هل تنجح منصة نُسُك في إتاحة المزيد من الفرص الاستثمارية أمام الشركات الناشئة السعودية؟
يعتبر قطاع الحج والعمرة من ضمن الركائز الاستثمارية بجانب الدينية التي تعتمد عليها السعودية لتنمية دخلها القومي وتنشيط حركة التجارة الداخلية بالبلاد، حيث يساهم ذلك القطاع بأكثر من 10 مليارات دولار سنوياً في المتوسط، ويصل في بعض الأحيان 12 مليار دولار باقتصاد المملكة، ومن ذلك المنطلق أطلقت السلطات منصة "نُسُك"، التي تعد أول منصة سعودية رسمية تتيح لك خيار التخطيط والحجز للحج والعمرة. فهي تتيح للمسافرين من جميع أنحاء العالم تنظيم وتخطيط جميع تفاصيل زيارتهم بسهولة، بدءاً من التقدم بطلب الحصول على تأشيرة إلكترونية إلى حجز الفنادق والرحلات الجوية. وهنا عندما ننظر للأمر من الجانب الاستثماري فيجب أن نلتفت إلى أنه يمكن لتلك المنصة أن تلعب دوراً هاماً وبناءاً في إقامة جسور تجارية واستثمارية مع الشركات الناشئة بالدولة، والاستعانة بخدمات رواد الأعمال، خاصة أن "نُسُك" تستطيع أن تفتح باب التعاون التجاري أمام مختلف الشركات التي تعمل في عدة مجالات تجارية مثل الضيافة، النقل، الأطعمة والمأكولات، التقنية المالية، والملابس الجاهزة، فضلاً عن إتاحة مزيد من فرص العمل أمام العديد من الكفاءات الوطنية واستقطاب مهارات أجنبية متنوعة من خلال فرص الاستثمار التي يمكن أن يتيحها التعاون بين المنصة والشركات المحلية الناشئة.
إنطلاق منصة "نُسُك"
أعلنت وزارة الحج والعمرة السعودية، خلال شهر سبتمبر الماضي، عن إطلاق المنصة الحكومية الموحدة "نُسُك"، لتكون البوابة السعودية الجديدة لقاصدي مكة المكرمة والمدينة المنورة، بهدف تطوير تجربة ضيوف الرحمن، وتيسيـر إجراءات قدومهم لأداء العمرة والزيارة من جميع أنحاء العالم، وذلك ضمن مبادرات برنامج خدمة ضيوف الرحمن -أحد برامج رؤية السعودية 2030 - حيث تقدم المنصة حزمة واسعة من الخدمات والمعلومات للمعتمرين والزوار تمكنهم من أداء نسك العمرة بيسـر وسهولة، وتساهم في رفع مستوى جودة الخدمات المقدمة، وإثراء تجربتهم الدينية والثقافية، وتنطلق بالتعاون والشـراكة مع الهيئة السعودية للسياحة، وتُمكن الراغبيـن في أداء العمرة أو الزيارة من إصدار التأشيـرات والتصاريح اللازمة, وحجز الباقات والبـرامج إلكتـرونيا، بالإضافة إلى مجموعة من الخدمات الأخرى التـي ستقدم لاحقا ومنها الخرائط التفاعلية، والتقويم المخصص للعروض والأنشطة، والدليل الرقمي لكافة الإرشادات بعدة لغات، والمعلومات والخدمات الصحية إلى جانب تمكيـن مزودي الخدمات من عرض خدماتهم إلكتـرونيا على المعتمرين والزوار، يتفق مع ذلك "عبدالعزيز النهابي" مؤسس شركة eJourney، التي يقع مقرها في المملكة العربية السعودية، وتقدم برامج للسياحة الدينية، الذي يوضح لـ "ومضة" أن "نُسُك" تربط الشركات ومقدمي الخدمات بالجمهور الدولي، مما يمنحهم إمكانية الوصول الفوري إلى السوق. اليوم، كمقدم خدمة ، يمكنك تحويل تركيزك بالكامل نحو إتقان نموذج الأعمال، التسويق، رحلة العميل، وجودة الخدمة، والعمليات، دون العبء الثقيل لبناء وصيانة قناة مبيعات.
