أمور عليك معرفتها قبل الانتقال إلى أوروبا أو الولايات المتحدة
قد يشكّل التوسّع في نطاق مشاريعك خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحدّياً لك، خصوصاً وأنّه على المرء بناء شبكة علاقات جديدة وتعلم قواعد إدارية وقانونية جديدة، إلى جانب ضرورة إيجاد طريقة للعمل بلغةٍ غير لغته الأم، حسبما يشير الخبراء في مجال ريادة الأعمال. بإمكانك تعلم معظم هذه الأمور عبر البحث في "جوجل"، إلاّ أنّ هناك أمراً لا يمكنكم تعلمه من مقالة واحدة: وهو ثقافة أجنبية.
يفكّر الناس في أوروبا وأميركا الشمالية ويتصرّفون بشكل مختلف. فكيف ينبغي عليكم التصرف عند الدخول إلى اجتماع ما؟ وهل تختلف قواعد التواصل هناك عنها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ وكيف يمكنكم التعريف بأنفسكم؟
سألنا في "ومضة" أشخاصاً نجحوا في أوروبا وأميركا الشمالية عن الأمور التي تمنّوا لو أنهم تعلّموها قبل انتقالهم إلى هناك، كما سألناهم أيضاً عن كيفية تفادي الزلّات وسوء التفاهم وعن كيفية مناقشة الأمور الحياتية في الثقافات الجديدة هذه.
فهم المعنى وراء الكلمات
لا تحمل الكلمات المعاني ذاتها في جميع الثقافات، فإذا أردتم مشاركة أفكاركم وإيصال آرائكم من دون إهانة أحد من الضروري فهم كيفية تواصل الناس في دولة معينة وتفاعلهم فيما بينهم.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، من الأفضل تفادي استخدام كلمة "سيئ"؛ يقول رائد الأعمال التونسي أحمد المهيري، مؤسّس شركة "ترافل كار" Travelcar، وهي منصّة لمشاركة السيارات بدأت عملها في فرنسا وتوسّعت بعد ذلك إلى الولايات المتحدة، إنّه لاحظ أنّ الأميركيين يحرصون على عدم إيذاء مشاعر أيّ شخص عند انتقادهم أيّ شيء. وبالتالي، فهم يستخدمون مصطلحات نسبية؛ مثل القول إنّ أمراً ما "ليس الأفضل" عوضاً عن وصفه بأنه "سيئ"، وإنّ شخصاً ما "ليس الأذكى" بدلاً من القول إنّه "غبي". كذلك، فهم يستخدمون في بعض الأحيان عبارة "أعتقد" أو "يبدو أنّ" عند بدء الحديث، رغبة منهم في عدم الظهور بأنّهم حاسمين بشأن أمرِ ما.
ينطبق الأمر ذاته عند التعبير عن الاهتمام بأمرٍ ما، فمن غير الممكن التعبير عن اهتمامك بأمر ما بالطريقة نفسها في جميع الدول. ففي الولايات المتحدة، يميل الناس إلى المبالغة في التعبير عن حماستهم تجاه أمرٍ ما، تماماً مثل كلمات الأغنية "كل شيء رائع" Everything is awesome. وفي بريطانيا، يميل الناس إلى استخدام مصطلحات لا تعبر عن مشاعرهم حيال الأمور بما يكفي من باب الاحتفاظ بمسافة معينة مع الآخرين. فالناس هناك لا يأخذونك على محمل الجد إذا كنت مفرطاً في الحماسة. أما في فرنسا، فلا يحب المستثمرون الأشخاص المتباهين، لذلك عليك كبح جماح حماستك وترك الأرقام تتحدث عنك.
فهم لغة الجسد
يختلف التفاعل الجسدي من بلد إلى آخر أيضاً، فالحركات المناسبة في بلدٍ ما قد تبدو شخصيةً للغاية أو في غاية البرود في بلد آخر.
يقول سامر وجدي، مؤسس "جي بي أرينا" GBarena، وهو تجمع لمحبي الألعاب على الإنترنت، إنّه انتقل من القاهرة إلى مارسيليا من خلال برنامج "تك تيكيت" Tech Ticket الفرنسي.
