نحو تنظيم أعمال صناديق الاستثمار المخاطر [رأي]
يقوم مستثمرون أفراد ومستثمرون مخاطرون كثر في المنطقة بالاستثمار في الشركات الناشئة عبر بلدان أخرى، وذلك بسبب قوانينها المسهلّة للاستثمار المخاطر وأطرها التنظيميّة الأفضل. فالمعوّقات الأساسية في الأطر التنظيمية للاستثمار التي يواجهها المستثمرون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أمثالي تشمل:
1- عدم الاعتراف بتصنيفات الأسهم share classes المختلفة والحقوق المرتبطة بها (باستثناء دولة الكويت حيث يعترف القانون التجاري الكويتي بها)،
2- اتفاقيات المساهمين غير الملزمة في حالة الخلاف،
3- قوانين الإفلاس المتقادمة المهملة (إذا توفّرت)،
4- عدم توفّر مبادئ توجيهيّة خاصة بالمستثمرين المخاطرين لإدارة الأموال الائتمانية.
وعلى ضوء عدد الاستثمارات وحجمها المتزايد في قطاع التكنولوجيا في المنطقة العربية، والذي من المتوقع أن يتخطّى عتبة المليار دولار في العام 2017، والصناديق السياديّة التي تستثمر الأموال في فئة التمويل المخاطر في المنطقة، تظهر الحاجة لتقديم مبادئ توجيهيّة محددة ومحسّنة لصناديق الاستثمار المخاطر.
يجب أن تعتمد الصناديق السياديّة مبادئ توجيهيّة خاصة بشركاء صناديق الاستثمار المخاطر مختلفة عن مبادئ الصناديق الأخرى، إذ أنّ مجال الاستثمار المخاطر لا يزال ناشئاً ومعاييره مختلفة عن صناديق الاستثمار في القطاع العقاري مثلاً.
وتعدّ الإمارات مع "سوق أبو ظبي العالمي" Abu Dhabi Global Market، سبّاقة في اعتماد هذا النوع من المبادئ التوجيهيّة التي من الحكمة مشاركتها مع الهيئات التنظيمية المحليّة لاعتمادها لدى سلطات الخدمات الماليّة المحليّة.
تؤدّي صناديق الاستثمار المخاطر دوراً أساسيّاً في تنمية الاقتصاد المحلّي والإقليمي، وتحتضن البيئات الرياديّة بتوفير رأس مال يضفي قيمة للشركات الناشئة الساعية إلى إطلاق وتنمية أعمالها. لذلك، هناك فائدة في تنظيم الهيئات المعنية لنشاطات المستثمرين المخاطرين وصناديق الاستثمار المخاطر. وفيما يلي محاولة لتنظيم هذه الصناديق في المنطقة مبنية على خبرتي الخاصة في إدارة صندوق أسهم خاصة وفي ريادة الأعمال والاستثمار وتنظيم أعمال الشركات الصغيرة والمتوسطة:
1- سياسة إدارية واضحة
يجب أن يدير صناديق الاستثمار المخاطر إمّا شركة مختصّة بالإدارة أو شركاء مستثمرون، وذلك لمتابعة نشاطات إدارة صندوق استثماري مشترك.
2- تقييم المخاطر والمخارج
تأخذ صناديق الاستثمار المخاطر عادةً حصّة الأقلية من الشركات الناشئة (الشركات الناشئة غير المدرجة) بهدف ابتكار منتجات وخدمات جديدة في أسواق كبيرة. وتختلف النتيجة بحسب نضوج الشركات الناشئة التي يفلس بعض منها فيما تقوم أخرى بعمليات تخارج كبيرة تحقق ربحاً لصندوق الاستثمار المخاطر يكفيه للاستمرار حتّى موعد إغلاقه.
3- المشاركة المادية
يجب على الشركاء المستثمرين استثمار أموالهم الخاصة بالصندوق إلى جانب أموال مستثمريهم (وذلك بنسبة 2% على الأقل من حجم الصندوق)، لكي تتماثل مصالحهم مع مصلحة المستثمرين في الصندوق.
