصصة في السيارات المستعملة".
لذلك قرر الثنائي بناء قاعدة بيانات خاصة بهما لتحديد السعر الصحيح للسيارات المتاحة في سوق السيارات المستعملة.
"كل جهودنا كانت تركز على البحث عن حقيقة التسعير، ولا تقتصر بياناتنا على توضيح عدد سيارات بي إم دابليو الفئة الرابعة المتاحة في السوق، بل تبين تاريخ الأسعار أيضًا، ونجمع هذه البيانات من مصادر عامة، وإن كنت على علم بسعر البيع، نضمن لك تحقيق هامش ربح".
استطاعت كارزاتي بناء حزمتها التقنية بالكامل على هذا الغرض الأساسي، وهو الحصول على البيانات والأسعار والاستفادة منها في العمل التجاري، وهو ما منح الشركة "ميزة تنافسية كبيرة".
كان التعارف بين المؤسسين ومؤسس كافاك Kavak كارلوس جارسيا أوتاتي عندما كانوا يجمعون جولة التمويل التي وصلت قيمتها إلى 15 مليون دولار.
"في نوفمبر 2020، تحدثنا مع كارلوس عبر برنامج زووم، وفي ذلك الوقت لم تكن الشركة أحادية القرن، وكانت غير معروفة إلى حدٍ ما، لكنها تسبقنا بعامين. وبعد ذلك بأربعة شهور، تواصل معنا كارلوس وقال لنا "نحن قادمون إلى المنطقة وإما نشتري شركتكم وإما ننافسكم".
تمكنت كافاك من جمع مبلغ ضخم قيمته 1.1 مليار دولار في 2021، وتحولت من كونها شركة ناشئة مكسيكية صغيرة إلى شركة عالمية توسعت في 10 دول، وتمتلك سيولة ضخمة تمكنها من الاستمرار في التوسع والاستحواذ على الشركات الأخرى.
يقول شعار: "أردنا إبرام شراكة مع شركة تعمل في سوق ناشئ، لم يكن هدفنا مجيء شركة أمريكية كبيرة إلى السوق، بل الرغبة في إثبات قدرة الأسواق الناشئة على بناء عمل تجاري دولي بملايين الدولارات، فقد أحببنا التنوع، والثقافة تناسبنا تمامًا ووقعنا كل العقود المبدئية افتراضيًّا".
أتممنا صفقة الاستحواذ وإجراءات العناية الواجبة في شهر رمضان، وقتها كان المؤسسان صائمين ويكافحان الجوع ومستويات الطاقة المنخفضة، ويحاولان التفاوض للحصول على صفقة جيدة لشركتهما، وقد واجهتنا بعض اللحظات العصيبة عندما بدأ الشك يساور المؤسسين بخصوص رغبتهم في البيع، لكن في النهاية استطاعا إدراك قيمة الفرصة المتاحة بين أيديهما، وكان البديل هو التنافس مع كافاك، والشركة الهندية أحادية القرن Cars 24 التي أطلقت أعمالها في الإمارات في سبتمبر 2022.
في حين وُصفت الصفقة بأنها صفقة إدماج، نجحت كافاك في شراء كارزاتي بالكامل مقابل مبلغ لم يُفصح عنه في أكتوبر هذا العام، وحرص شعار على توضيح أنهم تمكنوا من تحقيق عوائد جيدة للمستثمرين، فضخت كافاك 130 مليون دولار في عملياتها في دول مجلس التعاون الخليجي لبناء أكبر تجارة تجزئة في مجال السيارات المستعملة في المنطقة، وتجدر الإشارة إلى أن عمليات كارزاتي شهدت نموًا، فبعد أن كانت الشركة توظف 30 شخصًا أصبحت الآن توظف 120 شخصًا مع توقعات بتعيين 80 آخرين على مدار الشهور القليلة القادمة.
استمر كلٌ من شعار وجعفر في العمل في كافاك، وبعد أن كانا شريكين مؤسسين أصبحا موظفين في شركة أحادية القرن.
يقول شعار: "مستويات الضغط أصبحت أقل بكثير الآن، فأنت لا تشعر بالقلق من نفاد السيولة، وقد عانينا نفاد السيولة مرتين في كارزاتي، لكن ذلك لن يتكرر مرة أخرى، فأنا وحسن أعدنا اكتشاف مهارتنا، فأنت تنتقل من العمل في شركة ناشئة إلى العمل في شركة توسعية وهذه نقلة ذهنية يجب تعلمها".
التوقعات الواقعية لمؤسسي الشركة أحد أسباب نجاح كارزاتي، ويضيف شعار: "كونك مؤسسًا في شركة ناشئة أمر ينطوي على كثير من التحديات، وأسلوب التفكير الذي يركز على إبرام صفقة تخارج بمليار دولار أسلوبٌ خاطئ تمامًا، فعندما تضع توقعات (غير واقعية) لرواد الأعمال، إذا كان هذا هو هدفك، فقد تتعرض للفشل، وتحتاج المنطقة إلى التركيز على التقييمات التي تتراوح ما بين 100 إلى 200 مليون دولار".