صفقة 'سوق.كوم' تغيّر قواعد التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية [رأي]
لم يعد الخبر جديداً: شركة "أمازون" Amazon التي تأسست قبل 23 عاماً في سياتل، والتي تعدّ أكبر بائع بالتجزئة في العالم من حيث المبيعات والقيمة السوقية وتعمل في 15 بلداً، استحوذت على شركة "سوق.كوم" ٍSouq.com التي تأسست قبل 12 عاماً في دبي، والتي تعدّ أكبر بائع بالتجزئة في المنطقة العربية حيث تعمل في أكبر أسواق المنطقة في السعوديّة والإمارات ومصر.
هذه التطورات مثيرة للاهتمام فعلاً. وذلك لأنّ "أمازون" لطالما دخلت إلى أسواق جديدة بمفردها (كما فعلت في الهند والصين وأوروبا)، ولم تستحوذ على أيّ شركة تعمل في مجال البيع بالتجزئة بعد العام 2010.
ستمنح الصفقة "أمازون" الخبرة المحلية التي يتمتّع بها فريق "سوق.كوم" وبطاقة دخول إلى منطقتنا السريعة النموّ التي تعرف علامة "أمازون" التجارية جيداً والتي تسوّقت من خلالها بمساعدة الخدمات العابرة للحدود. وسيحظى المستثمرون في "سوق.كوم" بصفقة تخارج استُحِقّت عن جدارة قبل حتى أن تبرز الحاجة إلى تمويل إضافي.
هل تسعد هذه الأرقام الجميع؟
يبدو أن كافة الأطراف المعنية سعيدة بهذا الخبر، سواء الحكومة (على لسان وليّ العهد في دبي)، أو "أمازون"، أو الرئيس التنفيذي لـ"سوق.كوم" رونالدو مشحور، أو أصحاب شركات التجارة الإلكترونية الأخرى الذين يطمحون للحصول على صفقة مشابهة، أو موظّفي "سوق.كوم" الذين عبّروا مراراً وتكراراً على الشبكات الاجتماعية عن سعادتهم بهذا الخبر.
وانعكست أهمية الصفقة في الأسواق المالية حيث ارتفع سعر أسهم "أمازون" كثيراً ما رفع الرئيس التنفيذي للشركة، جيف بيزوس، إلى مرتبة ثاني أغنى رجل في العالم.
ولكن هذه الصفقة سجّلت عائداً على الاستثمار يساوي مرة ونصف قيمة الاستثمارات التي تلقّتها "سوق.كوم" (تلقّت الشركة الإماراتية استثمارات بقيمة 425 مليون دولار، فيما تمّ الاستحواذ عليها بحوالي 650 مليون دولار حسبما أفادت بعض التقارير). وهذا ما جعل بعض المستثمرين في "سوق.كوم" غير راضين تماماً. ففي نهاية المطاف، حين حصلت "سوق.كوم" على آخر استثماراتها العام الماضي، قدّرت قيمتها بمليار دولار.
وعلى سبيل المقارنة، وفي صفقة مماثلة في آسيا، دفعت "علي بابا" Alibaba مليار دولار للمستثمرين في "لازادا" Lazada واستثمرت 500 مليون أخرى في أسهم جديدة، لتستحوذ على الشركة. وكان هؤلاء المستثمرون قد خصصوا 480 مليون دولار منحتهم بموجب تلك الصفقة 66% من شركة قدّرت قيمتها بـ1.5 مليار قبل ارتفاع رأسمالها. وبلغ العائد على الاستثمار في هذه الشركة ضعفي المبلغ المستثمر، في حين ذكرت معلومات أن المستثمر المؤسس لـ"روكيت إنترنت" Rocket Internet باع معظم حصّته بسعر يساوي 15 مرّة قيمة المبلغ الذي استثمره.
كيف تتأثر التجارة الإلكترونية في المنطقة بهذه الصفقة؟
سوف تحسّن "أمازون" تجربة "سوق.كوم" الرقمية بفضل ميزاتها الأكثر تطوّراً للتسوق على الإنترنت وخوارزمياتها لاقتراح المنتجات المفضّلة.
وتعتبر "أمازون" متمكّنة من عمليات التخزين وتلبية الطلبات وتوصيلها أكثر من أيّ شركة أخرى في المنطقة. لذلك، سوف تجد طرقاً لتقليص أوقات التوصيل بمساعدة "كيو إكسبرس" Q-Express التابعة لـ"سوق.كوم" (ربما بمساعدة طائرات من دون طيّار).