أعلن منذ عدة أيام، وزير الحج والعمرة بالمملكة الدكتور "توفيق الربيعة"، في تصريحات نقلها موقع "العربية" أن المنصة تُقدم حاليًا أكثر من 121 خدمة متنوعة لتسهيل إجراءات قدوم ضيوف الرحمن من جميع أنحاء العالم، ولفت إلى أن "نُسُك" تقدم 75 خدمة لقطاع الأعمال، ونحو 45 خدمة لقطاع الأفراد، كاشفًا عن استهداف المنصة لتقديم خدماتها لأكثر من 30 مليون شخص، بالتعاون مع أكثر من 10 آلاف جهة في قطاع الأعمال، والربط والتكامل مع 25 جهة حكومية.
"بلال شبيب"، مؤسس شركةBigitec ، التي تعمنل في مجال تقديم عدد من التطبيقات الإلكترونية ذات الصلة بقطاع الحج والعمرة، يقول:" نُسُك هي خطوة مثيرة ومهمة نحو تبسيط الخدمات للمسافرين من الحج والعمرة. نحن نؤمن بشدة أن الشركات الناشئة مثلنا يمكن أن توفر قيمة حقيقية من خلال التكنولوجيا الحديثة، لذلك فالمنصة يُمكن أن تصبح مركزاً رئيسياً للخدمات والمنتجات التي تنتجها الشركات الناشئة من أجل تحسين جودة وأداء رحلة الحجاج".
استطاعت المنصة التعاون مع عدد من مختلف شركات السياحة الدينية بالمملكة وقدمت برامج وباقات متعددة لمختلف فئات الحجيج والمعتمرين، حيث بدأت بباقات اقتصادية تبدأ من 830 ريال سعودي، وإذا نجحت في التعاون أكثر مع الشركات الناشئة السعودية، خاصة التي تعمل في القطاعات ذات الصلة بمنتجات الحج والعمرة فأنها يمكن أن تقدم المزيد من الباقت المتنوعة وتساهم في إدخال مزيد من الخدمات للمنصة مثل توفير خدمات الإنترنت للزوار والاتصالات بمختلف أنواعها والدفع الإلكتروني، بالإضافة إلى تنويع أماكن الإقامة ووسائل التنقل وإتاحة باقات من الهدايا والتذكارات التي يقبل ضيوف الرحمن على شراءها، وبذلك فالمنصة ستنجح في تشغيل أكبر قدر من الشركات المحلية الناشئة وتقليل النفقات لأقصى حد ورفع كفاءة العمالة المحلية مع توفير مزيد من فرص العمل أمام الشباب.
ليؤكد مؤسس eJourney أن تعدد الأسواق والرؤية المتميزة هي مزايا "نُسُك" الرئيسية التي لا تقدر بثمن والتي يجب أن تستفيد منها كل شركة في قطاع الحج والعمرة، وذلك ما أكده أيضاً "شبيب" الذي أشار إلا أنه كشركة ناشئة ذات مدى وصول محدود وموارد بسيطة، فإن التعاون مع "نُسُك" من أجل الوصول إلى جمهورنا المستهدف أمر ضروري لتحقيق النجاح. نعتقد أن المنصة يُمكن أن تصبح مركزًا رائعًا للمنتجات والخدمات المُبتكرة القيمة التي يستفيد منها زوار الحرمين.
