الشركات الناشئة في مجال معالجة هدر الطعام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يُهدر ثلث الغذاء المُنتج للاستهلاك البشري كل عام حول العالم، وهو ما يقارب 1.3 مليار طن من الطعام وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، والذي تُقدّر قيمته بحوالي 2.3 تريليون دولار أمريكي، وهو ما يكفي لإطعام 820 مليون جائع أربع مرات. إن كمية الطعام المُهدرة هائلة للغاية، لدرجة أن مُهدرات الطعام لو تمثّلت في دولةٍ ما، فستكون ثالث أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
تُعد دول مجلس التعاون الخليجي من بين أكبر الدول المهدرة للطعام على مستوى العالم، حيث يهدر الشخص العادي في المملكة العربية السعودية 427 كجم من الطعام، وفي الإمارات العربية المتحدة، يهدر الشخص العادي 197 كجم سنويًا. على نطاقٍ أوسع، يهدر الشخص العادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما يربو إلى 250 كجم من الطعام سنويًا. بالمقارنة مع أوروبا والولايات المتحدة، حيث يهدر الشخص العادي من 95 كجم إلى 115 كجم من الطعام سنويًا وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، وفقًا لتقرير شركة إرنست ويونج ومصرف إتش إس بي سي، تُعد مشكة إهدار الطعام في هذه المنطقة من العالم صارخة على نحو الخصوص.
في الوقت الراهن، تبذل الحكومات في الشرق الأوسط جهودًا أكثر تضافرًا لمعالجة هذه المشكلة، حيث تعهدت كلُ من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بخفض نسبة 50 في المائة من طعامها المُهدر بحلول عام 2030، بما يوافق بين سياساتهما وهدف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 12.3.
ظهرت الشركات الناشئة ذات الحلول المبتكرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمعالجة أوجه القصور في نظام الغذاء المحلي عبر سلسلة القيمة بأكملها؛ حيث يتحمّل المستهلك 32 في المائة من هدر الطعام ، فيما تحدث نسبة الـ68 في المائة المتبقية خلال مراحل مبكرة مثل الإنتاج والتوزيع والبيع بالتجزئة وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة.
من المزرعة إلى المستهلك مباشرةً
تعالج شركة Decapolis الكائنة في الأردن مشكلة الهدر في مرحلة الزراعة، حيث تستخدم تحليل البيانات ونظام البلوك تشين لمساعدة المزارعين على إنتاج الفاكهة والخضروات وفقًا للمعايير العالمية. عادة ما يهدر المزارعون في الأردن الكثير من محاصيلهم بسبب الاستخدام الزائد للمبيدات الحشرية، مما قد يجعلهم في بعض الأحيان غير متوافقين مع متطلبات التصدير.
يقول عبد الرحمن حباشنة، مؤسس شركة Decapolis: "نحن نتعامل مع 100 مزارع في الأردن، ونوفر لهم جميع القياسات ومعايير السلامة والجودة لبرنامج الزراعة بأكمله، بما في ذلك المياه والتربة والبذور. كما نستخدم تقنيتنا لتوليد البيانات لتحديد أفضل الأوقات لزراعة البذور، وللتحكم في استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة ،الأمر الذي يساعد في جعل محاصيلهم ملائمة ومتوافقة مع المعايير العالمية. "
عادة ما تؤدي قوانين الدولة ومتطلبات السوبر ماركت وتوقعات العملاء إلى هدر المنتج بعد نمو الإنتاج. تُهدر الفاكهة والخضروات التي تُعد "غير مثالية"، إما بسبب حجمها أو لشكلها الغريب. هناك العديد من الشركات الناشئة في المنطقة التي تستخدم التكنولوجيا الحيوية لإعادة توظيف هذه المحاصيل لإنتاج الوقود أو الأسمدة، في نفس الوقت الذي يشيع فيه التسميد
تُعد شركة EreoGo واحدة من الشركات الناشئة الإماراتية التي تتطلع إلى حفظ المنتجات "غير المثالية" التي أوشكت صلاحيتها على الانتهاء أو الفائض منها، وتصف الشركة نفسها بأنها تطبيق تسوّق واعي.
