اعتماد وسائل الدفع غير النقدية سيضاعف نمو الأعمال التجارية [رأي]
يؤثر على قطاع الدفع توجهات تاريخية وجذرية. وتطال هذه الأخيرة بلدان مثل السويد، حيث يفوق حجم المدفوعات غير النقدية الآن حجم المدفوعات النقدية، كما يتجه المستهلكون جماعياً إلى اعتماد طرق الدفع غير النقدية على نطاق واسع.
إن اعتماد قناة الدفع هذه يحقق مزايا كبيرة للشركات، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة الإيرادات. ولكن التحديات تفوق الجوانب الفنية للمسألة. ولكي تتمكن المعاملات الرقمية من الانتشار وتحقيق النجاح، يلزم تمكين المستهلكين من الدفع عبر الإنترنت، بل وينبغي أيضاً إقناعهم بأن الدفع عبر الإنترنت خيار أفضل لهم من استخدام النقد.
الأمن أولاً
في الوقت الحاضر، تعني المدفوعات "غير النقدية" في أكثر الأحيان استخدام بطاقة الائتمان أو بطاقة الخصم المباشر عند نقاط البيع، سواءٌ عبر الإنترنت أو في المتاجر التقليدية. وفي عالم هذه المتاجر، إننا نستخدم البطاقات كوسيلة دفع منذ وقت بعيد، إلا أن مراحل تطور كيفية استخدامنا لهذه البطاقات في تُلقي الضوء على أهم الدوافع لاختيار المستهلك لطريقة الدفع: الأمن والخبرة والراحة.
لقد شهدنا تطور استخدام البطاقات، ابتداءً من توقيع الإيصالات إلى مبادرة «تشيب آند بين chip and pin» [وهي مبادرة لتطبيق معيار EMV (هذه الأحرف اختصار لكلمات يوروباي وماستركارد وفيزا) لبطاقات الدفع الذكية]، وحتى طرق الدفع بدون لمس، حيث استهدفت كل خطوة تحسين تجربة المستخدم، بينما زادت كل مرحلة من المخاوف الأمنية لدى المستهلك.
وبمرور الوقت، رأينا كيف تدرك الشركات الفوائد الإضافية لكل تطور في وسائل الدفع، مثل انخفاض تكلفة معالجة النقد وتقليص مدة الانتظار لدى نقاط البيع. ونحن الآن في المرحلة التالية من الرحلة، وهي الانتقال من الاستخدام المادي للبطاقات عند نقاط البيع إلى استخدام وسائل الدفع الرقمية.
لا تزال المدفوعات النقدية تحظى بنصيب الأسد في المنطقة
إن ثقة المستهلك في طرق الدفع الرقمية هي مفتاح انتشار التجارة الإلكترونية. ونحن نرى هذا واضحاً، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط: حيث تشير المؤشرات الديموجرافية إلى استعداد السكان لاعتماد التجارة الإلكترونية، إلا أن معدل اعتمادها لا يزال أقل عما هو عليه في أوروبا وأميركا الشمالية (حيث بلغت نسبة المعاملات عبر الإنترنت في الإمارات العربية المتحدة حوالي 10% من المعاملات عبر الإنترنت في الولايات المتحدة). مع ذلك، لا تزال نسبة كبيرة من معاملات التجارة الإلكترونية في المنطقة تنتهي كمعاملات نقدية عند نقطة التسليم، مما يشير أيضاً إلى تردد المستهلكين في استخدام المعاملات الرقمية. وهكذا لا تزال المدفوعات النقدية تحظى بنصيب الأسد، في وقتنا الحاضر، والتحدي الذي نواجهه في منظومة التجارة الإلكترونية هو تغيير عقلية المستخدمين.
المدفوعات الرقمية تعد بفرص كبيرة
تتضح بجلاء الفرص التي تثمر عنها طرق الدفع الرقمية، لكل من الشركات والمستهلكين. فالشركات تحظى بمتابعة أفضل لمعاملاتها في الوقت الحقيقي، وتستغني عن العبء الإداري وتكاليف مناولة النقد (في الولايات المتحدة، أوردت مجلة «هارفارد بزنس ريفيو Harvard Business Review» أن الشركات تخسر مبلغ 40 مليار دولار أميركي من النقد سنوياً بسبب السرقة وحدها). وهذه الشركات قادرة على توفير بيئة آمنة للغاية ومخصصة لاحتياجات عملائها من أجل إجراء المعاملات، فضلاً عن توفير تجربة دفع أفضل كثيراً من استخدام النقد من حيث السرعة والراحة والثقة. ولا عجب إذن أن نرى هذه الانطلاقة من جانب الشركات والأنشطة التجارية نحو تأكيد حضورها في منظومة التجارة الإلكترونية، بل وأيضاً نحو تطبيق طرق الدفع الرقمية عبر قنوات أخرى، مثل منصات التواصل الاجتماعي، وحتى توفير المدفوعات الرقمية دون اتصال بالإنترنت.
