لولو الخازن باز: هذا ما أعرفه عن إطلاق شركة ناشئة قبل أوانها في السوق
حين أطلقت لولو الخازن باز "نبّش" Nabbesh في العام 2012، كانت تطرح مفهوماً غريباً على المنطقة العربية. ففي هذه البقعة التي تسود فيها ثقافة تعتمد على التفاعل الشخصي أثناء إتمام الصفقات التجارية والتوظيف، قدمت "نبّش" التي تتخذ من دبي مقراً لها سوقاً إلكترونية لتوظيف متعاقدين مستقلين (عاملين لحسابهم الخاص).
كان العملاء مترددين، واضطرّت الخازن باز إلى تعديل عرضها للمستثمرين باستمرار للتعبير عن استعداد السوق. أما العنصر الوحيد في السوق الذي لم تجد الشركة مشاكل في ضمّه فهم المتعاقدون أنفسهم.
أما اليوم فالحديث عن قطاع العمل الحر مختلف كثيراً، لا بل يعتبر إيجابياً ليس في الإمارات فحسب بل في العالم أيضاً. فقد بدأت القوانين الخاصة بهذا المجال تُسَنّ، حيث أصبح في الإمارات متاحاً أمام الموظفين المستقلين الحصول على ترخيص للعمل كمتعاقدين مستقلين. وتؤكّد الخازن باز أنّ هذا التوجّه يساعد في تعزيز نموّ "نبّش" ويعمّق فهم دور المستقلّين في سوق العمل.
تستضيف "نبّش" اليوم 100 ألف متعاقد مستقل يصنّف 42% منهم أنفسهم على أنّهم متعاقدون مستقلّون بدوام كامل. كما نُشر على الموقع 20 ألف عرض عمل في مجالات عدّة أكثرها شعبية بين الموظفين هي التصميم والإعلام والعمارة.
ورغم أنّ هذه الأرقام ما زالت أقلّ بكثير من توقّعات المؤسِّسة، إلّا أنّه لدى مقارنتها بالبدايات يمكن القول إنّها حقّقت عدداً لا بأس به من الإنجازات. تدرك الخازن باز أنّ "نبّش" تحتاج إلى تغيير في الثقافة السائدة لكي تحقّق النجاح المنتظر، ولم يكن ما تقوم به الشركة مجرّد حلٍّ لمشكلةٍ ما بل إجراء تحوّل في طريقة معالجتها.
فتحت الخازن باز قلبها لـ"ومضة" عن الدروس التي استقتها من بناء شركتها قبل أوانها في السوق، وإليكم ما تعرفه.
ابدأ بإعداد سيرة ذاتية غنية. عندما تؤسّس شركة، هذا يعني تلقيائياً بأنّك تقوم بعدّة أمور في الوقت ذاته. فأنا بدأتُ مسيرتي في قطاع الفندقية قبل أن أنتقل إلى الخدمات المالية ومن ثمّ التسويق. بدأتُ بعدها العمل في شركة استثمار مخاطر، وهي وظيفة شكّلت منطلقاً مثالياً لي إلى عالم ريادة الأعمال، ما زوّدني بالثقة لأتوقف عن العمل وأسعى لابتكار شيءٍ ما.
تأكّد من وجود جميع المكوّنات في السوق. ادرُس السوق جيداً واضمن أن تكون جميع العناصر متوفّرة لتحقق شركتك نجاحاً كبيراً. فقبل إطلاق "نبّش"، درسنا التفاوت الاقتصادي في الشرق الأوسط حيث هناك دول لديها دخل متاح أكثر من غيرها. ونظرياً، يجب أن يقود ذلك إلى إعطاء دفعة للعمل عن بعد. لقد فتحت البطالة المرتفعة، لا سيما بين الشباب، باب الفرص أمام المزيد من أصحاب المواهب المتحمّسين للعمل بأسعار مقبولة أكثر. تعتبر نسبة مشاركة النساء في سوق العمل في الشرق الأوسط وشمال افريقيا متدنّية، وثمة الكثير من النساء القادرات على تحقيق الدّخل من العمل من المنزل. لذلك، يمكن للتوظيف عن بعد ردم هذه الفجوة. فإن كنت في عمّان أو في القاهرة ولم تستطع العثور على خبير هناك، سيكون مفيداً لك أن تعرف أنّ بإمكانك العثور على أحد في مدينة أخرى.
حسّن منتجاً أو خدمة موجودين. المنتجات أو الخدمات المتقّدمة عن غيرها تتطلّب استثماراً في التسويق والتثقيف، وهو أمرٌ لا تدعمه البيئة الريادية حديثة النشأة في المنطقة، لأنّ الإقبال على المخاطرة ضئيل. لذلك ركّز على أمر لا يتطلب من المستهلك أن يجري تغييراً جذرياً في سلوكه.
