مشكلة الصيدليات الإلكترونية في مصر
استحوذت شركة أمازون في عام 2018 على شركة PillPack الأمريكية الناشئة العاملة في مجال الصيدليات الإلكترونية، في صفقة بقيمة 753 مليون دولار، وحينها كانت لذلك الاستحواذ تداعيات في شتى جوانب قطاع التجارة الإلكترونية. ويشير استعداد أمازون لاستثمار هذا المبلغ الطائل إلى أن سلوكيات المستهلكين كانت تتجه بوضوح نحو شراء الأدوية عبر الإنترنت. وكانت أيضًا هذه الخطوة بمثابة تأييد للعديد من الشركات الناشئة العاملة في مجال الصيدليات الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبدأ قطاع الصيدليات الإلكترونية في مصر يستجمع قواه مع دخول منصتي "شفاء" و"يُداوي" إلى مجال الصيدليات الرقمية في عام 2018. ومنذ ذلك الحين، حصلت كلتا الشركتين الناشئتين على تمويل بمبالغ كبيرة. ففي العام الماضي، حصلت شركة "يُداوي" على 7.5 مليون دولار في الجولة التمويلية الثانية من اتحاد للمستثمرين المحليين والإقليميين والعالميين. وتمكنت شركة "شفاء" أيضاً من إغلاق جولتين، وهي الآن بصدد الانتهاء من جولتها التمويلية الأولى.
أما منصة فيزيتا المصرية التي تقدم خدمات صحية عن بُعد إلى جانب خدمة حجز مواعيد الأطباء، فقد اقتنعت بهذه الفرصة واقتحمت مجال توصيل الأدوية عبر الإنترنت في عام 2020، فور حصولها على 48 مليون دولار في جولة تمويلية رابعة. وتستأثر المنصات الثلاث معاً بحصة كبيرة من القطاع المحلي.
تقول دعاء عارف، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة شفاء: "كنا نعمل في عامي 2018 و2019 على إثبات المفهوم، وزيادة الوعي بمنتجنا، وتعزيز الفكرة التي تقول بأن التطبيقات التكنولوجية يمكن استخدامها في مجال الرعاية الصحية أيضاً. وفي عام 2021، شهد القطاع نمواً بمقدار 3 أضعاف بفضل نوبة الشراء عبر الإنترنت التي تسارعت بسبب كوفيد-19".
وكانت سوق التجارة الإلكترونية الآخذة في التنامي في البلاد هي سر بثّ التفاؤل في المجال الرقمي لتوصيل الأدوية وأحد عوامل نموه الرئيسية. ووفقاً لتقرير صادر عن شركة "بوست" المصرية للاستشارات، بلغت قيمة إجمالي معاملات التجارة الإلكترونية في عام 2021 ذروتها عند 100 مليار دولار. ومن المتوقع أن ينمو هذا القطاع بنسبة 30% هذا العام.
كما أن الاعتماد المتزايد على تجارة التجزئة عبر الإنترنت دفع سلاسل صيدليات كبيرة إلى الاستثمار بقوة في الجهود الرقمية، وذلك في محاولة لجذب اهتمام المشترين عبر الإنترنت. ونتيجةً لذلك، أصبحت المبيعات الرقمية تستحوذ ببطء على حصص كبيرة في سلسلة بيع الأدوية بالتجزئة.
يقول أحمد حسن سالم، المدير التنفيذي لصيدليات مصر: "استثمرنا حوالي 20 مليون جنيه لتحسين السمات التقنية لتطبيقنا. ومن المتوقع أن تتراوح نسبة المبيعات عبر الإنترنت من 5% إلى 8% من إجمالي إيراداتنا خلال الفترة القادمة"، مضيفاً أنهم يخططون لافتتاح مراكز استلام جديدة لتسهيل توصيل الأدوية إلى العميل في وقت أقل.
القيود وعوامل النمو
على الرغم من ذلك، لم يصل المعدل الإجمالي لطلبات شراء الأدوية عبر الإنترنت من خلال المنصات إلى 1% من إجمالي سلسلة القيمة الصيدلانية. وتقول دعاء عارف: "إن الغالبية العظمى من الطلبات لا تكون عبر الإنترنت. فلا يستخدم المنصات الرقمية لبيع الأدوية إلا 5000 صيدلية من أصل 75000 صيدلية. وتُعدّ هذه السوق فرصةً سانحة للعمل في مجال مُستحدث يخلو من المنافسة الشرسة".
