التكنولوجيا أداةٌ للتغيير في أيدي اللاجئين
67 مليون لاجئ في العالم، 85% منهم تستضيفهم دولٌ نامية و57% منهم يأتون من سوريا وأفغانستان وجنوب السودان، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. أعدادٌ في تزايد ما يعني أن المشاكل المرافقة لهذه الظاهرة في ارتفاع أيضاً، سواء للاجئين أو للدول المضيفة.
كثُرت المنظمات غير الحكومية والجمعيات التي تبذل الجهود لمعالجة هذه المشكلة العالمية، ولم يكن إلا طبيعياً أن تنضمّ إليهم البيئة الحاضنة لرواد الأعمال. وهنا يقول كريم سماقية، مدرب ومستشار رئيسي لبرنامج ريادة الأعمال في "جسور" أن "توفّر ريادة الأعمال عامةً بديلاً للخيارات المحدودة جداً المتوفرة للاجئين. يتيح تطوير عقلية ريادة الأعمال وتسليح اللاجئين بالمهارات اللازمة الفرصة لهم للعمل من أجل تحسين أوضاعهم. رواد الأعمال في كل مكان، من الأعمال التجارية الصغيرة إلى الأعمال التجارية ذات النمو المرتفع، ولا سبب يمنع اللاجئين من الاستفادة من هذه البيئة الحاضنة والاستفادة مثل أي شخص آخر".
فلعلّ الفرق الوحيد أو ربما الميزة بين رائد الأعمال "العادي" و"اللاجئ" هو، على حد قول سماقية Karim Samakie، "الحاجة الحقيقية للنجاح". ويشرح لنا فكرته قائلاً: "لا شك أن رواد الأعمال العاديين لديهم هذه الحاجة. ولكن، عندما نمنح اللاجئين المعرفة الصحية والمهارات اللازمة، يتحوّلون إلى رواد أعمال متفانين وملتزمين وعاطفييّن ومتعطّشين للنجاح. هذا لأن الألم الأول الذي يريدون معالجته، قبل ألم أي مستهلك، هو الألم الذي يعيشونه كلاجئين".
أمر توافقه الرأي عليه فرح شمص، مديرة الشراكات في منتدى MIT لريادة الأعمال في العالم العربي الذي ينظّم مسابقة "ابتكر من أجل اللاجئين". فتخبرنا أن معظم اللاجئين الذين شاركوا في المسابقة، ساهموا بشكل فعّال في الفكرة/ تأسيس الشركة الناشئة، أو كانوا مستفيدين من الحل ومن ثم انضموا إلى الفريق الإداري. وتشير "ما يميّزهم هو أنهم عاشوا التحدي نفسه (مثل المعاناة مع اللغة المحلية عند انتقالهم إلى أوروبا). فهم يدركون المشكلة من جميع نواحيها، وعادة ما يكونون أكثر شغفاً بشأن الحل من الآخرين".
وبالفعل تساعد التكنولوجيا وريادة الأعمال اللاجئين على تغيير أوضاعهم رأساً على عقب، على حد قول فالنتينا بريموValentina Primo ، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لـ "شركات ناشئة بلا حدود". وتشير "إذا نظرنا إلى دور الابتكار في حياة شخص اضطر إلى مغادرة وطنه، فمن المؤكد أنه يؤدي إلى تغيير جذري. لا تسمح ريادة الأعمال والابتكار لهم بالاندماج في المجتمع وكسب لقمة العيش فحسب لا بل الأهم من ذلك أن يشقّوا مسارًا لأنفسهم ويأخذوا بزمام مستقبلهم". وتضيف "المقاربة الإنسانية غالباً ما لا تمنحهم دوراً فعالاً -يجدون أنفسهم في موقف المستفيد- مما يحرمهم من كرامتهم. لا بد أن ندرك أنهم أكثر من مجرد مستفيدين".