يقول دانيال سولومن، الشريك المؤسس لشركة EreoGo: "على الرغم من أن تركيزنا الأساسي ينصب على مكافحة هدر الطعام والسماح للأشخاص بشراء طعام جيد بدلًا من التخلص منه، إلا أن تركيزنا ينصب أيضًا على نصح الأشحاص بشيءٍ مفيد وهو أن الطعام الذي على وشك أن يهدر لا يعني أنه سيئ، بل يعني في بعض الأحيان أنه ينبغي أن يوضع في مكانٍ آخر".
ستعمل الشركة الناشئة جنبًا إلى جنب مع شركات توصيل طعام البقالة الأخرى في الإمارات العربية المتحدة مثل Instashop و Trolly ، بهدف إنشاء "مجتمع من المستهلكين الواعين القادرين على معرفة تأثير مشترياتهم".
تتمثل استراتيجية الشركة الناشئة لإعادة تشكيل التصورات الإقليمية حول المنتجات غير المثالية في تقديم منصة شفافة قدر الإمكان لإشراك المستخدمين وتشجيع مساهمتهم البيئية.
يقول سولومون: "إن ما نقوم به أيضًا هو السماح للمستخدمين الذين يشترون طعامًا على وشك انتهاء صلاحيته بالشعور بالسعادة، وليكونوا قادرين على الحصول على قيمة حقيقية، ولمعرفة كيف تمكنوا من المساهمة في حل مشكلة الانبعاثات الحرارية في المجتمع. قدر ثاني أكسيد الكربون الذي تم تجنّبه، وكمية المياه التي تم توفيرها، وعدد الأشخاص الذين تم إطعامهم، بالنسبة للمستخدم ، هذا ما نطلق عليه اسم "الدعوة إلى الاستدامة".
أصبح الحد من الانبعاثات واستخدام المياه وزيادة العمر الافتراضي محور العديد من الشركات الناشئة في مجال الاستدامة على مستوى العالم، كما تمكنت هذه الشركات الناشئة أيضًا من جذب استثمارات كبيرة في رأس المال الاستثمار، ومن الأمثلة على ذلك شركة Apeel Science الكائنة في الولايات المتحدة، والتي جمعت 390 مليون دولار لتقنيتها التي تستخدم المشتقات النباتية لإطالة العمر الافتراضي للمنتج
تعمل شركة Uvera الناشئة في المملكة العربية السعودية في مجال حفظ الطعام بطريقة مماثلة باستخدام التعرض للأشعة فوق البنفسجية المعتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لإطالة العمر الافتراضي للحوم والمخبوزات والمنتجات الطازجة بنسبة 20-60٪، وذلك من خلال جهاز داخلي مدمج لمزودي الطعام يتم تنصيبه، وكذا جهاز منزلي للعملاء الأفراد، حيث تخطط الشركة الناشئة لجمع التبرعات في جولة ثانية في مايو من هذا العام وإطلاقها رسميًا في عام 2022، على الرغم من أنها اكتسبت بالفعل قوة جذب ملحوظة في كلٍ من وادي السيليكون والمملكة العربية السعودية.
تقول أسرار دمدم، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Uvera التي تخطط لتوسيع أعمالها إلى دول أخرى في دول مجلس التعاون الخليجي بدءًا بنموذجها المرتبط مباشرةً بالمستهلك في كل البيوت السعودية: "إن حجم السوق ضخم بالفعل، فنحن نتحدث عن أكثر من 5.4 مليون أسرة وهذا موجود فقط في المملكة العربية السعودية".
تغيير السلوكيات
تلعب التصورات الاستهلاكية والثقافية دورًا محوريًا في هدر الطعام بشكلِ عام، فيما تركز السياسات العامة والتشريعية في جميع أنحاء المنطقة بشكلِ أساسي على مبادرات هدر الطعام التي تعالج خسارة الإنتاج على مستوى الزراعة وسلسلة التوريد، وكذا تكرّس الشركات الناشئة المستدامة في مجال التكنولوجيا الغذائية جهودها لإعادة تصور ممارسات المستهلك الأكثر استدامة.