يمكن أن تضيف "أمازون" المزيد من الفئات والعلامات التجارية وقد تطرح تدريجياً المزيد من منتجاتها وخدماتها مثل "أمازون برايم" Amazon Prime (ربما في مناطق محددة فقط). وإذا نظرنا إلى الصفقة من منظار أوسع، سنلاحظ أن مصداقية العلامة التجارية لـ"أمازون" قد تشجّع المزيد من الناس على التسوق عبر الإنترنت ما سينمّي السوق أكثر وبوتيرة أسرع.
تأثير هذه الصفقة مختلف على أصحاب شركات التجارة الإلكترونية الأخرى. إذا كنت تدير سوقاً إلكترونية عامة (تقدّم منتجات متنوعة) أو تفكر في إطلاق سوق من هذا النوع، فأنت تواجه شركة ذات موارد ماليّة ضخمة جدّاً لديها تاريخ من الاستثمارات الجماعية التكنولوجية والعمليّة يمتد لـ35 عاماً، وقيمة تجارية مزدوجة هائلة، وقاعدة عملاء تضم ملايين الناس.
وإذا كنت تقدّم الخدمات نفسها التي يقدّمها الثنائي "أمازون"/"سوق.كوم"، فسوف تتكلّف الكثير والكثير مهما جمعت من أموال، وذلك للمحافظة على عملائك أو لجذب عملاء جدد وتقديم التجربة نفسها. وهذا يعني أنّه سيصعب كثيراً على المنافسين جمع التمويل أيضاً.
أما إذا كنت شركة متخصصة تعرض علامات تجارية مختلفة (مثل سوق الأطفال والأمّهات، "ميني إكستشاينج" Mini Exchange ، أو بائع منتجات الأزياء والجمال "نمشي" Namshi)، أو تركّز على قسم محدد من سوق معيّنة (مثل "أووك" Awok التي تستهدف المستويات المتدنية الواسعة من هرم العملاء)، أو تستخدم نموذجاً مختلفاً (كالاشتراكات في "جلام بوكس" Glambox)، فقد يكون لديك فرصة.
فصحيح أنك ستواجه منافسة محتدمة أكثر في فئتك، إلاّ أنك ستتمكّن من التميّز بعلامتك التجارية، ولائحة منتجاتك الطويلة وخدماتك المتخصصة، كما ستستفيد من نموّ السوق والمنافع التي ستعود بها تكاليف الشحن على السوق.
أعتقد أن الأكبر بين منصات التجارة الإلكترونية المتميّزة تلك سوف تكون قريباً أهدافاً للاستحواذ سواء من لاعبين أجانب مثل "إيباي" ebay أو "راكوتن" rakuten أو "علي بابا"، أو حتى من مجموعات إقليمية للبيع بالتجزئة (إذا تحرّكت بسرعة).
بالنسبة للبائعين بالتجزئة خارج الإنترنت والموزّعين والعلامات التجارية، يترك دخول "أمازون" أثراً إيجابياً تارة وسلبياً طوراً. من الناحية الإيجابية، سوف يوفّر لهم قناة رائعة لبيع منتجاتهم عبر الإنترنت.
أمّا من الناحية السلبية، فسيعانون من اعتماد مبالغ فيه على منصّة كبرى أو منصتين، ونقصاً في الخبرة الفردية في العلامة التجارية ونقصاً في المعلومات عن العملاء. كذلك، قد يضطرون إلى تخفيض أسعارهم وهوامشهم لتكون مماثلة لأسعار المنتجات نفسها التي تقدّمها شبكة "أمازون" العالمية للتّجار.
في الأسواق الأكثر تطوّراً في الشرق والغرب من منطقتنا، تهيمن السوق الإلكترونية العملاقة على غالبية مبيعات منتجات العلامات التجارية، ولا تنافسها سوى بعض العلامات التجارية الكبرى من خلال قنوات البيع المباشرة. لذلك، يجب أن يتعلّم جميع هؤلاء اللاعبون التقليديون العمل مع هذه السوق الإلكترونية العملاقة والاستفادة منها بما يفيد أهدافهم، بأقلّ كلفة ممكنة.
بغض النظر عن الجانب الذي تقف عليه في كل هذا، فمن الواضح أن السنوات المقبلة ستكون ممتعة ومثيرة، سواء للاعبين في مجال التجارة الإلكترونية أو لمحبّي الشراء عبر الإنترنت.
الصورة الرئيسية من Northeastern.edu.