4- تغطية التكاليف الشخصية
يجني الشركاء مقابل خدماتهم الإدارية ما يساوي عادةً 2% من حجم الصندوق وذلك لتغطية نفقاتهم المستمرة، ويحق لهم الحصول على الربح carried interest (ما يساوي عادةً 20% من عائدات صندوق الاستثمار المخاطر) وذلك عند إغلاق صندوق الاستثمار المخاطر.
5- اعتماد التقييمات والحوكمة وإعداد التقارير
قد لا تناسب الحوكمة التقليدية وهيكليات إعداد التقارير، شركاء الاستثمار، إذ أنّ طبيعة الاستثمار المخاطر مختلفة. ومن الأمثلة على ذلك: التقييمات؛ أغلب صناديق الاستثمار في مراحل مبكرة قد لا تجني أرباحاً ولا حتى عائدات. وبالتالي، قد تكون القرارات الاستثمارية شخصّية وتعتمد على التقييم النوعي وحكم المستثمرين بدلاً من النماذج المالية التقليدية. تقييم الشركات الناشئة مسألة شخصية كذلك ويحدده رأي المستثمر خلال جولات تمويل الشركة الناشئة. بمعنى آخر، من الصعب اعتماد تقييمات المستثمرين التقليديين ومتطلباتهم لتقارير صناديق الاستثمار المخاطر المؤقتة.
تحسّنت أيضاً الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الخمسة الماضية، مراعيةً أهميّة تأدية أشخاص مختلفين لمهام مختلفة كإدارة المخاطر والاستثمار ومعرفة العملاء KYC والمهام الأخرى، ومستفيدةً من التسلسلات الهرمية لعمليّة اتخاذ القرارات من خلال اللجان والمجلس الاستشاري ومجلس الإدارة والأعضاء. ولكنّ هذه ليست القيمة الحقيقية التي يضيفها الشركاء المستثمرون، إذ يركّز هؤلاء على ابتكار القيمة، ويستثمرون أغلب مداخيلهم في الفرق التي تقوم بذلك، بدلاً من الإدارة والدعم والحوكمة.
6- التحلي بمؤهلات المستثمر المخاطر
على المرشّح ليصبح شريكاً استثمارياً أن يظهر معرفة معمّقة في المجالات التالية: ريادة الأعمال والشركات الناشئة، والأسهم الخاصة، ورأس المال المخاطر، وإدارة الأصول، والاستثمار والشركات الصغيرة والمتوسطة.
ويطلب من الشريك الاستثماري في صندوق الاستثمار المخاطر تقديم المستندات التالية للهيئات التنظيمية المحليّة:
- تصريحات مالية سنويّة مدققة وتقارير تدقيق الحسابات،
- وتقرير سنوي واحد على الأقل من صندوق الاستثمار المخاطر للمستثمرين والهيئات التنظيمية المحليّة،
- وإظهار قدرة الصندوق على الوفاء بالتزاماته عند استحقاقها، وإثبات حصوله على الموارد المالية الكافية لإدارة أعماله بحذر ونجاح، وبتوفير توقعاته عن السوق في السنة المقبلة.
قبل اكتشاف النفط، ارتكز اقتصاد الكويت على مركزها التجاري الذي يعود إلى موقعها الجغرافي على طرف الخليج العربي. واعتمد الكويتيون على تجارة المنتجات من شمال العراق إلى بلدان الخليج الأخرى وصولاً حتّى إلى الهند. وفي طريق العودة إلى الكويت، كانوا يمرّون في شرق أفريقيا. كان المجتمع يتألف من تجّار أغنياء (مستثمرون)، وقادة السفن التي تجني الأموال للتجار (شركاء الاستثمار)، والعمّال الذين يتاجرون بالمنتجات (روّاد الأعمال). جنى قادة السفن أموالهم من التجار لإدارة استثماراتهم ودفع رواتب العمّال، وشجّعتهم حصّة الربح التي حققوها من كلّ رحلة (الربح carried interest)؛ وذلك دليل على أن الرأسمالية موجودة في الكويت منذ القرن السابع عشر. فالتجار وقادة السفن والعمّال لا يزالوا في مجتمعنا، وما علينا إلا تحديث هذه العلاقة لتتناسب مع حالة السوق الحاليّة، ومن ثمّ التطلّع إلى المستقبل.