الإمارات: بوادر إصلاح قانوني لمكافحة التمييز الجندري
هذه مقالة ثانية من اثنتين حول انعكاس التطورات العالمية الأخيرة المؤثرة على الديناميكيات بين الجنسين، والتمييز ضد المرأة في مجال التكنولوجيا ـ أو عدمه ـ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهي تأخذ الإمارات كدراسة حالة لتركّز على أطر العمل القانونية والسياسية التي تحكم هذه القضايا.
كان يجدر بالدعوى التي رفعتها إيلين باو ضدّ "كلينر بيركينز كوفيلد أند بايرز" Kleiner Perkins Caufield & Byers (KPCB)، في العام 2012، بتهمة التمييز الجنسي، أن تكون بمثابة إشارة لوادي السيليكون بضرورة معالجة الخلل في الديناميّات الجندرية؛ غير أنّ ذلك لم يحصل. ولكنّ هذه الدعوى كسرت جدار الصمت حول مسائل التمييز والتحرّش اللذين تتعرّض لهما نساء وادي السيليكون اللواتي شارك 200 منهنّ في إحصاء تراي فاسالو وميشيل مادانسكي بعنوان "فيل في الوادي" Elephant in the Valley.
تشرح مادانسكي، النائب السابقة لرئيس قسم جذب العملاء في "ياهو" Yahoo والتي أسّست شركتها الاستشارية الخاصة، لـ"ومضة"، أنّ قضيّة باو هي ما شجّع فاسالو على "العمل على تحديد حجم مشكلة" التمييز الجندري في وادي السيليكون، وتحديداً عندما استدُعيَت لتتحدّث عن تجربتها الخاصة مع التحرش في "كلينر بيركينز كوفيلد أند بايرز"، والتي وجدت صداها لدى الكثير من النساء في وادي السيليكون. وتقول مادانسكي إنّ فاسالو لم تطلق أيّة تصريحات في هذا الشأن قبل المحاكمة "إذ وقّعت عقداً يجبرها الحفاظ على سمعة الشركة عندما غادرت ’كلينر بيركينز كوفيلد أند بايرز‘".
حين يعجز اللسان عن الحديث
من الساذج الافتراض أنّ نساء وادي السيليكون لم يتحدّثن قبل قضية باو عن تجاربهنّ، لأنهنّ سبق أن فعلن ذلك. غير أنّ لا أحد يبالي بما يقلنه. ومن الأدلّة على ذلك أنّ 60% من النساء اللواتي شاركن في إحصاء مادانسكي وفاسالو، واللواتي أبلغن عن حالات تحرش جنسي لدى السلطات المعنية، خاب ظنّهن بالإجراءات المتّخذة. و39% من اللواتي لم يبلغن عن هذه الحالات، اعتقدن بأنّ ذلك سوف يؤثّر سلبياً على مسيرتهنّ المهنية، فيما وقّعت 29% عقوداً ببعدم الإفصاح والحفاظ على سمعة الشركة non-disparagement agreements.
في وادي السيليكون، يسود مزيج من الواقعية السياسية وإدارة السمعة والتدابير القانونية لحماية الذات، ما يرسي ثقافة سامّة تشجّع التسويات المالية والصمت في حالات التحرش الجنسي والتمييز الجنسي. وفي مقالة تعرض أمثلة عن هذه الثقافة، تسلّط الصحافية ماريسا كيندال الضوء على استخدامات اتفاقيات عدم الإفصاح بما يتجاوز الغرض المقصود منها، وربط تعويضات نهاية الخدمة بهذه الاتفاقيات، والتحكيم الخاص لمنع حالات التحرش من الوصول إلى المحكمة.
في المنطقة العربية، أظهر إحصاء لـ"تلفزيون الآن" Al Aan TV بالتعاون مع "يو جوف" YouGov في العام 2011، لم تُنشر نتائجه بعد بل تمّت مشاركتها مع "ومضة"، أنّ 46% من النساء في السعودية و34% في الإمارات قد يبلغن عن التحرش الجنسي في مكان العمل بالاعتماد على الوضع، وأكثر من 53% منهنّ في البلدين قلن إنّهم سيبلغّن السلطات القضائية المعنية أولاً.
