الذكاء الاصطناعي يمدّ جذوره في المنطقة
على الرغم من سرعة التطوّر الهائلة التي يشهدها قطاع الذكاء الاصطناعي من خارج المجالين الأكاديمي والهندسي، فهو لا يخلو من الغموض والمخاوف. ويخال البعض أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى مستقبل مرير تحكمه الآلة على غرار ما يظهر في فيلم "ذا مايتركس" The Matrix، فيما يتخوّف البعض الآخر من انتشار الروبوتات المستقلة المدمّرة مثل "ترمنايتر" Terminator و"روبوكوب" Robocop (يبدو في المقابل أن شرطة دبي تُحكم السيطرة على هذا الأخير).
يُعنى قطاع الذكاء الاصطناعي في الواقع، بتطوير أنظمة ذكية تحاكي سمات الذكاء البشري ومن بينها فهم اللغات وتحدّثها، ومعالجة مشكلات متعدّدة، والتعلّم بالأمثلة.
وقد جذب هذا القطاع في العام الماضي ما بين 26 و39 مليار دولار من الاستثمارات عالمياً. وكان 20 إلى 30 مليار من بينها على شكل استثمارات داخلية قامت بها الشركات التقنية الضخمة التي استثمرت نسبة %90 منها في البحث والتطوير، ونسبة %10 المتبقية في صفقات الدمج والاستحواذ. كما تلقّت الشركات الناشئة في قطاع الذكاء الاصطناعي بين 6 و9 مليارات دولار من الاستثمارات على شكل رأسمال مخاطر وأسهم خاصة وغيرها من مصادر التمويل الخارجية في العام 2016. وبلغت قيمة الاستثمارات هذه ثلاثة أضعاف القيمة التي سجّلتها استثمارات العام 2012.
وسيتم تسليط الضوء على أحدث الابتكارات في هذا القطاع خلال فعالية "جيتكس فيوتشر ستارز" GITEX Future Stars التي ستُقام من الثامن حتى الثاني عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر في دبي بالتعاون مع "ومضة". وما زال استقبال طلبات الانتساب جارياً.
مجالات الذكاء الاصطناعي
يحاكي كلٌّ من مجالات الذكاء الاصطناعي المختلفة وجهاً معيّناً من الذكاء البشري، بهدف التوصل في النهاية إلى معالجة مشكلات متعدّدة. وفي ما يأتي أمثلة على هذه المجالات وعلى شركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اكتسبت شهرةً بفضل عملها في أحدها.
-
تعلّم الآلة:
يهدف هذا المجال إلى تزويد الحواسيب بقدرة التعلّم من دون برمجتها للقيام بذلك، ويشمل أساليب مختلفة لتلقين الآلة كيفية إنجاز مهمة معيّنة. ويعدّ "التعلّم تحت المراقبة" الأسلوب الأكثر استخداماً من قبل الشركات حاليّاً، ويتضمّن تدريب خوارزميّات التعلم الآلي على رصد وجود مشكلة معينة من خلال إدخال أمثلة لمواقف معينة وكيفية حلّها.
وعلى سبيل المثال، يمكن تعليم الآلة رصد مرض السرطان من خلال أمثلة صور أشعة وتشخيصات مناسبة لكلٍّ منها. فبعد تزويدها بآلاف الأمثلة، تتعلّم الآلة تحديد السمات التي تشير إلى احتمال كبير لوجود المرض. وتعود ثورة النجاح التي تشهدها تطبيقات الذكاء الاصطناعي حاليّاً إلى التطوّرات في مجال التعلم الآلي بما فيها التعلّم العميق والتعلّم المعزّز الذي خوّل البرامج إنجاز مهام أكثر تعقيداً مثل التغلّب على أبطال عالميين في لعبة "غو" Go وربح جولات بوكر. ويعدّ ذلك إنجازاً عظيماً نظراً إلى أن هذه المهام تتطلّب قدرة على التفكير الاستراتيجي القريب والبعيد المدى، وأساليب الخداع، والانطلاق غالباً من معلومات غير مكتملة. كما يتم حاليّاً استخدام تقنيات تعلم الآلة هذه في مجالات الذكاء الاصطناعي الأخرى مثل الرؤية الحاسوبية والعربات المستقلة. وتسمح منصة "نيوتك" Neotic للمتداولين بتجربة استراتيجياتهم قبل طرحها في الأسواق المالية، وتقدّم لهم التوصيات الملائمة انطلاقاً من معطيات حاضرة وأخرى تاريخية.
-
الرؤية الحاسوبية:
يزوّد هذا المجال الحواسيب بقدرة النظر واستخراج المعلومات من صور أو سلسلة صور. وتطوّر شركة "نار" NAR الناشئة برامج تخوّل الطائرات من دون طيّار مراقبة خطوط الأنابيب، وإرسال إنذارات في حال العثور على مشكلة معينة، إضافةً إلى إعداد التقارير آلياً.
