ما تأثير الاحتجاجات اللبنانية على الشركات الناشئة؟
جاءت فكرة العقد الاجتماعي العربي إرضاءً للشعوب – أيّ توفير وظائف في القطاع العام وتقديم خدمات اجتماعية مجانية مقابل امتثال الشعب للحكومة والعيش في مجتمع متشبع.
ولكن مع تخضم عدد السكان، أصبحت الحكومات في جميع أنحاء المنطقة تناضل من أجل توفير وظائف ثابتة أو خدمات أساسية مثل الكهرباء والماء كما يحدث في بعض البلدان. الأمر الذي وضع تلك الحكومات في مواجهة مع عدد كبير من الشباب غير الراضين، والذين يفتقرون إلى الدوافع أو الأسباب التي تجعلهم يلتزمون بمطالب الدولة.
وقد شهدنا على مدار الأسابيع القليلة الماضية اندلاع احتجاجات واسعة في أنحاء لبنان والعراق والجزائر ولكن مع الفارق الصارخ بينهم. ففي الوقت الذي ينضح فيه العراق والجزائر بشعور العجز، لا يزال لدى لبنان بريق أمل وهو على وشك أن يشهد تغييراً حقيقياً.
ظل الشباب اللبناني صامتاً وقت ثورات "الربيع العربي"، على الرغم من اندلاع شرارة بعض الاحتجاجات عام 2011 متأثرة بموجة الانتفاضات في تونس ومصر التي سرعان ما خمدت بحلول نهاية ذلك العام بعد أن القت الحرب في سوريا بظلالها على المشهد.
إن خطر نشوب حرب أهلية جديدة سيناريو غير مستساغ، فقد واصل اللبنانيون السير على الطريق المألوف دائماً وهو: الدراسة، والتخرج، والانتقال إلى الخارج.
ولكن مع ظهور أدلة على فساد الحكومة وعدم وفائها بتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء وجمع القمامة، خرج اللبنانيون إلى الشوارع مطالبين بالتغيير.
تقول ريهام حجازي، أحد مؤسسي RUSH & REEZ، وهو موقع إلكتروني لتجارة الأزياء في بيروت "الجميع يُشارك فيما يحدث، حتى مجتمع الأعمال. نُدرك إنها تضحية ... ويرى الجميع أنها من أجل مستقبل صحي والامل في حكومة أفضل".
انهيار اقتصادي
مع وجود عبء دين يصل إلى 75 مليار دولار، يعاني لبنان من أعلى نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم بنسبة 140 في المائة، وهو أعلى مُعدّل مديونيّة بعد اليابان واليونان. ومع زيادة خطر فرض المزيد من الضرائب لسد هذا العجز خرج أكثر من مليون شخص للاحتجاج. وتستهلك مدفوعات الفوائد حالياً ما يقرب من نصف إيرادات الحكومة ولا يتبقى سوى القليل للاستثمار في البنية التحتية العامة، وإزدادت معاناة إقتصاد البلد مع نزوح نحو 1.5 مليون لاجئ سوري إلى لبنان.
أطلقت الحكومة شبكة البنية التحتية للاتصالات (3G) عندما كانت دول أخرى في الشرق الأوسط تستعد لإطلاق خدمات شبكة الجيل الرابع (4G). وحتى الآن، فإن تكلفة بيانات شبكة النطاق العريض في لبنان تفوق تكلفة جيرانها من البلدان؛ إذ يبلغ متوسط سعر الجيجابايت الواحد من البيانات 9.21 دولار في لبنان، مقارنة بـ 4.14 دولار في سوريا و2.06 دولار في فلسطين. وقد روجت الحكومة لفكرة فرض ضريبة على استخدام تطبيق "Whatsapp"، بحيث يتم فرض 0.20 دولار يومياً على المكالمات الصوتية التي تتم عبر التطبيق وخدمات بروتوكول الصوت عبر الإنترنت (VOIP)، الأمر الذي تحوّل إلى دعوة حشد للشباب اللبناني الذين كانوا يحتجون كل مساء على مدار الأسبوعين الماضيين.
يقول إيلي نصر، أحد مؤسسي شركة FOO، وهي إحدى شركات التكنولوجيا المالية (Fintech) في بيروت "بالنسبة لنا، إنها البداية ونأمل أن تسير بنا في الاتجاه الصحيح. وإذا استمر الوضع السياسي على ما هو عليه، سنواجه الكثير من الصعوبات المالية وستصاب البلاد بالشلل. نحن بحاجة إلى الكثير من الإصلاحات، وقد حان الوقت لإصلاح الأمور بطريقة سريعة جداً".
