التخارج عبر الطرح الأولي، مفيد للمنظومة الاقتصادية؟
طرحت شركة فورى المصرية لتكنولوجيا البنوك والمدفوعات الإلكترونية أسهمها للاكتتاب العام في 8 آب/أغسطس، وكان ذلك حدثاً رائعاً للمنظومة التكنولوجية، ليس في مصر فحسب، بل في العالم العربي بأسره.
وقد ركَّز قطاع الشركات التكنولوجية الناشئة خلال السنوات القليلة الماضية تركيزاً شديداً على استقطاب التمويل بهدف التخارج عبر عمليات استحواذ من جانب شركات أجنبية. وصار ذلك الاستحواذ دليلاً قاطعاً على نجاح الشركات الناشئة، ولكن على الرغم من أن الاستحواذ هو الطريقة السائدة التي يجني بها المستثمرون المال ويحقق بها رواد الأعمال وموظفوهم القيمة المالية، فإنه لا يلبي تطلعات المنظومة الاقتصادية الإقليمية.
حينما كنتُ أسعى إلى الحصول على تمويل لشركة أرامكس في عام 1996، كنا نحاول طرحها للاكتتاب الخاص، ولكن لم يحظ ذلك بقدر كافٍ من القبول من المستثمرين في المنطقة. فقد كان المستثمرون يُساورهم الشك في قدرة أرامكس على الصمود في وجه منافسة هائلة من عمالقة الصناعة حتى لو كانت أسهم الشركة تُقيَّم بمبلغ 30 مليون دولار فقط، لذلك قررنا أن نطرح الشركة للاكتتاب العام.
حينها قلت لشريكي بيل كينجسون: "فكرة رائعة، ولكن أين نفعل ذلك؟". بالطَّبع ليس في أي بورصة من البورصات الإقليمية! لماذا؟ بسبب كل أنواع القيود، بدءاً من القيود المفروضة على المستثمرين الأجانب، مروراً بقلة السيولة في البورصات، وقيود عملية الحصول على تمويل وتحديد أسعار الاكتتاب، وصولاً إلى تدخُّل الجهة الرقابية في تحديد تقييمات الشركات بدلاً من ترك تحديدها للسوق/المستثمرين.
"فلنذهب إذن إلى بورصة ناسْدَك!"
طرحنا أسهم الشركة في بورصة ناسْدَك في نيويورك، وظلت الشركة مُدرجةً فيها لمدة خمس سنوات، ثم تحولنا بالشركة إلى الاكتتاب الخاص في عام 2002، وأدرجناها مرة أخرى في سوق دبي المالي في عام 2005. وبعد مرور 11 عاماً، لا تزال أرامكس شركة عامة في دبي، بعد 37 عاماً من تأسيسها.
وعلى الرغم من أن عمليات الاستحواذ يمكن أن تعطي دفعةً للمنظومة الاقتصادية وأن تأتي بمستثمرين عالميين إلى المنطقة، فإن الطرح الأولي للاكتتاب العام يسمح بتوطيد المنظومة ويمنح الشركات الناشئة الإقليمية مزيداً من الخيارات.
فلماذا إذن نجد أن الشركات القادرة على طرح أسهمها للاكتتاب العام في المنطقة لا تقوم بذلك ولا حتى يخطر ببالها القيام به؟ وما السبب الذي يجعل شركةً مثل جوميا، التي يقع مقرها الرئيسي في دبي، تدرج أسهمها في بورصة نيويورك بدلاً من إحدى البورصات الإقليمية في الشرق الأوسط؟
توجد حالياً تحديات عديدة، ولا بد من تغيير ما يلي إذا كنا نريد أن نرى مزيداً من الشركات تطرح أسهمها للاكتتاب العام:
- قوانين تملُّك الأجانب: سُجِّلت شركات كثيرة خارج المنطقة في أماكن تسمح بتملك الأجانب، مثل جزر الكايمان أو جزر فيرجن البريطانية. فما أسباب ذلك؟ الأمر واضح وضوح الشمس، يوجد كثير من هؤلاء المستثمرين هنا، ولكنهم يستثمرون في كيانات في الخارج تسمح لأي شخص بأن يكون مستثمراً.