ويشرح أنّه "عندما وصلت لأول مرة إلى مركز حاضنة الأعمال، رحّب الناس بي كثيراً وكانوا ودودين جداً ولم أكن أعرف السبب في ذلك، إلى أن جاء شخص وقال لنا إنّ تقبيل المرأة على خدها لتحيّتها أمر طبيعي، إلاّ أنّه من غير الطبيعي القيام بفعلٍ كهذا مع شخص بالكاد نعرفه في مصر. وقد سارت الأمور على ما يرام إلى أن عدت إلى مصر في زيارة ونسيت أنني لم أعد في فرنسا".
لا تعطوا انطباعاً خاطئاً، وانتبهوا إلى المسافة التي يحافظ عليها الناس من حولكم عند تقبيل وعناق ومصافحة الآخرين وتصرّفوا بشكل مشابه.
معرفة كيفية التعاون مع الآخرين
هل ثقافة البلد التي تنتقل إليه فردية أم تعاونية؟ التونسية آمنة الغرياني، المديرة التنفيذية لشركة "بوينديفستر" Poindevster والمديرة العالمية لمؤسسة "معهد فاوندر" Founder Institute لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عاشت في وادي السيليكون لمدة عامين وتقول إنّ الناس هناك يقدّرون ما يقدمه الآخرون لمنفعة الغير.
وتشير إلى أنّه "في وادي السيليكون يدور الأمر كله حول العمل الجماعي والتعاون والشعور بالامتنان لما يملكه الشخص وما يقدمه الناس له".
ويعني هذا أنّ التفاعل مع الناس، حتى لطلب المساعدة هو الأمر الطبيعي والمعتاد، "أما في ثقافتنا، فهذا أمر غير وارد إذ أنّ المرء قد يشعر بالفشل إذا سأل عن أمر ما، في حين أن كل شيء هنا يدور حول التعاون وطلب المساعدة"، كما تضيف.
وفي الوقت نفسه، هناك شعور بضرورة عدم الثرثرة عند الحديث، فالناس هناك يحبون الاستماع عند الحديث عن الشركات الجديدة والأمور المماثلة، إلا أنّه عليك الاقتضاب في حديثك. وليست هذه هي الحالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يميل الناس إلى التمهل وعدم مشاركة الكثير من المعلومات حول مشاريعهم.
وبدوره يرى يقول المهيري، مؤسّس شركة "ترافل كار"، أنّه في وادي السيليكون يجب على المرء "أن يكون مباشراً وأن يدخل في صلب الموضوع، فالناس هناك يتبعون المبدأ القائل بأنّ الوقت من ذهب بجدية فيما يتعلق بالأعمال".
التعمق في الثقافة المحليّة
ما الذي عليك فعله غير الانتباه وطرح الأسئلة للتعرف بشكل وثيق على ثقافة ما؟ يقترح المهيري قضاء عام في دراسةٍ أكاديمية لاستكشاف الثقافة وتكوين الصداقات. أمّا بالنسبة إلى وجدي، مؤسّس "جي بي أرينا"، فإذا كان المرء يفتقر إلى الرغبة (أو المال) للحصول على درجة ماجستير، عليه الاعتماد على نفسه لحظة وصوله إلى أي بلد والاستفادة من العلاقات مع المغتربين لأنها تمنحه فكرة كبيرة عن ثقافة البلد.
يقول وجدي: "لقد فوجئت عندما علمت أن التحدث باللغة الإنجليزية في فرنسا أمر مستغرب، إلا أنّني فوجئت أكثر عندما علمت أن هناك أناساً كثيرين يتحدثون العربية".
ومع أنّه كان متفاجئاً، إلا أنّه كان متشجعاً حيال هذا الموضوع حيث ساعده كثيراً في حياته اليومية، فقد كان من السهل عليه أن يجد صاحب متجر أو عميل يتحدث اللغة العربية لمساعدته على الترجمة. وكان وجدي وزملاؤه المصريون في مركز حاضنة الأعمال الفرنسية "بيل دو ماي" Belle de Mai يطلبون المساعدة من الناطقين باللغة العربية حتى يتمكنوا من تعلّم التحدث باللغة الفرنسية.
لذلك، عليك ألا تشعر بالخجل (فمن الطبيعي ارتكاب بعض الأخطاء بالفعل أو القول)، ولكن عليك ألاّ تبقى غافلاً عن كيفية سير الأمور من حولك. وبامتلاك المزيج المناسب من التحرّي والمغامرة، ستتمكن من اكتساب ثقافة ولغة جديدتين في وقت قصير.
الصورة الرئيسية عبر "بيكساباي" Pixabay