فماذا يعني هذا الوضع بالنسبة للبيئة الحاضنة للشركات الناشئة؟
تعد البيئة الحاضنة للشركات الناشئة في لبنان من أكثر النظم الواعدة عندما بدأت ريادة الأعمال تترسخ في المنطقة. يتمتع الشعب اللبناني بقدر عالٍ من التعليم ولديهم خبرة في البقاء على قيد الحياة خلال الحروب والمثابرة والابتكار في تأسيس أعمال تجارية قوية في جميع أنحاء العالم وخاصة في إفريقيا وأستراليا والولايات المتحدة. ويتولى إدارة كبرى الشركات الناشئة اليوم مثل أنغامي " Anghami"، وثروة " Sarwa"، وكيتوبي " Kitopi " رواد أعمال لبنانيين.
وقد أسهم التعميم رقم 331 في لبنان- وهو قرار تمويل صادر عن البنك المركزي اللبناني يُمكّن البنوك التجارية من تخصيص ما يصل إلى 4 في المائة من رأس مالها في اقتصادات المعرفة- في إنشاء بيئة حاضنة لريادة الأعمال في البلاد وتوفير ما يقرب من 700 مليون دولار للتمويل حتى الآن. ولكن تضاءلت تلك المبالغ خلال العامين الماضيين.
وفي العام الماضي، تم إتمام 36 صفقة لرأس المال الاستثماري في لبنان بقيمة 74 مليون دولار، وهو ما يمثل 10 في المائة فقط من إجمالي صفقات الاستثمار في المنطقة، وذلك وفقاً لبيانات شركة "ماغنيت". وفي حين زادت قيمة الصفقات بنسبة 57 في المائة عن عام 2017، انخفض عدد الصفقات بنسبة 32 في المائة. ومع عدد سكانه البالغ ستة ملايين نسمة فقط، تعتبر سوق لبنان صغيرة للغاية مما حدا بالشركات الناشئة إلى زيادة نطاق وجودها على الصعيد الإقليمي وكذلك الاستفادة من الاستثمارات في دول مجلس التعاون الخليجي.
يقول فادي بزري شريك في "B&Y Venture Partners"،"إذا نظرت إلى ساحة ريادة الأعمال في لبنان، فإن الشركات الناشئة لا تركز على لبنان نفسه. إن معظم الأعمال تحدث في دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك لا أعتقد أن الاستثمارات ستتأثر ". إن العديد من الصناديق في لبنان يخضع لمبادرة 331، لذلك فهي مسألة النظر في أي الإصلاحات سوف تحدث، أو ما إذا كان سيؤثر الآن على حصول الصندوق على رؤوس أموال أخرى من البنوك، التي تمثل الكيانات الرئيسية في صندوق 331. وعلى المدى المتوسط، يظل توفر رأس المال اللازم للشركات الناشئة أمراً ضرورياً، ولا توجد أي آثار على عدم استمرار صندوق 331. "
يعتقد بزري أن إقبال المستثمرين سينخفض على الأرجح وأن الشركات الناشئة التي لديها الموارد قد تنقل مقرها الرئيسي إلى دول مجلس التعاون الخليجي إذا لم تتحسن بيئة الأعمال في لبنان. ولكن تحاول معظم الشركات الآن تسيير وضعها في ظل الظروف الراهنة.
يقول نصر: "كلنا نعمل نهاراً ونشارك في الثورة ليلاً. لا نذهب إلى المكتب، فمن الصعب الوصول إلى العمل بسبب المظاهرات وحواجز الطرق، لذا نعمل من المنزل، وندبر شؤون العمل عن بُعد".
بالنسبة إلى حجازي، التي ما يزال زبائنها في انتظار تسلم طلبياتهم تقول حجازي: "الجانب السلبي الوحيد لدينا هو عدم القدرة على توصيل المنتجات للعملاء لأن الطرق قد أغلقت بناءً على الأوامر المحلية والدولية. هناك العديد من شركات الخدمات اللوجستية والميل الأخير التي تحاول توصيل المنتجات، وأحياناً تستطيع القيام بذلك وأحياناً أخرى لا تستطيع. ومن بين العقبات الأخرى التي تواجهنا هو الإنتاج الفعلي. فقد كنّا ننتج مجموعة جديدة والآن علينا التوقف. لم نتمكن من مطالبة العمال بالحضور للعمل أو المصانع بفتح أبوابها لإنهاء عملنا. ربما يتغير الوضع الأسبوع القادم."
يظل من الضروري معرفة إلى متى سيستمر هذا الشعور بالأمل. فقد شهد العالم وضعاً مماثلاً خلال الثورات المصرية التي تركت أثراً مدمراً على اقتصادها واستغرق الأمر نحو سبع سنوات قبل أن تتعافى البيئة الحاضنة للشركات الناشئة وتعود من جديد. ولكن كما هو الحال دائماً، علينا أن ننتظر لمعرفة ما سيحدث.
يقول بزري: "نحتاج إلى معرفة أنواع الإصلاحات التي سيتم تنفيذها لإعادة بناء الثقة وخلق مناخ من الحماس، ونأمل في أن تحدث هذه الإصلاحات".