- سجل حافل بالرِّبحيَّة: تشترط معظم هذه البورصات أن تكون الشركة قد حققت أرباحاً على مدار ثلاث سنوات قبل أن تسمح لها بطرح أسهمها للاكتتاب العام الأول. ولا يوجد هذا الشرط في معظم الأسواق المتقدمة، فشركة أوبر مثلاً طُرحت للاكتتاب العام رغم إعلانها أنها ربما لا تحقق أرباحاً أبداً. فينبغي أن يُترك للمستثمرين خيار الاستثمار في شركة ما من عدمه، بدلاً من أن تقرر لهم الجهة الرقابية ما سيكون استثماراً جيداً.
- التواصل مع هذه الشركات المتوسعة: التواصل مع مئات الشركات التي تتوسع في المنطقة، والتحدث مع مستثمريها ومؤسسيها للوقوف على ما يجب أن تقوم به البورصات الإقليمية لتجعل هذه الشركات تطرح أسهمها في المنطقة. فتغيير هذه القوانين واللوائح لن يضر أحداً، فقد خضعت للتجربة والاختبار في أكثر البورصات تقدماً في العالم. فلنتعلم منها، ونُطبِّق ذلك هنا.
- سيعود ذلك بالنفع على الجميع. لا بد أن يبادر شخص ما إلى اتخاذ الخطوة الأولى. فلنشاهد شركة فوري ونتعلم من تجربتها.
إن إدراج مزيد من الشركات في البورصات يخلق سيولة أعمق لبورصاتنا، وهو ما تحتاج إليه جميع البورصات. وهو أيضاً أفضل طريقة لجذب عدد أكبر من المستثمرين، ولاستفادة الفئات الأدنى من مزايا شركات مثل أرامكس وفوري، مما يوفر السيولة في السوق العامة – حيث يوجد معظم مستثمري المنطقة. وكلما زاد حجم البورصة، زادت الاستثمارات المتاحة، وزادت إمكانية جذب المستثمرين ومنح شركاتهم المدرجة قيمتها العادلة.
لقد نجحت شركة فورى في تحقيق نتائج جيدة جداً في مصر، فقد أُدرِجت في البورصة المصرية بسعر سهم يبلغ 4.66 جنيه مصري. وبعد اليوم الأول من التداول، قفز سعر السهم بنسبة 31% ليصل إلى 8.48 جنيه، مما جعلها تُقيَّم بمبلغ 366 مليون دولار. ويبدو أن البورصات الإقليمية يمكن أن، بل سوف، تمنح شركتك التقييم الذي تريده.
والطرح الأولي للاكتتاب العام يمنح الشركات القدرة على أن تظل مستقلة، وأن تحافظ على العلامة التجارية التي اجتهدت وثابرت لبنائها، وأن توفر السيولة وإمكانية تخارج المستثمرين، وأن تخلق خيار سيولة لمؤسسيها وموظفيها مع إتاحة الفرصة للمستثمر العام للمشاركة في نجاح هذه الشركات. كما أن الطرح العام الأول يشجع المؤسسات الاستثمارية الإقليمية والعالمية على الاستثمار في المنطقة وخلق استثمارات أجنبية مباشرة قوية.
وهذا بالضبط هو ما حدث مع شركة أرامكس منذ طرحها في سوق دبي المالي. فقد استمتع الموظفون بحق خيار تملك أسهمهم، وتمكن المؤسسون من العثور على تخارجات لهم، وشهد سهم الشركة إقبالاً كبيراً من جانب المستثمرين الإقليميين، واصطفّ المستثمرون العالميون انتظاراً للحصول على السهم. وظلت الشركة مستقلة، وتواصل ازدهارها، واحتفظت بموظفيها الموهوبين، وأنشأت منصة رائعة للحصول على تمويل من شتى المؤسسات المالية في المنطقة.
إن الطرح العام الأول للشركات المتوسعة العاملة في المجال التقني وغيره في المنطقة يجعل البورصات أقل اعتماداً على الشركات التقليدية مثل شركات العقارات والبنوك وشركات التأمين، ويُمكِّنها من تحقيق التنوع الذي يعبر عن مجالات العمل الجديدة في القرن الحادي والعشرين، مما يُدرّ ثروات جديدة لجيل جديد يبني في الوقت الحالي شركات المستقبل.