الابتكار في كل المجالات بحسب بريمو. فهي ترى أن رواد الأعمال اللاجئين يشبهون أي رواد أعمال آخرين ويبقى الفرق بينهم أنهم يواجهون تحديات أكبر. وتقول "في الواقع، هم يعالجون بعض القضايا الأكثر إلحاحًا في العالم ويستخدمون أحدث التكنولوجيا لدفع التغيير. يستخدم بعض رواد الأعمال في شبكتنا البلوك شين لإنشاء هويات افتراضية للأطفال "عديمي الجنسية" في العالم؛ يقوم البعض الآخر بإنشاء شركات استشارية حول المعاملات السرية وتداول الأسهم؛ هم يقومون بصياغة منصات التجارة الإلكترونية التي تعمل بنظام الذكاء الاصطناعي والشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا التعليم لا تلبي احتياجات اللاجئين فحسب، بل تستهدف الشباب العربي بشكل عام".
تجربة شمص مختلفة بعض الشيء لاسيما أن المشاركين في المسابقة ليسوا جميعاً من اللاجئين لا بل كل من يريد إيجاد حلّ للاجئين إذ تخبرنا "وفقًا لإحصائياتنا ، فإن أهم ثلاثة تحديات يعالجها المشاركون هي التعليم والتوظيف والاتصال والوصول إلى المعلومات".
قصص لاجئين تحوّلوا إلى رواد أعمال
أحمد حموي، مؤسس الشركة الناشئة "هوم شيف" Home Chef في لبنان التي فازت بالجائزة الأولى في مسابقة #StartupRoadShow في مسار المشاريع الريادية في مرحلة مبكرة يخبرنا عن رحلته الطويلة قبل إطلاق فكرته. ويقول "في بداية الأزمة السورية، انتقلت أنا وعائلتي إلى لبنان. كنت أدرس في سوريا رياضيات وفيزياء ولكن عند وصولي الى لبنان لم أستطع المتابعة لأنني لا أجيد الإنجليزية ما دفعني للبحث عن عمل"؛ عمله حمله إلى المطبخ لاسيما أنه يعشق الطبخ الذي يشكل هوايته منذ الصغر. ويتابع "بفضل التنقل بين المطاعم، اكتسبت الخبرة". إلا أن سرعان ما وجد حموي نفسه عاطلاً عن العمل لكن "هذا الضغط والصعوبات لم تجعلني أتراجع إلى الوراء بل صممت على تحقيق مشروع ريادي مبتكر "هوم شيف" لخدمة توصيل الوجبات منزلية الصنع في بيروت".
"هوم شيف" تعتمد على فريق عائلي يوزّع المهام بينهم وما زالت في بداياته لتنمو إلى شركة ناشئة لكنها ولدت من الحاجة والتصميم والعزم بتقديم خدمات لكل الناس.
أزهر المداني، مؤسس ومدير عمليات "شيفر" Shiffer، منصة اللوجستية على الإنترنت للشحن السريع، والحد من وقت العبور، وتكلفة الشحن وحل المشكلة للسوريين واللاجئين بشكل عام. ويكشف أنها وليدة معاناته الشخصية كلاجئ سوري عندما أراد تسجيل وثيقة ولادة ابنته في اربيل. ويقول "أنفقت 220 دولاراً بدون أن ننسى الوقت المتطلب الذي قد يفوق 15 يوماً".
تجربة دفعت المداني أن يسأل نفسه عن غياب تطبيق لإرسال الوثائق مع الركاب لحيوّل الفكرة إلى ورق في سبتمبر 2017 بعد دراسات عدة لينطلق بمنتج قابل للاستمرار بالحد الأدنى (MVP) في مارس من العام الحالي ويفوز بعدد من المنافسات.
ويرى المداني أن كونه لاجئ ساعده كثيراً قائلاً "عندما تكون تحت الضغط في جميع نواحي حياتك وعليك أن تدخّر الوقت والمال، تندفع للتفكير وابتكار سبلاً حل مشكلتك. فمن رحم الألم يولد الابداع". ويتابع "دعونا لا ننسى أن ريادة الأعمال تتطلب أفراداً يحبون المغامرة والمخاطرة. وبالتالي، من السهل على اللاجئين أن يدخلوا هذا المعترك لأن حياتهم مغامرة والكثير منا فقدوا كل شي أو ربما ليس لديهم أي شيء يخسرونه".
