ما الذي يمكن أن تتعلمه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من التجربة الإفريقية في مجال التكنولوجيا المالية؟
محمود أحمدو هو رئيس مجلس إدارة شركة Innovate 1 Pay، وهي شركة نيجيرية تعمل في مجال التكنولوجيا المالية منذ تأسيسها في عام 2012، وتقدم حلول الدفع الإلكتروني التي تسمح بتحويل الأموال عبر الهاتف المحمول في تجارة التجزئة والجملة، والدفع عبر الهاتف المحمول، والدفع ببطاقات العملات. وهي أكبر شركة محلية تقدم خدمات من هذا النوع في نيجريا، وقد توسعت الشركة منذ تأسيسها في 24 دولة مختلفة.
تتمثل إحدى المزايا العظيمة التي تتمتع بها الاقتصادات الناشئة عندما تتبنى إنجازات تكنولوجية مبتكرة في قدرة تلك الاقتصادات على تحويل مسارها بسرعة وتوسيع نطاق قدراتها دون أن تخشى من أن يصبح الكم الكبير من الأنظمة القائمة والبنية التحتية بلا منفعة. وبعد أن ظهرت على الساحة في الآونة الأخيرة ابتكارات رقمية غيَّرت قواعد اللعبة، أصبح من الممكن لهذه البلدان أن تتخطى عدة أجيال تكنولوجية. ولعل أفضل مثال على ذلك التحول الهائل يتجلى في قطاع التكنولوجيا المالية الإفريقي.
ففي السنوات القليلة الماضية، شهدت إفريقيا ظهور بيئة ديناميكية لاحتضان الشركات الناشئة، وجذبت تلك البيئة الحاضنة مبالغ طائلة من رؤوس الأموال الاستثمارية. وظهرت مراكز تكنولوجية بها العديد من الشركات الجديدة التي ذاع صيتها بفضل ما تقدمه من حلول مبتكرة في نيجيريا وكينيا وجنوب إفريقيا، وكادت أن تلحق بها دول مثل تنزانيا وغانا والسنغال. أما في مجال التكنولوجيا المالية، فترجع الطفرة أيضاً إلى سد القطاع للفجوة الخدمية التي لم تتمكن البنوك التقليدية من سدها. وإضافةً إلى تقديم بدائل فعالة أحدثت تحولاً في حالة الشمول المالي في القارة، أدت زيادة انتشار الإنترنت والهواتف المحمولة في إفريقيا إلى إمداد القطاع بمزيد من الزخم.
حل مناسب يلبي احتياجات بيئة حاضنة غير عادية
إن قاعدة بيانات المؤشر العالمي للشمول المالي لعام 2017، وهي أحدث نسخة من التقرير الذي يُعدّ أشمل سجل للمدفوعات والمدخرات والاقتراض وإدارة المخاطر في العالم، تشير إلى أن إفريقيا هي القارة الأكبر على مستوى العالم من حيث عدد السكان غير المتعاملين مع البنوك والذين يعانون من صعوبة الحصول على الخدمات البنكية. وبطبيعة الحال، تُعدّ هذه الظروف فرصة مثالية أمام مُقدِّمي حلول التكنولوجيا المالية لتحويل التحدي إلى فرصة.
وفي الوقت نفسه، تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن قارة إفريقيا بها أكبر اقتصاد غير رسمي مقارنةً بجميع قارات العالم. وفي ظل وجود أنشطة تجارية كثيرة لم تصلها خدمات الاستثمار والإقراض والتأمين الرسمية، من المفترض أن يكون الحجم الهائل للفرصة واضحاً. وقد تجاوز رأس المال الاستثماري المتاح للشركات الناشئة الإفريقية حاجز المليار دولار لأول مرة في عام 2018، واستأثرت شركات التكنولوجيا المالية بالنصيب الأكبر من هذه الأموال. وما فتئت نيجيريا تجتذب –وتُنتج– القدر الأكبر من رؤوس الأموال الاستثمارية في القارة، ولم لا وهي الدولة الأكثر كثافةً سكانيةً في إفريقيا إذ يبلغ عدد سكانها 206 ملايين نسمة، فضلاً عن كونها أكبر اقتصاد في إفريقيا. والواقع أن كثيراً من شركات التكنولوجيا المالية الإفريقية، سواء في نيجيريا أو غيرها من الدول، قد بدأت تترك بصمتها في السوق النيجيرية، قبل أن تشرع في التوسع في أماكن أخرى.
ماذا تعني هذه التطورات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
توجد أسواق مثل إفريقيا والهند والبرازيل تمتلك محافظ رقمية ومنصات دفع تعمل بنجاح منذ أكثر من عقد من الزمان. إذن ما الذي نستنتجه من ذلك بشأن الفرص التي يمكن أن تُتيحها التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ وإجابة هذا السؤال معقدة بعض الشيء، نظراً إلى تداخل الاقتصاديات التي تقع ضمن هذه الفئة.
