مباشرة النساء للأعمال الحرة في فلسطين: التغلب على العوائق
غسان أمايرا، مؤسس MENACatalyst وليلى فراچ، مسئولة استراتيجية المحتوى الرقمي في المؤسسة
تكمن قوة ريادة الأعمال في قدرتها على دفع عجلة النمو وإحداث تغيير في الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية وصولاً إلى المملكة المتحدة ومروراً بالإمارات العربية المتحدة وأمريكا اللاتينية. وحينما يتوقف معظمنا برهة للتفكير في ريادة الأعمال، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو تلك الشركات التي حققت قفزات هائلة فأصبحت شركات عملاقة تُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات. فمن الولايات المتحدة الأمريكية، تقفز إلى الذهن شركة أمازون، عملاق التجارة الإلكترونية. أو ربما نجول بخاطرنا في الطرف الآخر من العالم فنصل إلى الإمارات العربية المتحدة حيث شركة كريم المتخصصة في تقديم خدمات التوصيل في المنطقة، وقد استحوذت عليها مؤخراً شركة أوبر مقابل ما يزيد على 3 مليارات دولار أمريكي. إلا أن ريادة الأعمال لا تنحصر في تلك الشركات ذات القيمة المليارية، بل تكمن في قدرة الشخص، رجلاً كان أو امرأة، على الابتكار وإحداث تغيير سواء في اقتصاد السوق أو في تحسين أوضاع المجتمع.
وأما في البلدان النامية التي تعاني ركوداً اقتصادياً، فلا بد من تبني نُهُج، مثل ريادة الأعمال، تضع حداً لاعتماد تلك البلدان على المساعدات الخارجية، وتساعد في الوقت نفسه على مكافحة الفقر المدقع للفئات الأكثر تهميشاً، مثل النساء.
المرأة وريادة الأعمال: منظور عالمي
ظل مشهد البطالة القاتم وانعدام الفرص الاقتصادية عقبةً كَؤُوداً تحول، فيما يبدو، دون استقلال النساء مالياً في جميع أنحاء العالم. ويشير البنك الدولي إلى أن مباشرة النساء للأعمال الحرة أمر ضروري ليس للنهوض باقتصاد سوقي ناجح فحسب، بل أيضاً لمكافحة الفقر المدقع على نطاق عالمي. إلا أنه قد ثبت مراراً وتكراراً أن انعدام المساواة بين الجنسين يمثل عائقاً كبيراً أمام رائدات الأعمال اللائي يتطلعن إلى الحصول على الموارد ورأس المال والدعم لإطلاق مشروعاتهن الخاصة والحفاظ عليها.
وفي الولايات المتحدة وحدها، تشهد حالياً المشروعات التي تقودها النساء نمواً بمعدلات لم يسبق لها مثيل. فخلال العقدين الماضيين، تجاوزت معدلات النمو 114% حتى الآن. ويعني ذلك توفير ما يقرب من 9 ملايين وظيفة، وضخ نحو 1.7 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي سنوياً. وإجمالاً، تمثل ريادة الأعمال القائمة على النساء في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها 40% من جميع أنشطة ريادة الأعمال في البلد.
ولكن من المدهش أن أعلى نسبة لأنشطة ريادة الأعمال في مراحلها الأولى توجد في فلسطين بنسبة 23%، تليها الشركات الناشئة التي تقودها نساء في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بنسبة 16.7%، أيْ 17 امرأة مقابل كل 20 رائد أعمال من الرجال. قارن ذلك بأمريكا الشمالية التي تبلغ النسبة فيها 12.8%، وبأوروبا ذات النسبة الأدنى البالغة 6.1%، أيْ 6 نساء مقابل كل 10 رواد أعمال من الرجال. وعلاوة على ذلك، تشهد البلدان النامية تزايداً في مباشرة النساء للأعمال الحرة، إذ قامت النساء بتأسيس أو قيادة ما يتراوح من 8 إلى 10 ملايين شركة تقريباً من الشركات الصغيرة والمتوسطة في جميع أنحاء العالم النامي.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تمثل النساء 21% من القوى العاملة المسؤولة عن 18% فقط من إجمالي الناتج المحلي السنوي في المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، نجد أن النساء يُؤسِّسْنَ ويقُدْنَ شركة واحدة من بين كل ثلاث شركات ناشئة في المنطقة، وهو أمر مثير للإعجاب حسب المعايير العالمية. وبناءً على هذه الأرقام، يمكن القول باطمئنان إن الشركات الناشئة التي أسستها النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تستوي في أدائها مع الشركات الناشئة القائمة على النساء في الولايات المتحدة الأمريكية، وتتفوق على تلك الشركات في أوروبا بمعدل متوسط قدره 35%.
