لمياء بازير مغربية تحدث تحوّلاً في ريادة الأعمال الاجتماعية
كان بإمكان لمياء بازير أن تتّخذ مهنةً خارج المغرب، من خلال الدعوة إلى تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين في جميع أنحاء العالم.
فهي تتمتّع بكلّ شيء: خلفية ممتازة في التعليم مع شهاداتٍ من "جامعة كولومبيا" Columbia University و"معهد العلوم السياسية" Sciences Po في باريس، وسيرة ذاتية تتضمّن العمل مع "منظمة الشفافية الدولية" Transparency International و"جائزة الأمم المتحدة للعمل التطوعي" لعام 2015.
ومع ذلك، اختارت العودة إلى وطنها الأمّ وإطلاق مشروعها الاجتماعي "تمكين النساء في الأطلس" Empowering Women in The Atlas، الذي يعمل مع 100 امرأة لكسر الحواجز الاجتماعية التي تمنع معاملة المرأة على أنّها رائدة أعمال.
تقول بازير لـ"ومضة" إنّ "فكرتي كانت ألاّ يقتصر (الجهد) على تمكين النساء في المناطق الريفية، بل على التفكير أيضاً في التأثير والقيمة الاقتصادية". وتضيف أنّ "المشكلة كانت في أنّ المرأة لا يمكنها أن تكون مستقلّةً مالياً بسبب غياب الفرص الاقتصادية ووسائل النقل وحتى الأساسيات مثل الماء أحياناً. كل ذلك يحدّ من مشاريع النساء ومستقبلهنّ".
تكوين صداقات
المرة الأولى التي قابلت فيها بازير نساءً من جبال الأطلس، كانت أثناء دورة تدريب حرفية للنساء في إطار مقرّر تعليمي من "جامعة الأخوين" Al Akhawayn University. ولكنّ هذه الريادية الاجتماعية تشير إلى أنّها لم تُفاجأ بالفقر الذي تعاني منه النساء، "فقد رأيت الكثير من الفقر في المغرب، وما فاجأني هو تصميمهنّ على الخروج من هذا الوضع".
بقيت بازير على علاقةٍ مع هؤلاء النساء بعد فترةٍ طويلةٍ من انتهاء التدريب، بحيث كوّنت صداقات معهنّ وراحت تساعدهنّ على إيجاد سبل للعيش الكريم. وتشرح أنّها لم تكن "فتاة قادمة من خلفية مميزة جاءت لمساعدتهنّ، بل كنّا جميعاً متساويات نفكّر في ما يمكن أن نفعله وفي ما ينقصنا".
في حين تأتي المساعدات للمشاريع الاجتماعية المخصّصة لمكافحة الفقر غالباً على شكل تمويلٍ أو قروض، أرادت بازير تطوير "الإمكانات البشرية" أولاً، بحيث يكون لصديقاتها تأثيراً على بيئتهنّ الحاضنة.
وتشرح في هذا السياق قائلة: "استمعنا إلى احتياجاتهنّ لنحاول أن نرى ما الذي يمكن فعله للمساعدة، وأيضاً العمل على استدامة هذه المبادرات. وهدفي من ذلك هو إحداث تغييرات منهجية، فأنا هنا لجمع الأموال، ومرافقة النساء، ولكن بعد ذلك سأنتقل إلى مبادرةٍ أخرى بهدف جعلها مستقلّة تماماً".
تجربة غنية
التربية التي تلقّتها بازير وجذورها الاجتماعية سهّلتا اتّصالها بالنساء.
نشأت هذه الريادية المغربية في مدينة ساحلية في كنف عائلة ثريّة، غير أنّها كانت دائماً تلعب في الشارع مع أطفال من خلفيات اجتماعية متنوّعة ومختلفة. وتروي قائلة: "لقد تربّيتُ على وجوب حصول الجميع على فرص متساوية بغضّ النظر أين ولدوا ونشأوا".
خلال دراستها وعملها مع الحكومة، استطاعت بازير أن تتأقلم مع البيئات المختلفة، وأن تنتقل بسلاسةٍ بين عالم الوزارات والنقاشات الدبلوماسية والعالم المقابل في جبال الأطلس.
وترى أنّ "معظم هؤلاء النساء مزارعات عظيمات، ولكن لا اتّصال لهنّ مع السوق ولا يمكنهنّ الحصول على ردود فعل (المستهلكين) وبالتالي وضع خطط لتنمية أعمالهنّ".
الحاجة إلى الابتكار
تشكّل النساء أغلب القوى العاملة الزراعية في المغرب، بحيث يشارك 57% من النساء في أنشطة زراعية في البلاد، وفقاً لـ"منظمة الأغذية والزراعة" FAO – وبالتالي فإنّ الحاجة إلى الابتكار واضحة.
يرى حسن فوزي، وهو عالم جغرافيا وعالم اجتماع، أنّ مبادرة بازير وفّرت رؤية جديدة تحتاجها ريادة الأعمال الاجتماعية بشدّة.
ويؤكّد أنّه "في معظم المدن المغربية، يهيمن الرجال على المنتَجات والخدمات على أنواعها، أمّا النساء فهنّ أقلّ ظهوراً والشركات التي تمتلكها نساء تغطّي فقط النفقات الأكثر إلحاحاً للأسر - في كثيرٍ من الحالات".
يشير فوزي إلى أنّ "رفع الحواجز التي تعترض سبل ريادة الأعمال النسائية غالباً ما تثير نقاشاتٍ مطوّلة بشأن كيفية التحرّك وما تقوم به بازير هو تمكينهنّ من اتخاذ خطوةٍ إلى الأمام".
خطوات صغيرة لكسر عزلة النساء
لم تستفد بازير من تجربتها الدولية لبناء مسيرة مهنية دولية خاصّة بها، بل استخدمت هذه التجربة كمنصّة لإطلاق مبادراتها المحلية في المغرب. وتوضح قائلة: "تعلّمت أنّه لا ينبغي قبول الأمور كما هي، بل يمكن السؤال عن كلّ شيء ومحاولة إحداث تغيير".
عندما كانت بازير تدرس في "جامعة كولومبيا"، عُيّنَت كممثّلةٍ للشباب في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة العام 2013، حيث عملت لأكثر من عام على التنمية المستدامة في البلدان الفقيرة.
أكسبها هذا البرنامج خلفيةً "خضراء" متينة حاولت الاستفادة منها في مبادرتها مع النساء في جبال الأطلس، فترافق السعي لتأمين نموذج عمل مستدام لرائدات الأعمال في المغرب مع الوعي حيال تغيّر المناخ.
وتكشف بازير أنّها تمكّنت من "جمع الأموال لمشاريع مميزة مثل حمام صديق للبيئة ومشاريع أخرى للطاقة الشمسية"، مضيفةً أنّ "مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية" MEPI، وهي صندوق أميركي، تموّل برنامج التمكين بمبلغ 100 ألف دولار.
الصورة الرئيسية من لمياء بازير.