ويتمثل أحد الأسباب في أن عام 2020 أثبت أن التكنولوجيا المالية، بوصفها بديلاً للخدمات المصرفية التقليدية، قد ساهمت في توفير المرونة التي توجد حاجة ماسة إليها خلال أي أزمة عالمية. فلجأ العمال الأفارقة الوافدون، والذين حُرموا من الالتقاء بأحبائهم في أثناء فرض حالة الإغلاق، إلى استخدام المحافظ الرقمية ومنصات الدفع على نطاق واسع، لضمان وصول أموالهم إلى مَنْ يعولونهم. وتُعدّ غالبية العمال المغتربين المماثلين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فرصةً مماثلةً، نظر إلى الحجم الهائل للتحويلات المالية التي يرسلها هؤلاء الأفراد إلى بلدانهم الأصلية. وفيما يخص الفئات ذات الدخل الأكبر، فإن خدمات التجارة الإلكترونية والتسهيلات التأمينية الإلكترونية –وكثيراً من الخدمات المالية الناشئة الأخرى– تُعدّ سوقاً لا تقل عن غيرها حيويةً، وعلى رواد الأعمال أن يتجهوا إليها.
ولكن ربما يكون الدرس الأهم المُستفاد من نجاح التكنولوجيا المالية في إفريقيا هو أن المستخدمين النهائيين قد تغلبوا على أي تردد لديهم في تحويل الأموال عبر الإنترنت، لا سيما فيما يتعلق بالمخاوف الأمنية. وتشير ورقة توجيهية صدرت عن صندوق النقد الدولي في عام 2019 بشأن التكنولوجيا المالية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى أن التكنولوجيا المالية بدأت تكون أحد عوامل التمكين التكنولوجي الرئيسية في المنطقة. فقد غيَّرت مؤشرات الشمول المالي، وتقوم حالياً بدور المُحفِّز للابتكار في قطاعات متنوعة مثل الزراعة والبنية التحتية.
وعلى الرغم من أن جزءاً كبيراً من الهواتف المحمولة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء ذات إمكانيات متواضعة –وليست هواتف ذكية– فإن هذه المنطقة بها الآن ما يزيد على 400 مليون حساب نقدي مسجل على الهواتف المحمولة. ويتمثل أحد الدروس التي يجب تعلمها هنا في أنه حتى تلك الشرائح السكانية التي تعيش في المناطق الأقل تقدماً في العالم قد تغلبت على أي تحفظ يتعلق بالأمن. ولكن العمل المثير للإعجاب حقاً الذي يمكن أن تحاكيه الشركات العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو الإبداع المُستخدم في تقديم الخدمات رغم القيود التكنولوجية الناجمة عن استخدام هواتف قد عفا عليها الزمن في كثير من أنحاء العالم. أما شركات التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي يمكنها أن تستهدف عدداً أكبر من العملاء الذين يملكون هواتف ذكية، فيمكن أن تتعلم الكثير مما تتمتع به شركات التكنولوجيا المالية في إفريقيا من براعة في إعداد حلول تستطيع تقديم الخدمات حتى لو لم يكن المستخدم قادراً على امتلاك جهاز يسمح بتشغيل التطبيقات.
استلهام الأفكار من عقلية قائمة على الحلول
إننا غالباً ما نحصر مصطلح "الشمول المالي" في نطاق ضيق. فينبغي ألا ننظر إليه على أنه يشير فقط إلى تقديم الخدمات المالية لمَنْ لا يتعاملون مع البنوك. بل يجب أن نراه من منظور الوصول إلى الفئات التي "يصعب حصولها" على الخدمات المالية الأكثر تطوراً. هل يمكن للمُطورين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا توسيع نطاق خدمات إدارة الثروات والتداول عبر الإنترنت والتأمين على السفر وعشرات الخدمات المتخصصة الأخرى باستخدام منصات قائمة على التطبيقات؟ تكاد تكون هذه الخدمات جميعها قد ظهرت لأول مرة في شكل واجهات تطبيقات، ولكن غالباً ما تكون تلك الواجهات ذات خيارات محدودة. فهل يمكن لشركات التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تهتدي بتجربة نظيراتها الإفريقية، وأن تطور خدمات مالية رفيعة المستوى توفر للمستخدمين الإمكانيات المطلوبة والراحة المنشودة – لا سيما أن سوقها، بوجه عام، به مزيد من الأجهزة المتقدمة التي يمكن الاستفادة منها؟ وإجابة هذا السؤال البلاغي هي «نعم» واضحة ومُدوِّية!