عامل الخوف
يعمل شيراز سيثي، المحامي المتخصّص المخضرم في قضايا العمل، على تقديم اقتراح قانون متعلّق بالتوظيف في "مركز دبي المالي العالمي" DIFC، حيث يعمل كمتخصّص في نزاعات العمل. ويختلف النطاق القانوني الذي يندرج ضمنه "مركز دبي المالي العالمي" (الذي يغطي منطقة اقتصادية محددة في دبي) عن النطاق القانوني في مناطق دبي الأخرى. ففي أماكن كثيرة في الإمارات، حسبما يقول سيثي لـ"ومضة"، تراهن السلطات على أنّ الملاحقة القضائية ستشكّل رادعاً لمن قد يرتكب التحرّش الجنسي.
سيثي الذي دافع عن طرفي الادعاء في قضايا تحرّش جنسي وتمييز جندري، يشرح أنّه في القانون الجنائي الإماراتي يمكن لحالات التحرش الجنسي التي يرتكبها رجل بحق مرأة أن تقود إلى الملاحقة الجنائية. وإذا أدين المتهم، "تكون العواقب وخيمة"، حسبما يلفت، موضحاً أنّها قد تتراوح بين دفع غرامة والسجن.
غير أنّ السلطات نادراً ما تعاقب سوء السلوك الأقلّ خطورة على غرار التمييز الجندري في الرواتب ومجالات أخرى. وقد اعتبرت شركات كثيرة هذا الأمر بمثابة ترخيص لها لتجاهل التمييز الذي يعد أقلّ خطورة من التحرّش الجنسي. وأجرت شركات أخرى، من أجل المحافظة على سمعتها، تسويات مالية (مرفقة أحياناً باتفاقيات عدم إفصاح واتفاقيات محافظة على سمعة الشركة) للإحاطة بجميع الطرق الممكنة لحلّ هذه القضايا.
نتيجة لذلك، ستجد الموظّفة غير الراضية عن التمييز الجندري في شركتها أنّ قانون العمل الإماراتي غير مصمّم للتعامل مع هذا الموضوع. وبالفعل، لا ينصّ القانون "بشكل واضح ماهية الممارسات التي تصنّف تحت خانة التمييز الجندري والعقوبات التي قد تطال المتهم"، بحسب سيثي. وفي قانون العمل الإماراتي تطال البنود المتعلقة بالتمييز جرائم الكراهية والتعصّب الديني. ويذكر سيثي أنّه "كمحامٍ يعمل في قضايا التوظيف، لا أرى (في القانون) آلية قانونية تسمح بوقف التمييز".
وبسبب ذلك، قلّة من النساء لجأن إلى المحاكم في الإمارات للادّعاء في قضايا تمييز جندري من حيث الرواتب أو الترقيات الوظيفيّة.
نحو حقبة جديدة؟
يلفت سيثي إلى أنّ قانون التوظيف الذي يعمل على تطويره في "مركز دبي المالي العالمي" يتضمّن بنوداً تسمح باتخاذ إجراءات قضائية ضدّ من يقوم "بأعمال تمييز – سواء على أساس الجندر أو الإعاقة". وإذا تمّت الموافقة على مشروع القانون هذا، يُتوقّع أن يتشجّع الموظّف للتبليغ عن حالات تمييز إذا عانى منها.
بالتزامن مع مشروع "مركز دبي المالي العالمي"، تحرز الإمارات بشكل عام تقدّماً في هذه القضايا. ففي شباط/فبراير 2017، أصدر "مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين" Gender Balance Council والذي تأسّس في العام 2015، دليلاً سلوكياً في أماكن العمل المختلطة في كلّ أنحاء البلاد. وبالتعاون مع "منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي" Organisation for Economic Co-operation and Development (OECD)، يحدد الدليل وغيره من الأدوات معايير التوازن الجندري لدى المنظّمات في الإمارات في هيكلية اتخاذ القرارات وتحديد السياسات. وجاء ذلك بعد إطلاق "برنامج التوازن بين الجنسين" Gender Balance Program في العام 2016، والذي صمم لتقييم التشريعات والسياسات الوطنيّة بما يعزز دور المرأة.
من جهتها، تقول إليسا فريحة، مؤسسة "وومينا" Womena، إنّ "الإمارات تضم البيئة الريادية الأكثر تقدّماً في المنطقة من حيث المساواة الجندرية وتقارب عدد النساء والرجال. وهو أمرٌ لم أره إلا في الإمارات، وعلى بقية المنطقة اللحاق بالركب".
أمّا في المجال التقني والمؤسسات بشكل عام، سواء في الإمارات أو في العالم، فيجب أنّ يتحلّى الرجال في مراكز السلطة باستقامة أكثر في العمل ويجب إقرار إصلاحات في سياسات الشركات لمعالجة مشكلة التمييز الجندري الكبيرة والمتعددة الأوجه.