-
العربات المستقلة:
انطلاقاً من النجاحات التي حققتها ابتكارات التعلم الآلي الأخيرة، بدأت الشركات تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لبناء "دماغ" السيارة ذاتية القيادة. فبعد تجهيز السيارة بدماغ مماثل، يجري تلقينها تقنيات القيادة اللازمة من خلال تفاعلات في محيط يحاكي المحيط الحقيقي وإدخالها في تجارب وأخطاء. ويواجه انتشار العربات المستقلة عوائق عدّة أبرزها ضمان الأمن والسلامة بشكلٍ كامل. وحتى لو وصلت نسبة عدم ارتكاب هذه العربات أخطاءً إلى %99.9، تبقى نسبة %0.1 من الأخطاء خطراً كبيراً على الركاب وسائر الأفراد. وفي هذا المجال، تطوّر شركة "نكست فيوتشر ترانسبورتايشن إنك" Next Future Transportation Inc وحدات نموذجية مستقلة يمكن وصلها وفصلها وتشريجها أثناء الحركة. وقد تشاركت مع كلٍّ من هيئة الطرق والمواصلات التابعة لحكومة دبي، وشركة "كريم" Careem، في عرض إمكانات نموذج النقل هذا خلال فعالية "جيتكس" 2016.
-
معالجة اللغات الطبيعية:
يشمل هذا المجال من الذكاء الاصطناعي تصميم برامج تعالج اللغة البشرية وتفهمها. ويستخدم روبوت المحادثة "أرابوت" Arabot الذكي معالجة اللغات الطبيعية من بين غيرها من التقنيات، لابتكار روبوتات محادثة سهلة التطبيق في قطاعات ومواقف متنوعة.
-
التعرف على الصوت:
تحوّل أنظمة التعرف على الصوت الموجات الصوتية إلى لغات مقروءة وقد تطوّرت بشكل كبير في الأعوام الأخيرة. وأشارت دراسة أُجريت في العام 2016 في جامعة ستانفورد أن سرعة أنظمة التعرف على الصوت في اللغة الإنجليزية بلغت ثلاثة أضعاف سرعة الطباعة. كما أعلنت "جوجل" مؤخراً أن معدّل الخطأ في تكنولوجيا التعرف على الصوت بلغ %5 فقط في اللغة الإنجليزية المستخدمة في الولايات المتحدة الأميركية. وليس مستغرباً أن تحقق هذه التكنولوجيا ذات الأداء المميز انتشاراً وشهرةً واسعين.
تأسست شركة "فوتك إنك" Votek Inc التي تقدّم برامج التعرف على الصوت وتتخذ من دولة الإمارات مقرّاً لها في العام 2014. وتعاونت مع الحكومات والشركات الإقليمية وقدّمت إليها خدمات التعرف على الصوت باللغة العربية إضافةً إلى خدمة "المساعدين الشخصيين الرقميين". كما طوّرت "فوتك" دمية "لوجي" Loujee التعليمية الذكية والتي تستخدم "معالجة اللغات الطبيعية" باللغة العربية، و"التعرف على الصوت" في تفاعلها مع الأطفال.
ثقة المستهلك في منتجات الذكاء الاصطناعي تتزايد
أظهر "استطلاع المستهلك الرقمي" Digital Consumer Survey لعام 2017 أجرته شركة "أكسنتشر" Accenture أن نسبة %76 من المستخدمين في دولة الإمارات راضون عن مستوى خدمة العملاء بالذكاء الاصطناعي (فيما تصل هذه النسبة إلى %62 عالميّاً). كما أنهم يفضلونها على التفاعل البشري بحيث أنها متوافرة في كافة الأوقات، وغير متحيّزة، وسريعة التفاعل.
وفي استطلاع آخر أجرته شركة "برايس ووترهاوز كوبرز" PwC، أبدى معظم المشاركين في السعودية (66%)، وقطر (65%)، ودولة الإمارات (62%)، استعدادهم لاستبدال الأطباء ببرامج الذكاء الاصطناعي والروبوتات. وشكّلت السرعة والدقة في التشخيص والعلاج الحافزَين الأساسيين لإدخال حلول الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية. ولكن أبدى الجزء الآخر من الأفراد المشاركين في الاستطلاع رفضهم الخضوع إلى عمليات على يد آلات الذكاء الاصطناعي لسببين رئيسيّين: أولاً، قلة الثقة بقدرة الروبوتات على اتخاذ القرارات الطارئة الصائبة (47%)، وثانياً، غياب اللمسة البشرية التي لا يمكن استنساخها (41%).
دولة الإمارات في المقدّمة
استثمرت دولة الإمارات وتحديداً برنامج "مسرّعات دبي المستقبل" Dubai Future Accelerators في عدد كبير من الشركات الناشئة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في قطاعات مختلفة، ومن بينها "كي نكست" QueNext، و"أفالون إي آي" Avalon AI، و"غراملابز" Gramlabs، و"ماركت آي كيو" Market IQ.
كما تم عقد شراكة بين شركة "كوماي تكنولوجيز" Comae Technologies المدعومة أيضاً من برنامج "مسرّعات دبي المستقبل" وشرطة دبي بهدف تطوير حلول الذكاء الاصطناعي في مجال الأدلة الجنائية.
وفي هذه الأثناء، تتطلّع "كوغنيت" Cognit وهي مشروع مشترك بين كلٍّ من شركة "المبادلة للتنمية" Mubadala Development وشركة "آي بي إم واتسون" IBM Watson، إلى توفير نظام الحوسبة الإدراكية الذي يدعم عملية اتخاذ القرارات في شركات دولة الإمارات.
تخترق ابتكارات الذكاء الاصطناعي تدريجيّاً مختلف قطاعات السلع والخدمات حول العالم. ويعتمد التبنّي الشامل لهذه الابتكارات على المبادرات التي ستتخذها الشركات لتبنّي حلول الذكاء الاصطناعي ودمجها في صلب خدماتها من جهة، وعلى مستوى تقبّل المستهلكين للتغيّرات الجذرية الناشئة عن ذلك من جهة أخرى.
الصورة الرئيسية من "بكساباي".