ثلاث تجارب ناجحة لتعليم البرمجة للأطفال في الأردن
في عالم رقمي متسارع، تشهد البرمجة إقبالاً متزايداً على تعلّم أساسياتها وإتقانها لعدة أهداف قد يكون الحصول على وظيفة أوّلها وليس تأسيس شركات آخرها.
من هذا المنطلق، انتهزت شركات ومؤسّسات عاملة في الأردن الفرصة لتكون أكثر تخصصاً في هذا القطاع، فتوجّهت لتعليم البرمجة للأجيال الناشئة، إيماناً منها بأهمية الاستثمار في المستقبل وسدّ فجوة يحتاج المجتمع إلى سدّها، ونظراً إلى ازدياد الطلب على المبرمجين عالمياً.
غيرة الأهل كدافع
كأيّ أمّ مهتمّة بتعليم أولادها بأفضل ما يمكن، اطّلعت حنان خضر على مناهج مواد الحاسوب في مدرستهم ولمست خللاً في دروس البرمجة حيث كانت شديدة التعقيد. وأثناء تدريس الأولاد لاحظت أنّهم لا يستوعبون الدروس إلاّ بعد تبسيطها. ومن هنا خطرت لها فكرة تأسيس أكاديمية تتخصّص في تدريس البرمجة للأطفال. وبعد مشاركتها كرائدة أعمال في برنامج "تك ومان" Techwomen في الولايات المتحدة، أسّست أكاديمية "هلو وورد كيدز" Helloworldkids التي تعطي دروساً تقنية للأطفال من عمر 8 حتى 12 سنة وتعلّمهم البرمجة.
تقول خضر إنّ البرنامج الذي تعتمده "هلو وورد كيدز" هو عبارة عن "منهج يتألف من خمس مراحل تستهدف خمس مراحل دراسية وتغطي مواضيع من بينها التعامل مع برمجيات سطح المكتب وتطبيقات الهواتف المحمولة".
لم يختلف الدافع كثيراً مع ربا عصفور وجيدا الصُّناع، اللتين أسّستا "ذا ليرنينغ سيركل" The Learning Circle في الأردن، انطلاقاً من ملاحظة الصُّناع أنّ بناتها "لم يكنّ يستمتعن بحصص البرمجة في المدرسة إذ كانت هذه المادة مملة نوعاً ما بالنسبة لهنّ". وبناءً عليه، اجتمعت بشريكتها عصفور لإطلاق البرنامج بهدف تقديم مجموعة من المواد المفيدة للأطفال على نطاقٍ أوسع في جوٍّ من المرح والإيجابية، بعد ملاحظة الإقبال على تعليم البرمجة.
وتوضح عصفور، أنّ "ذا ليرنينغ سيركل" "تقدّم أكثر من مستوى للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و16 عاماً، بدءاً ببرمجة المواقع الإلكترونية، وليس انتهاءً بتطوير الألعاب"، كما تعطي دورات أخرى مثل التصميم الغرافيكي وتحرير الصور والفيديو.
تجربة سحر وهبة، مؤسِّسة ومديرة أكاديمية "سكايلارك" Skylark، تختلف بعض الشيء عن دوافع زميلاتها في هذا المجال. وهي تتمثّل بشكل أساسي رغبة طلاب الأكاديمية الصغار في تجاوز دروس تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) التي تقدمها الأكاديمية للانتقال إلى دورات أكثر تقدماً في المستوى. لذلك وبعد التشاور مع خبير تربوي في المناهج التكنولوجية، أطلقت برنامج "برمجتي" الذي يسعى إلى تمكين الطلاب من إتقان لغات البرمجة المتعددة.
ينقسم "برمجتي" إلى 4 مستويات، ليشمل الطلاب من الصف الرابع وحتى التاسع الابتدائي. وتقول وهبة إنه "مؤخّراً، استحدثنا المستوى الخامس الأكثر تقدماً بسبب رغبة الطلاب المشاركين في تعلم المزيد".
تعمل "هلو وورد كيدز" و"سكايلارك" باتجاه اعتماد مناهج البرمجة الخاصة بهما في المدارس الحكومية والخاصة. ولكن "ذا ليرنينغ سيركل" ترغب في البقاء ضمن دائرة استقطاب الخبراء والمهنيين في صناعة تكنولوجيا المعلومات للمشاركة في إعداد برامجها التعليمية وتحديثها بناء على آخر تطورات المجال مع الاستمرار في العمل مع المدارس إلى جانب النشاطات اللامنهجية.