ورغم أن التوجُّه المتسارع نحو الشراء عبر الإنترنت هو الدافع الأكبر لهذه المنصات، فإن النمو الملحوظ في هذا القطاع يعززه إلى حد بعيد الاحتفاظ بالعملاء وتكرارهم لعمليات الشراء. وتقول دعاء عارف: "من الأسهل ضمان تحقيق معدلات عالية من الاحتفاظ بالعملاء في هذا القطاع. فعلى سبيل المثال، يحتاج المرضى المصابون بأمراض مزمنة إلى أدوية بشكل دائم، وبذلك يستمروا في شراء نفس الأدوية لفترات زمنية أطول. وهناك أيضاً مرضى كوفيد-19 الذين لا يستطيعون الخروج لشراء الأدوية بأنفسهم، ولذلك لم يعد طلب الأدوية عبر الإنترنت رفاهيةً بالنسبة لهم".
ورغم وجود مجال لمزيد من الابتكار المُزعزِع، فإن إدارة منصة لبيع الأدوية قد لا تصلح للتحول إلى نموذج تجاري قابل للتوسع. ويرى سالم أن أكبر عقبة تواجه نمو منصات بيع الأدوية عبر الإنترنت هي أن "الكثيرين ما زالوا يعتقدون أن سوق توصيل الأدوية تعمل بنفس الطريقة التي تعمل بها سوق توصيل الطعام".
ويقول سالم: "كلا المجالين مختلف تماماً عن الآخر، وينطوي كل منهما على عوامل كثيرة تجعل مقاييس النجاح مختلفة في كل سوق. ولا يمثل تجميع الطلب مشكلة كبيرة، ولكن تسليمه في الوقت المناسب إلى العميل الصحيح هو الصفقة الحقيقية".
وأضاف: "في حالة توصيل الطعام، يتعين على القائم بالتوصيل أن يتسلم صنفاً واحدًا أو أكثر من مكان واحد ويوصله إلى العميل. أما في حالة الدواء، فقد يطلب العميل دواء واحداً أو عدة أدوية غير متوفرة بالضرورة في صيدلية واحدة. لذلك يتعين على القائم بالتوصيل أن يتسلم أصنافاً مختلفة من أماكن مختلفة، وهنا قد تظهر أوجه القصور التشغيلية. وقد تقدم الصيدليات الصغيرة للمنصات هوامش ربح أعلى لكل طلب، إلا أن رسوم التوصيل ستكون أكبر مما يمكن أن تتحمله المنصات".
وكانت، ولا تزال، مساندة الصيدليات الصغيرة وتمكينها من الوصول إلى شبكة أوسع من العملاء جزءاً من مهمة المنصات الإلكترونية لتوصيل الأدوية. ولكن يتوقع سالم أن يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تبدأ الصيدليات التقليدية في الإقبال على القنوات الرقمية.
المتاهة القانونية
علاوة على عدم جاذبية هامش الربح من الوحدة الاقتصادية، يتعين أيضًا على المنصات أن تعمل في واقع اقتصادي مضطرب وغير مؤكد في ظل القيود القانونية التي فُرضت مؤخراً. ففي العام الماضي، رفعت نقابة الصيادلة المصرية دعوى قضائية ضد 12 منصة، وأُوقِف بعضها إلى أجل غير مسمى. وكان من بينها شركة "علاجي تك" التي استحوذت عليها شركة ابن سينا لتوزيع الأدوية، وشركة "صحتك" التابعة لشركة إيڤا لمستحضرات التجميل المُصنِّعة لمستحضرات العناية الشخصية.
ووفقاً لمصادر مقربة، أُوقِفت كلتا الشركتين عن العمل بسبب ارتباطهما المباشر بشركات توزيع أدوية، مما قد يسمح لهما بممارسة سلوك احتكاري غير قانوني. وإضافةً إلى ذلك، علمت النقابة أن بعض المنصات تحصل على الأدوية من المخازن مباشرة أو تستخدم الصيدليات السحابية (cloud pharmacies) لتوزيع الأدوية للمستهلكين النهائيين دون روشتة طبية، وهو ما يخالف القانون الذي لا يسمح إلا للصيدليات المرخصة التي لها وجود حقيقي ببيع الأدوية للعملاء.