استناداً إلى تجربتنا الخاصة، فإن الشركات التي تعتمد المدفوعات الرقمية تجد نفسها قادرة على تغيير نماذج أعمالها التجارية والارتقاء بها وتوسيع نطاقها ليتضمن مصادر دخل جديدة. وعلى المدى الطويل، تُمكِّن العمليات غير النقدية هذه الشركات من مضاعفة هوامش ربح بمعدل المثلين والثلاثة أمثال. ومن المعروف أن هذه الإمكانات لن تتحقق إلا إذا اعتمدها المستهلكون. ولتسريع اعتماد المستهلكين لتلك الطرق حتى تصل إلى المستويات التي نراها في أماكن أخرى من العالم، على الأطراف المشاركة في منظومة المدفوعات الرقمية بالمنطقة تهيئة بيئة تعمل على تعزيز ثقة المستهلك من خلال توفير الأمن وإظهار القدرة على الحد من عمليات الاحتيال عبر الإنترنت، وذلك بهدف تغيير العقلية التي تفضل المدفوعات النقدية.
الاستثمار في أمن بطاقات المدفوعات الإلكترونية
بالطريقة نفسها التي تضخ بها متاجر البيع بالتجزئة استثمارات كبيرة لتوفير الأمن المادي لمنع ضياع إيراداتها، كذلك يلزم المشتغلين بالتجارة الإلكترونية اعتبار الاستثمار في أمن المدفوعات الرقمية بالقدر نفسه من الأهمية، سواءٌ فيما يتعلق بتجربة العملاء أو الإيرادات. عند استخدامها على نحو سليم، تعمل آليات منع الاحتيال عند بوابات الدفع الرقمية، إلى جانب عمليات «ثري دي سيكيور 3DSecure» لشبكات البطاقات [بروتوكول أمني لمنع الاحتيال في المعاملات التي تتم ببطاقات الائتمان وبطاقات الخصم المباشر على الإنترنت]، على حماية المستهلكين من الوقوع فريسة للاحتيال عند استخدام بطاقاتهم، مما يؤدي بدوره إلى حماية الشركات والأنشطة التجارية من تكاليف عمليات رد المبالغ المدفوعة بسبب استخدام البطاقات بطرق احتيالية. وستكون النتيجة الحتمية لذلك هي زيادة ثقة المستهلك في طرق الدفع الرقمية، ولكن الأمر سيؤدي إلى نتائج أهم من ذلك؛ حيث إن ضوابط منع الاحتيال المناسبة من شأنها أن تقلل أيضاً من حالات رفض محاولات الدفع الصحيحة للمستهلكين عبر الإنترنت، مما سيُحسِّن من معدل نجاح معاملات الشركات، ومن ثم سيؤدي إلى زيادة الإيرادات والثقة في قناة الدفع.
الاستعداد للمرحلة القادمة
تتمثل المرحلة التالية لتطور المدفوعات في الانتقال إلى استخدام طرق الدفع الرقمية في العالم الحقيقي، كما نرى ذلك في طرق مثل «خدمة أبل للدفع ApplePay»، حيث يستطيع المستشعر البيومتري للجهاز توفير طبقة إضافية من الأمان والراحة، أو استخدام «رموز الاستجابة السريعة QR codes» عند نقاط البيع، أو حتى التمكن من الدفع عبر الإنترنت دون الحاجة إلى الاتصال بالإنترنت. وهذا بدوره يؤهل الشركات لاغتنام الفرص التي تتبلور في هيئة مبادرات مثل تقنية بلوك تشين، حيث تكون طرق الدفع الرقمية هي الركيزة الأساسية للتمكن من استخدام البيانات لربط جميع جوانب تقديم الخدمات الرقمية في مجالات البيع بالتجزئة والنقل والخدمات المالية، إلى غير ذلك.
ولا شك أن المدفوعات الرقمية هي طريقة الدفع التي ستسود مستقبلاً – وتقع المسؤولية على عاتقنا للتأكد من شعور المستهلكين بالأمان وتقديرهم للتجربة المُحسَّنة الآن، استعداداً لما قد يظهر في المستقبل القريب.