إن القطاع الذي يركّز على إعادة توزيع فائض الطعام أو الطعام المُعاد تصنيعه تحقيقًا لاقتصاد غذائي دوري أكثر ولتغيير عادات المستهلكين هو ذلك القطاع الذي يكتسب شعبية أكبر عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تقول منة شاهين، الشريك المؤسس لشركة TeKeya: "لا يزال الناس يفتقرون إلى الوعي بشأن هدر الطعام، وهو الأمر الذي لا يتمتع بشيوعٍ كاف. ولا يزال هناك أكثر من 30 في المائة من الناس تحت خط الفقر [في مصر] ولكن المصريون كرماء للغاية، يحبون الطهي وتقديم الطعام كثيرًا ... نحن كرماء جدا فيما يخص الطعام ".
شركة TeKeya التي تأسست عام 2019 عبارة عن مؤسسة اجتماعية تقدم للمطاعم خيارين لإعادة توزيع فائض الطعام.
تقول منة أيضًا: "إذا كنت تقدم الطعام كخدمة، فيمكنك بيع طعامك الصحي غير المثالي الذي لم يمسّه أحد، على تطبيقنا مقابل خصم بنسبة 50 في المائة للناس". وأضافت: "لدينا أيضًا نموذج للاشتراك لأن المطاعم في بعض الأحيان تريد التبرع بطعامها بدلاً من بيعه. ومن خلال تطبيقنا أيضًا نتحقق من المؤسسات الخيرية التي تحتاج إلى هذا الطعام ونوفره لها".
تفيد الشركة الناشئة بأنها زادت من قاعدة العملاء وأرباح المطاعم البالغ عددها 65 مطعمًا التي دخلت في شراكة معها في مصر، وتتواصل الآن مع المستثمرين للحصول على أول تمويل لها بحلول نهاية هذا العام للمساعدة في توسعها في الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى في مجلس التعاون الخليجي.
تحدّثت منة عن نجاح الشركات العالمية الناشئة في مجال تكنولوجيا الغذاء مثل تطبيق Karma food في السويد، والذي جمع إجمالي تمويل قدره 16.7 مليون دولار، وتطبيق Olio في المملكة المتحدة، والذي جمع ما يربو عن 10.1 مليون دولار من التمويلات، وأعربت عن ثقتها في تحوّل شركة TeKeya لـ"المحرك الأول" "في مصر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ورغبتها في " تغطية جميع عناصر مهدرات الطعام في سلسلة القيمة الغذائية"، بما في ذلك النفايات الصناعية والمائية.
يقولGreg Ohannesian ، الشريك المؤسس لشركة SOMA MATER ، وهي شركة استشارية للأمن الغذائي مقرها الإمارات العربية المتحدة: "عندما تتمتع باستدامةٍ أكبر ونظام عملٍ دوري منتظم فسوف تحقق أرباحًا". "بالحديث عن هدر الطعام على وجه التحديد، فإن في مقابل كل درهم ينفقه مطعم على وقف أو تقليل هدر الطعام، يحصل المطعم على 7 دراهم. هذا رقم عالمي، وعائد استثمار هائل".
على الرغم من العائدات المرتفعة، فإن زيادة الاستثمار كشركة ناشئة في مجال هدر الطعام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليس بالأمر السهل.
تقول منة أيضًا: "يكمن التحدي الأول في كيف أن تكون مستدامًا بينما تحقق أرباحًا وتتحرك إلى الأمام. هناك العديد من الأفكار، لكن جعل فكرة مستدامة فكرة مربحة ليس بالأمر السهل".
بالنسبة لشركة EroeGo التي تتطلع إلى عمل جولة جمع تبرعات تمهيدية، لا يزال هناك شعور بالتردد تجاه الشركات الناشئة التي تركز على الاستدامة بين المستثمرين الإقليميين.