لكن النقابة لم تحدد بوضوح أسباب مقاضاتها لبعض المنصات، ولم تضع سياسات لتنظيم عمل هذه المنصات. وبسبب غموض اللوائح التنظيمية، يتردد كثير من الصيدليات الصغيرة في التحول إلى المنصات الإلكترونية خوفاً من الوقوع في مشكلات والتعرض للإغلاق. ويمكن أن يؤثر ذلك بدوره على نمو القطاع على المدى البعيد ويعرقل توجُّه الصيدليات الصغيرة والتقليدية إلى عالم الإنترنت.
وتوضح دعاء ذلك فتقول: "لقد تغير الزمن الآن، وسيواصل الناس الشراء عبر الإنترنت. فقطاع الطب الرقمي يمر حالياً بالمرحلة التي كانت تمر بها شركتا أوبر وكريم قبل ست أو سبع سنوات عندما لم تكن هناك لوائح تُنظِّم عملهما. ويوجد فرق كبير بين الوضع غير القانوني والوضع غير المُنظَّم. وهذا القطاع لم يُنظَّم بعدُ. ولا تُشكل المنصات نفسها مشكلة ما دامت لا تخدم إلا أدوات تكنولوجية وسيطة تربط بين الصيدليات والمرضى، وأعتقد أن النقابة ليس لديها مشكلة في ذلك."
المنصات التي تخدم الشركات
إلى أن تُوضَع سياسات لتنظيم عمل المنصات التي تقدم خدماتها للمستهلكين، فإن الموجة التالية من الاضطراب في مجال الأدوية من المحتمل أن تحدث في سلسلة التوريد.
يروي صهيب باسط، مؤسس شركة "بي اتش ستور" ومدير مبيعاتها، وهي شركة ناشئة تعمل على رقمنة سلسلة التوريد بالتجزئة في مجال الأدوية – يروي لومضة أن شركته الناشئة كانت واقعة في نزاع وجيز مع النقابة، فيقول: "استدعتنا النقابة أيضاً، ولكنها أصبحت داعمةً لما نقوم به عندما علمت أننا لسنا منصة تخدم المستهلكين النهائيين، بل تخدم الشركات والصيدليات".
وتعمل منصة "بي اتش ستور" على تسهيل وصول الصيدليات إلى مجموعة أكبر من مخازن الأدوية والأجهزة الطبية. كما تتيح المنصة للصيدليات تقديم خصومات على المخزون الفائض عند بيعه بالجملة إلى صيدليات أخرى. وبهذه الطريقة، فإن هذه الشركة الناشئة تساعد الصيدليات على تفادي نقص أو زيادة مخزونها وتحسين إدارة المخزون.
ويقول صهيب: "في الماضي، كانت الصيدليات تميل إلى شراء مخزونات احتياطية من الأدوية لتفادي نقص أي دواء. ولكن تظهر المشكلة عندما ينقطع الطلب على صنف ما، مما يؤدي إلى عدم قدرة الصيدليات على بيعه وبالتالي تتكبد خسائر فادحة".
وفي كانون الأول/ ديسمبر عام 2021، شهد قطاع معاملات الشركات توسع شركة "أوميت" الأمريكية في السوق المصرية من خلال استحواذها على "بلاتفورم ون"، وهي شركة ناشئة خفيفة الأصول تعمل على ربط الصيدليات بالموردين من خلال منصة موحدة.
يقول أسامة الأطروش، الشريك المؤسس لبلاتفورم وان ومدير التسويق وإدارة البيانات بها: "لا يزال القطاع [الصيدلي] يعمل بالورقة والقلم في الغالب، فيقضي أصحاب الصيدليات أوقاتاً طويلة كل يوم للوصول إلى الموردين ويخوضون الكثير من المتاعب في سبيل ذلك، وهنا رأينا وجود حاجة إلى منتجنا. ورأينا أن أشد الصعوبات التي تواجه الصيدليات توجد عادة في اللوجستيات وسلسلة التوريد".
وتُعدّ الطفرة المستمرة المتمثلة في رقمنة التجارة الإلكترونية بين الشركات في شتى أنحاء المنطقة دافعاً كبيراً لتزايد الاهتمام بسلسلة توريد الأدوية بين الشركات. ففي العام الماضي، حصلت المنصات التي تخدم الشركات على أكثر من 225 مليون دولار من خلال 26 صفقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتَركَّز معظمها في الشركات الناشئة التي تُركز على قطاع السلع الاستهلاكية السريعة التداول. وفي مصر، حظي هذا القطاع بأكبر التمويلات في عام 2021، وخير مثال على ذلك شركتا "مكسب" و"كابيتر"، حيث حصلت الأولى على 40 مليون دولار وحصلت الثانية على 33 مليون دولار.