المشهد الفلسطيني: نظرة إحصائية
لإلقاء نظرة عامة على الظروف المعيشية التي يمر بها آلاف الفلسطينيين، يكفي أن تعلم أن معدل البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة في أعلى مستوياته على الإطلاق بنسبة مذهلة بلغت 31%، وفقاً لأحدث التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. وتبلغ هذه النسبة 52% في غزة، و19% في الضفة الغربية. ورغم أن النساء يشكلن نحو نصف سكان فلسطين البالغ عددهم 4.9 مليون نسمة، أيْ 2.4 مليون أنثى (49%) مقابل 2.5 مليون ذكر (51%)، يوجد تفاوت هائل في الفرص المتاحة للجنسين.
أضف إلى ذلك أن نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة لا تزال منخفضة بتفاوتٍ مُفرط، إذ تبلغ 21%، في حين أن نسبة مشاركة الذكور تبلغ 72%. ولذلك تبلغ البطالة في صفوف الإناث أعلى مستوياتها على الإطلاق بنسبة 51% مقابل 25% في صفوف الذكور. ورغم نشاط النساء في سوق العمل، فإنهن يشكلن أكثر من نصف معدلات البطالة جميعها.لماذا تحتاج فلسطين إلى مزيد من المشروعات التي تقودها النساء؟
على الرغم من وجود نسبة كبيرة من النساء في سوق العمل، فإن معدلات توظيفهن لا تزال منخفضة على نحو غير متناسب. ومع ذلك، تتجه النساء الفلسطينيات في الوقت الحالي إلى ريادة الأعمال بوصفها مفتاحاً لخلق فرصهن الاقتصادية الخاصة.
ولكن لماذا ريادة الأعمال؟ يشير البنك الدولي إلى أن النساء اللائي يؤسسن ويقُدن المشروعات التجارية أكثر ميلاً بنسبة 25% إلى توظيف النساء من الشركات التي يقودها الذكور التي تبلغ نسبة توظيفها لهن 22%. ومن ثمَّ فإن تبوّء مزيد من النساء مناصب اقتصادية رائدة يؤدي إلى إتاحة فرص للنساء العاطلات عن العمل. ومن الإنجازات الجديرة بالذكر أن الشركات التي تقودها النساء في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومنها فلسطين، تتوسع في القوى العاملة لديها بمعدلات أكبر.
وخير مثال على ذلك المهندسة المدنية مجد مشهراوي التي رأت أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في تجاهل انقطاع التيار الكهربائي في غزة، وقررت اللجوء إلى ريادة الأعمال لإحداث تغيير. فرأت مجد مشهراوي أن الحل الأمثل لهذه المشكلة هو الاستفادة من الطاقة الشمسية باستخدام جهاز «صن بوكس»، وهو جهاز طاقة شمسية غير متصل بشبكة ويوفر للعائلات ما يصل إلى 3 ساعات من الكهرباء في اليوم لكل بطارية. ونتيجة لذلك، ظهرت «صن بوكس» ليس بوصفها شركة ناشئة توظف عدداً من سكان غزة فحسب، بل أيضاً بوصفها استجابة إنسانية تسعى إلى تحسين الأوضاع المعيشية لعدد كبير من الفلسطينيين.
العقبات التي تواجهها صاحبات الأعمال
على الرغم من أن النساء لديهن الأفكار والشغف اللازمين لدفع مشروعاتهن قُدماً، فإن افتقارهن بوجه عام إلى الخبرة التقنية والخبرة العملية الحقيقة يمثل عائقاً كبيراً لنجاحهن. ولكن بغض النظر عن ذلك، فإن محاولة إقامة مشروعات قابلة للاستمرار دون دعم من القطاعين العام والخاص ودون مساندة مالية تُعدّ عقبة في حد ذاتها.