ضع ثقافة المنطقة في الاعتبار. لم آخذ هذا الأمر في الاعتبار عندما بدأت فوقفت الثقافة ضدّنا نظراً إلى الغياب المزمن للثقة في هذا الجزء من العالم. الموظفون المستقلّون لا يثقون بالعميل، والعملاء لا يثقون بالموظفين. وهذا الأمر يتعارض مع مفهوم العمل عن بُعد لأنّ الجميع أرادوا اللقاء شخصياً. وهذا لا يتوقف حتى الآن عن عرقلة نموّنا في المنطقة.
اسعَ إلى تغييرات محدودة في الثقافة المحلية. إذا كنت تقوم بأمر جديد أو تسعى لتحسين سلوك معين، قم بشيء يتطلّب تغييراً سلوكياً محدوداً. قد تبدو الفكرة أصغر نظرياً ولكنّ فرصتها في الانتشار أكبر ولديها سوق مهم لتلبّيه؛ وهذا رهان أفضل لرائد الأعمال.
ثقّف جمهورك المستهدف. استثمر في التسويق وفي تثقيف جمهورك المستهدف، لأنّ هذا هو المكان المناسب لإنفاق مالك في البدايات. الناس في هذه البقعة من العالم بدأوا يستخدمون "نبّش" كموقع توظيف تقليدي، لذلك أنفقنا الكثير من المال على إفهام الناس أنّ هناك خياراً لتوظيف شخص مستقل بدوام كامل وأنّ هذا الأمر يقلّص عليهم التكاليف.
ابنِ طلباً على الجودة. عندما تطلق شركة جديدة على السوق، تحتاج أن تبني طلباً على النوّعية الجيدة. فإذا كانت معايير الطلب متدنّية فإنّ الخدمة ستكون كذلك، ما يترك انطباعاً بأنّ منتجك أدنى من المعايير. بالنسبة إلينا هذه حلقة متّصلة، أي حين يكون لديك عملاء جيدون سيكون لديك في المقابل موظّفون مستقلون جيدون.
اتبع أحلامك، ولكن في المنطقة هنا كن براغماتياً. ابحث عمّا إذا كان المستثمر النموذجي في المنطقة قد يموّل شركة من هذا النوع وتأكّد من أن يكون لديك مسار واضح وسريع لتحقيق العائدات. من دون التمويل لا يمكنك المخاطرة وهذا يحدّ من نموّك. إذا وضعنا الحماسة جانباً، يتطلّب إطلاق شركة بعض البحث المعمّق من جانب الريادي والابتعاد بعض الشيء عن فكرة الشركة لتتمكّن من تقييم قابليتها للاستمرار بموضوعية.
فكّر بالتوسّع منذ اللحظة الأولى. حتى لو كانت شركتك دخلت السوق قبل أوانها، فكّر في كيفية النموّ أبعد من المدينة التي تستضيفك. "نبّش" مثلاً لم تكن يوماً حلاً خاصاً بدبي، بل أُنشِئت لمساعدة أصحاب المواهب في المنطقة للحصول على وظائف. هذه طبيعة العمل عن بُعد، وهذه كانت أفضل طريقة لمعالجة جميع المشاكل التي نحاول معالجتها. لذلك عليك أن تفكّر من الأساس في جميع المكوّنات في السوق والحرص على أن يكون الحلّ الذي تقدّمه شركتك جاهزاً للتوسّع من البداية.
عندما يحين الوقت، استفِد من التوجّه السائد. التثقيف والتسويق مكلفان جداً، لذلك يُستحسن أن تكون أقرب إلى التوجّه السائد. فالأمور تتغير بسرعة كبيرة لأنّ الناس يقرأون كثيراً ويستعملون الإنترنت كثيراً وأصبحوا أكثر انفتاحاً في البحث عن أنماط مختلفة من الفرص على الشبكة. فبغض النظر عن نوع شركتك، استمثر قدر الإمكان في التثقيف والتسويق كي تكون على أهبة الاستعداد للاستفادة من التغيير في الثقافة والسوق.
الأمر دونه مخاطرة. يعتبر القيام بأيّ شيء جديد على المنطقة، مخاطرة. وثقافة المخاطرة غائبة بين المستثمرين هنا، لذلك ستواجه صعوبة في العثور على تمويل. كما أنّ المنطقة تفتقد إلى بيئة حاضنة ونظام دعم ليساعداك على النجاح كما هو الحال في وادي السيليكون حيث البيئة الحاضنة تشجّع الأفكار الجديدة والمخاطرة وهناك الكثير من المال لضخّه في الشركات الناشئة.