هل لتعليم البرمجة فوائد تربوية أيضاً؟
تعتبر سما الخالدي - المستشارة في مجال المناهج الدراسية - أنّ "البرمجة تعلّم الأطفال الإبداع، وانسيابية التفكير، والتسلسل المنطقي، عدا عن تعزيز الثقة بالنفس" من خلال العمل ضمن فرق وعرض الأفكار أمام المجموعة. تنصح الخالدي بتعلّم البرمجة منذ الصغر ليتعوّد الطالب على توظيف مهاراته في حياته العلمية والعملية، لافتة إلى أنّ الإلمام بالبرمجة يساعد الطالب أيضاً أثناء احترافه مهن أخرى كالطب والهندسة والتعليم وغيرها.
تؤيدها في ذلك شريفة حجّات، مؤسسة "الأكاديمية العربية للتعليم الإلكتروني"، وترى أنّ البرمجة تساهم في تعليم الأطفال قواعد استخدام المنطق والشرط والسبب ضمن عمليات عقلية لتحقيق النتيجة المطلوبة. وتوضح أنّ ذلك "يساعد على تطوير عدة مهارات حياتية هامة كاتخاذ القرار، وحلّ المشاكل، والاهتمام بالتفاصيل وربط الأجزاء بالصورة العامة. كما يساهم في تطوير شخصياتهم وتحسين طريقة تفكيرهم منذ الصغر".
كيف استقبل الأهل هذه الحصص؟
لاحظتْ الصُّناع، أثناء تنفيذ برامج "ذا ليرنينغ سيركل"، ميلَ الآباء إلى تسجيل أبنائهم وبناتهم في دورات البرمجة تحديداً، بينما تفضّل الأمّهات تسجيل أطفالهنّ في الدروس الإبداعية أكثر من الدورات البرمجية.
لذلك يتيح البرنامج، بحسب عصفور، "للأهالي بإرسال أبنائهم لحضور حصّتين أو ثلاث حصص تجريبية، وتختار نسبة كبيرة جداً منهم إكمال الدورات حتى النهاية".
وفي "سكايلارك" كان أكثر ما لفت انتباه وهبة هو اهتمام الأهالي بمتابعة تقدّم أبنائهم في مجال البرمجة إضافةً إلى دعمهم في المطالبة بتأسيس مستوى خامس إضافي لزيادة استفادتهم.
تقول خضر بدورها، إنه "في حين لم يدرك بعض الأهالي الهدف من تعلم أبنائهم للبرمجة، أبدت نسبة كبيرة تعاوناً ملحوظاً، فالأهل العارفون بتميّز أبنائهم وقدراتهم في استخدام التكنولوجيا كانوا يسعون دائماً لتطوير هذه القدرات".
برمجة، وبناء شخصية، وريادة
تسعى "ذا ليرنينغ سيركل" إلى استقطاب مبرمجين ومدراء في قطاع تكنولوجيا المعلومات لمشاركة عصارة خبراتهم وآخر التطوّرات في هذا القطاع مع الطلاب، بعد تلقيهم التدريب اللازم للتعامل مع الطلاب. كما يعدّ برنامج "تعليم الريادة" واحداً من الدورات المهمة التي تقدمها المؤسسة حيث يتعلّم الأطفال تنفيذ المشاريع الجماعية والعمل ضمن فريق واحد في إطار برنامج محاكاة يتم فيه توزيع الأدوار.
أما منهج بناء "ثقافة الشخصية" الذي تقدمه "سكايلارك" ضمن "برمجتي"، فيساعد في إعداد الطالب لاستقبال المعلومة بشكل سليم، وتعزيز مهارات العمل والتعاون ضمن فريق واحد بين الطلاب، لتكوين "شخصية المبرمج القائد" وفقًا لوهبة. يعتمد "سكايلارك" و"برمجتي"، مهارات القرن الواحد والعشرين في التعليم التي تستند بشكل أساسي على التكنولوجيا لتنمية قدرات الطلاب وزيادة تفاعلهم.
من جهة أخرى، يشترط "هلو وورد كيدز" على الطلاب تحضير عرض تقديمي يشرح فكرة المشروع البرمجي الذي ينوي العمل عليه خلال الدورة مما يكسر حاجز الخوف من مواجهة الآخرين ويزيد من قدرته على التعبير عن ذاته.