وتواجه صاحبات الأعمال في جميع أنحاء العالم طائفة من المشكلات المتشابهة عند إنشاء شركاتهن الناشئة، وتشمل هذه المشكلات:
- جمع رأس المال
- عدم وجود مرشدين ماهرين
- التدريب التقني
- الوصول إلى الأسواق
- مستوى منظومة ريادة الأعمال
وفي أي مكان، تحتاج منظومة ريادة الأعمال الناجحة إلى الحصول على رأس المال، والإرشاد، وخدمات دعم الأعمال، والبوابات التي تُفضي إلى أسواق عالمية، وهي الموارد التي تفتقر إليها بشدة منظومة الشركات الناشئة الفلسطينية، لا سيما فيما يخص النساء.
تعزيز القوة الاقتصادية للمرأة عن طريق ريادة الأعمال
خلاصة القول ببساطة أن ريادة الأعمال يمكن أن تؤثر في المعدلات غير المسبوقة لبطالة الإناث في فلسطين. ومن خلال ريادة الأعمال، يمكن للنساء أن يحظين بحريتهن المالية بوصفهن قائدات لمشاريعهن الخاصة المُدرة للدخل، وأن يُحسِّنَّ وضعهن الاجتماعي والاقتصادي، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إخراجهن وعائلاتهن من ربقة الفقر.
وبوجه عام، حينما تُتاح للنساء الموارد التي يحتجن إليها لإقامة مشروعاتهن الخاصة، وحينما تتوفر سياسات تشجع على إنشاء مشروعات تجارية رائدة لا تكون قابلة للاستمرار فحسب بل تبحث أيضاً عن حلول مبتكرة للفجوات الموجودة في الأسواق المحلية، يؤدي ذلك إلى تمكين المرأة ويعود بالنفع على الاقتصاد.
وأفضل طريقة يمكن أن تسهم بها الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص هي إزالة العوائق التي تعترض مباشرة الأعمال الحرة مع تقديم الخدمات الأساسية اللازمة لتطوير الأعمال، مثل إمكانية الحصول على القروض، وتوفير الموجهين، والتدريب المالي، والدعم القانوني، والوصول إلى الأسواق. وبذلك تستطيع النساء في نهاية المطاف، من خلال ريادة الأعمال، خلق فرص عمل جديدة إضافية، وزيادة قوتهن الشرائية، وتسريع النمو الاقتصادي.
التغلب على العوائق:
من أجل التصدي لهذه المخاوف، تعمل منظمات مثل "ميناكاتاليست"، التي تتخذ من فلسطين مقراً لها، على رأب الثغرات الموجودة في المنظومة المحلية لريادة الأعمال من خلال تولي زمام المبادرة في الاقتصاد الافتراضي للبلد. ومن خلال التركيز على قوة الابتكار وريادة الأعمال، نهدف إلى مساعدة رواد الأعمال المحليين على تجاوز العقبات والاستفادة من الموارد الجماعية للفلسطينيين المشتتين في جميع أرجاء العالم.
وأما رائدات الأعمال المقيمات في فلسطين، فإن فرصة تواصلهن وتعاونهن مع المستثمرين والمرشدين المخلصين فرصةٌ من شأنها أن تغير مسار حياتهن. وقد أعدت مؤسسة "ميناكاتاليست" سلسلة من البرامج لرواد الأعمال المحليين، خاصةً الشركات الناشئة ذات الإمكانات الكبيرة التي تقودها النساء، للتواصل مع المستثمرين الفلسطينيين الخيّرين المقيمين في الخارج، والشركاء في القطاع الصناعي، والمهنيين العاملين في مجال الأعمال التجارية، وسيدات الأعمال الناجحات.
ومن خلال هذه البرامج، يتمكن رواد الأعمال من تلقي التوجيه والمشورة والعثور على فرص استثمارية، وإبرام اتفاقات بشأن خدمات الأعمال التجارية، والمشاركة في التدريبات التجارية والتقنية، واكتساب المعرفة العملية، وإقامة العلاقات اللازمة لإطلاق العنان للطاقات الكامنة من أجل اقتحام الأسواق العالمية.
وفي نهاية المطاف، يكافح آلاف من الفلسطينيين يومياً لمواجهة الركود الاقتصادي الشديد والفقر المدقع. وبدون الوصول إلى الموارد الأساسية اللازمة لتنشيط اقتصاد السوق الراكدة بسبب ما قد يبدو أنه سلسلة لا نهاية لها من القيود المفروضة، يجب أن يحول الفلسطينيون أنظارهم إلى الداخل وأن يستفيدوا من صمودهم وصناعتهم للتغلب على العقبات ولاغتنام الفرص العالمية الجديدة.