النساء يعدن تشكيل مشهد التصميم في المنطقة العربية
ساهمت الطفرة الأخيرة في الأزياء الإسلامية المحتشمة في تسليط الضوء على مصمّمات عربيات، كما حفّزت الطلب على المنتَجات المُصمَّمة والمصنوعة عربياً.
غير أنّ مجال تصميم الأزياء ليس سوى غيض من فيض، فالمصمّمات العربيات يحرّكن الطلب الدولي على المنتجات التي كان العالم العربي مهداً لولادتها، مفهوماً وتصميماً.
استخدمت بعض المصمّمات العصاميّات، مثل اللبنانيتين نادين قانصو وندى الدبس، التصميم لإعادة تشكيل الهوية العربية وتغيير النظرة إليها أمام جمهور أجنبي، من خلال إضفاء لمسة معاصرة على جماليات الشرق التقليدية.
لا تمرّ هذه الإمكانات مرور الكرام، فإحدى شركات التجارة الإلكترونية الناشئة في نيويورك ترغب في الاستفادة منها، وهي شركة "لترنون"Letternoon التي تبيع منتَجات صَمَّمت أغلبها مصمّمات ورائدات أعمال عربيات مثل قانصو والدبس.
تقول نادين جبري، مؤسّسة "لترنون"، إنّها أطلقت الشركة في مدينة نيويورك العام 2015، بهدف "تغيير نظرة الناس إلى المنطقة [العربية] ودعم المصمّمين العرب في إيصال أعمالهم إلى الجمهور الأميركي. فهناك بالتأكيد اهتمام أميركي متزايد بالتصميم الشرق أوسطي وبتخطّي المؤسّسات السياسية والإعلامية".
النساء يشاركن أكثر في مجال التصميم
ترى ماريا هبري وهدى بارودي من مشغل "بقجة ديزاين" Bokja Design اللبناني للأثاث والتطريز على الأقمشة، أنّه في الوقت الذي يُعاب فيه على المنطقة قلّة انخراط النساء في سوق العمل، يمكن ملاحظة ازدياد العلامات التجارية التي أسّستها نساء وكذلك اندفاع العديد من المصمّمات لعرض أعمالهنّ.
تعتقد هبري وبارودي أيضاً أنّ بعض الشركات تستغلّ "أنثوية" مهمتها ورؤيتها. وتشرح هبري: "نعتقد بأنّ ثمة حاجة إلى نهجٍ موضوعيّ للتحليل النقدي للتصاميم بصرف النظر عن هويّة من صممها".
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أنّ عدداً لا بأس به من رائدات الأعمال نجحن في إنشاء وإدارة متاجرهنّ الخاصّة ما يشكّل حافزاً للنساء الأخريات، لا سيما في بيئات أكثر تنافسية بالنسبة لهن، مثل الخليج.
أسّست ديانا حواتمة وشيخة بن ظاهر شركة "أبجد ديزاين" Abjad Design لتصميم الجرافيك في دبي، فجذبت اهتمام وسائل الإعلام لأنّ الشريكتين بدأتا أعمالهما بنفسيهما. وتقول حواتمة: "نأمل أن نشجّع مصمّمات الجرافيك الأخريات على تخطّي الخوف وتأسيس مشاريع للتصميم خاصّة بهنّ".
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت شركة التصميم هذه التي تديرها نساء في إضافة قيمةٍ من الثقافة والهوية العربيتين، مستوحاةٍ من الخطّ العربي وجمالية الزخرفة العربية المحلّية.
الهوية العربية في المنتجات المميزة
تُعرب حواتمة عن رغبة الشركة في "التركيز على مشاريع تعكس ثقافتنا الغنية وتعلّم الناس مواضيع ذات طابع عربي. على سبيل المثال، عملنا مع ’هيئة أبو ظبي للسياحة‘ Abu Dhabi Tourism Authority و’هيئة البيئة والمحميات الطبيعية‘ Environmental Protected Area Authority في الشارقة على صياغة علامة تجارية وإنشاء رسومات جرافيكية تعليمية".
تساهم هذه الرسومات التعليمية المستوحاة من الثقافة العربية في الترويج خارجياً لمجال التصميم في المنطقة، عن طريق عملاء الشركة الدوليين.
بدورها، عمدت "بقجة" إلى إضافة لمسة محلية على منتجاتها. فهذه الشركة، بحسب بارودي، تعمل من بيروت في بلد "يقف في الوسط بين القديم والجديد، والشرق والغرب، وتثار فيه قضايا بشأن الهوية وعدم الثبات. ولذلك، فإنّ وراء منتجات ’بقجة‘ يقف موضوع الهوية، في كيفية ولادتها وتجميعها، وكيفية نقلها وتكيّفها".
تضيف بارودي أنّ وضع المرأة حالياً "يبدو مطمئناً أكثر بسبب وجود جيل مختلف"، معربةً عن أملها "في رؤية المزايا التي يتمتّع بها شبابنا".
هذه المقاربات الجديدة التي يعتمدها جيل الألفية الذي يحمل ثقافة عالمية ولا يزال متجذراً في المنطقة التي يستخدمها كمصدرٍ للإلهام في العمل، تساعد أيضاً في إعادة تشكيل مشهد التصميم بما يتجاوز التحسّن في المساواة بين الجنسين.
أفكار مبتكرة تتجاوز مسألة التمييز الجندري
قدّم استديو التصميم اللبناني، "تويج كولابوراتيف" Twig Collaborative، فكرة أن يكون التصميم أكثر شمولاً.
وتقول سيرينا فارما، الشريكة المؤسِّسة لـ"تويج": "نحن نتعاون مع أشخاص مبدعين من مختلف المجالات لعرض أعمال وتجارب مميزة، مثل المفروشات والمجسّمات والمساحات والمباني".
تضيف فارما أنّه "خلال دراستي الهندسة في ’الجامعة الأميركية في بيروت‘ AUB، كان معظم أساتذتي مهندسات معماريات عظيمات وقدوات يُحتذى بهنّ، كما كان معظم زملائي من الإناث. لهذا كان مفاجئاً لي، عندما بدأت العمل في بيروت، رؤية عدد قليل جداً من الإناث في هذا المجال مقارنة بالذكور. وحيث توجد مهندسات معماريات، يكون الرجال في المناصب القيادية".
بعد هذه التجربة، قرّرت فارما المشاركة في تأسيس شركة إبداعية تلائم نظرتها حيال العمل ورؤيتها للمساواة بين الجنسين. فبدأت "تويج" بالعمل في بيروت، قبل أن تتوسّع إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخارج.
تختم فارما بالقول إنّ "مجتمعاتنا تحتاج إلى توفير المزيد من الفرص للمرأة، وبالطبع نحن بحاجةٍ إلى مزيدٍ من التوعية والنشاط لإزالة المخاوف. ولكن يجب أن يكون ذلك مستوحىً من شخصيات نسائية قوية يكسرن القوالب النمطية في هذا المجال في منطقتنا".
الصورة الرئيسية لمؤسستي "أبجد ديزاين" ديانا حواتمة وشيخة بن ظاهر (الصورة من "أبجد ديزاين")