اقتصاد السياحة الدينية
أوضحت دراسة "اقتصاديات السياحة الدينية (الحج) وأثرها على الاقتصاد السعودي"، التي نشرتها مجلة "بالارش" لعلم الآثار، عام 2021، أن اقتصاد السياحة الدينية – الحج والعمرة- يستطيع أن يؤثر بقوة في الاقتصاد السعودي، حيث إن تقليل الاعتماد على النفط يعني أن الدولة ستحصل على دخل أكبر من مصادر متنوعة وزيادة فرص العمل. نتيجة لذلك ، سيزداد إجمالي الدخل القومي، ولأنه مؤشر اقتصادي للتنمية، فإن البلاد ستجتذب المستثمرين الأجانب الذين سيضخون المزيد من الإيرادات في الاقتصاد ، وبالتالي المساهمة في النمو والتطور، ومع تزايد أعداد الزوار الوافدين ، تركز مدينتا مكة والمدينة على تنمية الاستثمارات في السنوات القادمة، بخاصة في قطاعات العقارات وصناعة الضيافة وغيرها من مشاريع البنية التحتية التي ستدعم العدد المتزايد من الزوار الذين يسافرون إلى مكة للحج، حيث يساهم هذا القطاع بحوالي 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
يعود "عبدالعزيز" مؤسسeJourney ويشير إلى أنه خلافًا للاعتقاد السائد، فإن سوق الحج والعمرة عبارة عن محيط شاسع، حيث إنها تفتقر بشدة إلى التمثيل المحلي والخبرة المتخصصة، حيث بلغ حجم ذلك السوق 150 مليار دولار في عام 2022، ومن المرجح أن يتجاوز 350 مليار دولار بحلول عام 2032 ، وفقًا لـ Future Market Insights)).
ساهمت السياحة الدينية بشكل كبير في نمو وتطور اقتصاد المملكة العربية السعودية، حيث يأتي الحجيج والمعتمرين من مختلف أنحاء العالم، مما يعني أنه سيتعين عليهم دفع ثمن الطعام والسكن، في المقابل، يجلبون الدخل الأجنبي الذي يساعد على تحسين الاحتياطيات الأجنبية للبلاد. كما أنها تخلق فرص عمل قصيرة الأجل تساعد على تحسين حياة الناس في السعودية، وتشير الدراسات إلى أن عائدات الخارج من الحج تصل إلى 12 مليار دولار، لذلك ارتفع الدخل المتوقع من قطاع السياحة الدينية بين عام 2019 إلى المتوقع عام 2030، من 10 مليار دولار في 2022 إلى 18 مليار دولار بحلول 2030، وهو ما يؤكد أن منصة مثل "نسك" يمكن أن تلعب دور فعال في بناء جسر بينها وبين الشركات الناشئة ورواد الأعمال يمكنهم من تنمية استثماراتهم والخدمات التي يقدمونها عبر شركاتهم، وهو ما ينعكس بالإيجاب على تنمية الدخل القومي للمملكة ورفع فرص التشغيل بها.
إذا ألقينا نظرة سريعة على الميزانية التقديرية للمملكة خلال عام 2023، فأننا سنكتشف أنه تعكس التقديرات الإيجابية للاقتصاد السعودي للسنة المالية 2023 نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.1٪ ، مدعوماً بنمو الناتج المحلي الإجمالي للأنشطة غير النفطية. وهذا يشير إلى أن القطاع الخاص يواصل قيادة النمو الاقتصادي ومساهمته في زيادة خلق فرص العمل في السوق المحلي، حيث أنه من المتوقع أن يصل إجمالي الإيرادات للعام المالي 2023 إلى حوالي 1،123 مليار ريال سعودي، لترتفع إلى حوالي 1،205 مليار ريال سعودي في العام المالي 2025، نتيجة مساهمة الإيرادات غير النفطية المرتبطة بالنشاط الاقتصادي أبرزها الحج والعمرة، وما يرتبط به من قطاعات مثل تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق مدعومة بارتفاع معدلات الحجاج والمعتمرين، لتنمو صادرات السلع غير النفطية بنسبة 43٪ بنهاية الربع الثاني من العام المالي 2022 مقارنة بالسنة المالية 2021.
تعتبر منصة "نُسُك" فرصة ذهبية أمام الشركات الناشئة السعودية يمكن لرواد الأعمال والجهات الرسمية من خلالها تحقيق مكاسب استثمارية ومجتمعية واسعة، وأيضا يمكن أن تتيح المزيد من الخدمات أمام ضيوف الرحمن وزوار المملكة بأسعار تنافسية وإجراءات سهلة وبسيطة، لتكون تلك المنصة جسر للتعاون المؤثر الفعال بين شباب المستثمرين بالمملكة ومختلف مؤسساتها الاقتصادية ينعكس في النهاية على تنمية الاقتصاد الوطني للبلاد، وتنمية دخلها القومي.