وعن "بابير أيرلاين" Paper Airlines تخبرنا بايلي أولبريتش Bailey Ulbritch، المؤسسة والمديرة التنفيذية أن الفكرة ولدت خلال تطوعها عام 2013 مع أطفال سوريين في مركز في الريحانية التركية؛ هناك التقت بالعديد من السوريين الشباب الذين هربوا الحرب وكانوا يائسين للعودة إلى صفوف الدراسة. وتتابع "بعد عودتي إلى الولايات المتحدة، أردت مساعدتهم لكنني لم أملك القدرة ولا المال". عوضاً عن ذلك، وفّرت دروساً انجليزية للبعض منهم على سكايب لمساعدتهم على اجراء امتحانات الدخول للجامعات التركية. وشيئاً فشيئاً، ازداد الطلب، فقررت أن تطلق نسخة تجريبية من "بايبر أيرلاينز". وتقول "لا ندّعي أننا نحل كل المشاكل ولكننا نساعدهم على تحقيق أهدافهم بفضل تعليمهم المهارات المطلوبة، سواء على الإنترنت أو شخصياً".
وعن القيمة المضافة لضمّ لاجئين في فريق العمل، تقول أولبريتش "طالما كانت منظمتنا مدفوعة بالاستجابة لطلبات المجتمعات التي نخدمها. أدركت في وقت مبكر أن المنظمة لن تنجح إلا إذا كانت تضم أشخاص لديهم تجربة مباشرة في النزاع. 25٪ من موظفينا هم مستفيدين سابقين أم لاجئين. تساعدنا معرفتهم وخبرتهم المباشرة في اتخاذ قرارات مستنيرة حول من يجب أن نساعد، وماذا يجب أن نعلمهم، وكيفية التعامل مع أشياء مثل المخاوف الأمنية".
من جهتها، تطلعنا رينيه فريسين Renee Frissen عن "أوبين إمباسي" Open Embassy هي التي تديرها في هولندا قائلة إنه عام 2015، عندما لجأ الكثيرون إلى أوروبا وهولندا، لاحظت أنهم يواجهون مشاكل جمّة مثل مشاكل الاستقرار لاسيما أن هولندا بلاد بيروقراطية وأن غالباً ما يرى الشعب الأجانب كغرباء إضافة إلى السياسات غير الملائمة… ووجدت فريسين الحل مع "أوين إمباسي" وهي، كما تقول، "مكتب مساعدة عبر الإنترنت يتيح للوافدين الجدد طرح أسئلة حول حياتهم الجديدة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع؛ أسئلة يجيب عنها مواطنون هولنديون أرادوا دعم جيرانهم الجدد".
ويدفع هذا الدعم الفردي إلى جمع البيانات وتقديم النصائح لأصحاب القرار لوضع سياسات وحلول أكثر ملاءمة. وتشير إلى أن كل هذا لم يكن ممكناً من دون لاجئين ضمن فريق العمل قائلة: "من دون مهاراتهم وصوتهم، نحن عاجزون عن بناء حلول حقيقية(..) لا أرى كل شيء وأحتاج إلى أشخاص لديهم تجارب حياتية مختلفة لتعليمي".
ما قد تقدمه البيئة الحاضنة الريادية..
إذا كانت مصاعب وتحديات وتجارب اللاجئين الحياتية تساعدهم على خوض معترك ريادة الأعمال بتصميم وعزم وتنمية ريادة الأعمال، فدعونا لا ننسى أنهم يحتاجون أيضاً إلى بعض المساعدة من البيئة الحاضنة.
فيتّفق كل من تحدثنا معه، سواء اللاجئين أو من يحاولون دفعهم إلى الأمام أن ما هم أشدّ الحاجة إليه هو التمويل والموارد ومساعدتهم على بناء شبكة معارف من دون أن ننسى التقليل من الحواجز القانونية لإطلاق الشركات والمشاريع.
مشاكل قد لا تختلف عن مشاكل أي رائد أعمال آخر. ففي النهاية، هم أيضاً موهوبين ولديهم الشجاعة لتقديم حلول لا تعنيهم فحسب لا بل أيضاً حلول لتحديات عالمية!