يقول سولومون: "الجميع يفهم التكنولوجيا المالية، فهم يفهمون السوق حيث إذا اشتريت شيئًا ما فإنك تدفع قيمته في مقابله، وهذا شيء مريح للغاية. عندما تتحدث عن الاستدامة أو صناديقها، فليس لدينا الكثير من المشروعات في المنطقة التي تتطلع بالفعل إلى هذا الأمر على نحوٍ فعّال. إنهم مثل المستهلكين تمامًا: يريدون القيام بذلك، ويريدون المشاركة، لكنني أعتقد أن السوق ما زال في مرحلةٍ مبكرةٍ حقًا، نحن نريد أن نجعل من مهدرات الطعام سوقًا مربحة تكافح من أجل الاستدامة."
أما في النظم البيئية للشركات الناشئة في المنطقة، تظهر التحديات على نحوٍ جليّ.
بالنسبة لشركة Foodeals التي تعمل في المغرب حيث لا يزال النظام البيئي المحلي في مراحله الأوليّة، فإن المستثمرين المحليين القادرين محدودون من حيث العدد والرغبة، مما يشكل تحديًا إضافيًا للعديد من الشركات الناشئة في منطقة شمال غرب أفريقيا.
يقول ياسين بن طالب، المؤسس والرئيس التفنفيذي لشركة Foodeals: "ليس لدينا في المغرب أي نظام بيئي ناضج كما هو الحال في المملكة العربية السعودية أو قطر أو مصر. وليس لدينا رأس المال الاستثماري الكافي أو المبادرات الحكومية أو الخاصة، إنها أمور محدودة حقًا".
تأسست شركة Foodeals في عام 2020، حيث تقدّم حلّين لمعالجة هدر الطعام من خلال تطبيق Foodeals الذي يروّج لخصم فائض الطعام من مزودي الطعام المحليين، هذا بالإضافة إلى خدمة Foodeals Donate بين الشركات والتي تربط الشركات والسوبرماركت وتجار الأغذية بالتجزئة مع المنظمات غير الحكومية والجمعيات غير الهادفة للربح.
يضيف بن طالب: "إن تطوير العلاقة بين الشركات أمر شديد الصعوبة لأنه يفرض علينا توعية المزيد من الأشخاص بتأثير هذه المشكلة. في بلدانٍ مثل فرنسا، كما هو الحال مع منصة Phenix، يقدم متخصصو الطعام المنتج ومن ثم تعيد لهم الحكومات قدر من الائتمان أو التعويض. أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو المغرب أو القارة السمراء ككل، ليس لدينا إعانات من الحكومة. وعليه، لا تتمتع العلامات التجارية للأغذية بالدافع الكافي لتقديم الخدمة". الجدير بالذكر أن منصة Phenix المتخصصة في مهدرات الطعام الكائنة في باريس جمعت مبلغًا إجماليًا قدره 15 مليون يورو (17.9 مليون دولار) منذ إطلاقها في عام 2015.
تتزايد فرص الشركات الناشئة المستدامة في المنطقة، كما أن الاعتماد على الزراعة المحلية فضلًا عن مهدرات الطعام يعد نموذجًا تجاريًا قويًا لهذه الشركات الناشئة. ولكن كما أوضح كل من سولومون وOhannessian، وكما أشار بن طالب، فإن الخطوات الفعاّلة لمكافحة هدر الطعام تتطلب شراكات أقوى بين شركات التكنولوجيا الغذائية، والسلطات التشريعية، وكل مشارك في سلسلة التوريد الغذائي.
يقول سولومون: "عندما تنظر إلى حجم المشكلة تعرف أنها لا تحتاج إلى قائدٍ واحد في السوق، بل تحتاج إلى الكثير من الأشخاص الذين يتعاونون معًا من مرحلة الإنتاج إلى مرحلة الزراعة. أعتقد أن الشركات بدأت تدرك أنه يمكنها أن تنجز مع بعضها البعض أكثر مما تنجزه ضد بعضها البعض. فعندما يكون لديك هذا الهدف الكبير وتواجه هذه المشكلة الكبيرة، فإنك تكون بحاجة إلى المزيد من الشركات التي تتعاون مع بعضها البعض حتى تتمكن من حل هذه المشكلة".